حول معالم الخطة الأميركية المستهدفة محور المقاومة.. وآليات مواجهتها المفترضة 2

حسن شقير

استراتيجيات مُفَعّلة.. كتمهيدٍ لطرح البدائل

لا تبتعد الاستراتيجيات الأميركية تجاه المقاومة في لبنان – في عناوينها العامة – كثيراً عن نظيراتها تجاه إيران، إلاّ في بعض التفاصيل والاليات الضرورية والتي تتناسب كل جهة على حدا.

أ- التعرية: لم تبتعد الاستراتيجية الترامبية في الملف الإيراني، عنها في الملف اللبناني، وتحديداً فيما خص المؤرق الأول للصهاينة ضمن الأذرع المقاومة حول الكيان الصهيوني، والذي رفعه ترامب إلى مستوى الأهداف «السامية « لديه، فأعيد تفعيل استراتيجية التعرية، وخصوصاً لناحية إثارة ضجة حول الأهداف التي يطرحها حزب الله، لتدعيم الإحتفاظ بسلاحه، فكانت حملة الكيان الصهيوني الإعلامية العالمية حول الصواريخ الدقيقة، وأماكن تطويرها ضمن جغرافيات حساسة لمختلف الأطياف اللبنانية، وصولاً إلى ذاك الضخ الإعلامي الذي يحاول زرع الشقاق بين بيئة المقاومة اللصيقة وهذه الأخيرة أيضاً، وذلك من خلال بث الدعايات حول تحويل المقاومة لما هو أسفل منازل المواطنين في الجنوب والضاحية إلى أماكن لتخزين تلك الصواريخ، مدعياً بأن المقاومة لا تكترث لحياة حتى مناصريها وبيئتها الحاضنة، فكيف بالبيئات الأخرى!، ولتكمل تلك الإستراتيجية في ما سُمي بملف الأنفاق، ومحاولة إظهار المقاومة على أنها خارجةٌ عن القانون الدولي، واللعب على وتر العلاقة مع اليونيفيل والتفويض المعطى لها وفق القرار 1701، ولتكون الدول التي تنتمي إليها تلك القوات، أكثر توجساً من المقاومة إنها ضمن استراتيجية التعرية أعلاها أيضاً.

ب – العزل: وبما أن العزل العسكري والميداني غير ممكن الحصول مع حزب الله في لبنان، وذلك لإعتبارات متعددة، وبما أن سياسة العزل السياسي لغاية الأن غير ممكنة التنفيذ، وعليه فإن العزل الإقتصادي والمادي هو المطروح حالياً وبقوة ضد المقاومة وبيئتها، فضلاً عن كل البيئات الأخرى المتعاطفة معها.. وهذا المشروع الأميركي حمله أكثر من مسؤول ومصدر أميركي لكل من يعنيه الأمر في لبنان، ولأجل ذلك ربما سنشهد عقوبات أميركية متصاعدة على شخصيات تتهمها أميركا بالتعاطف مع المقاومة، أو أنها ترتبط بقنوات خلفية معها.. وكل ذلك سيترافق مع تشديد الخناق على أية آلية تحويلات مالية إلى لبنان.. والهدف من وراء ذلك كله عزلٌ مادي وتجاري، كمقدمةً لعزل سياسي.. ولتُطرح بعدها أميركا فكرة البدائل المُحفِّزة، كواقع في الميدان اللبناني، شأنه شأن الميدان السوري، وهذا ما سنتحدث عنه في الحلقة الثالثة.

ج- إفقاد الدور بالإزاحة: لعل الضلع الثالث التي تعمل عليه الاستراتيجية الأميركية في محاصرتها لحزب الله وتعريته إضافة إلى عزله، سيعتمد على استراتيجية كنا قد فصلنا فيها، وذلك بعيد الانتهاء من الإستثمار الأميركي بورقة «داعش» في استنزاف محور المقاومة برمته مقالة نُشرت في «البناء» بتاريخ 08-08-2017 بعنوان: الكارت الأمريكي الجديد في المنطقة: إفقاد الدور .. بالإزاحة ، ففي الشق المتعلق بحزب الله يعود تسليط الضوء الأميركي على توهين فكرة الثلاثية الذهبية في لبنان الشعب، الجيش والمقاومة ، والتركيز على تحويلها إلى ثنائية الشعب والجيش ، وعليه فإن المرحلة المقبلة سيعمل على تظهير دور الجيش اللبناني، وفي أكثر من ملفٍ يرتبط بالصراع مع العدو الصهيوني قضية الأنفاق نموذجاً وربما يُشار لاحقاً إلى تسليف الجيش اللبناني بعض القضايا التي كانت تحت عنوان «المحرمات» الصهيونية، والتي لا يجوز الإقتراب منها في المرحلة السابقة كالتسليح وغيره

كيف ستواجه المقاومة في لبنان هذه التفعيل الصهيوأميركي لتلك الاستراتيجيات القديمة – المتجددة؟ وخصوصاً أن الخيار العسكري ليس مطروحاً على الطاولة الصهيونية في هذه الأيام، ولإعتباراتٍ شتى.

لا يوجد أدنى شك بوضوح الرؤية لدى أصحاب الشأن في المقاومة، حول كل ما يخطط لها أميركياً وصهيونياً، وبعض عربيٍ مع الأسف، وذلك للإيقاع بها وبمشروعها المناهض لهؤلاء في لبنان والمنطقة، ولأجل ذلك فإن الافتراض بأنها ستنطلق في مواجهتها لتلك الأستراتيجيات الخبيثة، وفقاً لما يلي:

– فيما يتعلّق بـ «التعرية»، و»إفقاد الدور»، فإن المقاومة تمتلك من الاستراتيجيات المضادة، ما هو كفيلٌ بإفشال ما تم سرده أعلاه، وذلك من خلال تذكير بعض من في الداخل والخارج أيضاً، بأن الصراع مع الكيان الصهيوني – الرافع لشعار الإنطوائية هذه الأيام-، ليس صراعاً دفاعياً وبشكل حصري، وليست المسألةُ مسألة مواجهة لخروقات صهيونية للقرار الدولي 1701، إنما القضية تتعدى ذلك بكثير، وتحديداً إلى تذكير بعض من هؤلاء، بأن النقاش في الاستراتيجية الدفاعية، لا ينبغي أن يقفز فوق نظيرتها التحريرية، وخصوصاً أن أصل نشوء المقاومة ونموها هي بفعل احتلال الأرض، وقبل الدفاع عن سيادتها، وعليه فإن محاولات العدو، وبعض من يتماهى معه داخلياً وخارجياً، ولأسباب تتعلق بمحاولة ضرب المصداقية للمقاومة، ولدى بيئاتها الحاضنة والمتنوعة في آنٍ معاً، ما هي إلاّ جزءٌ من مشروع التعرية التي يُراد منه سلخ المقاومة عن منطلقاتها الأساسية، ومحاولة إظهارها بمظهر المتنكر لتضحيات بيئاتها، وعلى امتداد تلك العقود السابقة.. بكلمات معدودة إنها العودة لطرح ما يُحاول العدو طمسه في وعي الأمة: إنه التحرير والإلتزام به، قبل أن يأتي أي كلامٍ عن الدفاع، والذي لا يقل شأناً عنه.. وخصوصا ً أن المعركة المقبلة – وفي الوعي اللبناني-، سيجهدُ العدو بأن تحمل عنواناً، يُختَصر بصراع مع فكرة الثلاثية الذهبية، والتي يحمل هذا العدو لواء تحويلها زوراً إلى ثنائية فقط، ولأهداف ٍخبيثة في لاوعيه المصاب بفوبيا المقاومة، ومنذ عشرات من السنين.

– أما فيما يتعلق بـ «العزل»، فإن مقتل هذه الإستراتيجية الأميركية، يكمن في ذاك الوفاء السياسي والأخلاقي التي تمارسه المقاومة مع البيئات الأخرى، والحاضنة لها – خارج البيئة اللصيقة بها-، وقد تمثل ذلك بانتخاب الرئيس عون، امتداداً إلى الإصرار على اعتماد القانون النسبي للانتخابات النيابية، ومن دون أن نغفل عدم القبول باستفراد حلفائها واستضعافهم قضية الوزير وهاب .. وصولاً إلى الإصرار الحاصل في ضرورة تسييل الأصوات الإنتخابية المتحالفة مع المقاومة في التوزير في الحكومة العتيدة .. وهذا بحد ذاته، يعدُّ مقتلا لاستراتيجية العزل تلك، خصوصاً إذا ترافق ذلك في الفترة المقبلة بالتكامل فيما بين هؤلاء جميعاً في رفع ضيم سيف الفساد عن رقاب اللبنانيين جميعاً

بكلماتٍ معدودة، إن هذا كفيلٌ – وباعتقادي – بخنق استراتيجية «تقديم البدائل»، والتي ستسعى إليها أميركا، وبقوةٍ في المرحلة المقبلة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى