حول معالم الخطة الأميركية المستهدفة محور المقاومة.. وآليات مواجهتها المفترضة 3
حسن شقير
كتبنا سابقاً – وعلى صفحات «البناء»، العشرات من المقالات المتعلقة، بالاستراتيجيات والاستراتيجيات المضادة حول قطب الرحى في محور المقاومة، والمتمثل بالدولة السورية، وتموضعها السياسي في المنطقة والعالم أيضاً، وقد وصلت التطورات العسكرية والميدانية فيها إلى مرحلة من الصراع هناك، يمكن توصيفه على الشكل التالي:
صراعُ السلال.. وإدامة النزف والاستنزاف مع طرح البدائل
بما أن الصراع في سورية – بعد التطورات الميدانية الأخيرة -أضحى ما يمكن تسميته بصراع السلال وترتيبها بين معسكري روسيا وأميركا، بحيث أنّ المعسكر الأول، والذي يجهد أن تنضمّ إليه تركيا، وبشكل نهائي، يرى في خريطة طريق الحلّ مرتكزة أولاً على مكافحة الإرهاب، ثم على إعادة الإعمار وعودة اللاجئين، ولتنطلق بعدها عملية الاستفتاء على الدستور، وذلك بعد أن تكون مهمة اللجنة الدستورية قد انتهت.
أما المعسكر الثاني والذي يُسمّى «المجموعة المصغّرة»، والذي يجهد أيضاً بأن يُغري تركيا ويحاول منعها من أيّ تقارب مع المعسكر الأول، فهو يرى في خريطة طريق الحلّ السوري، مرتكزة على إنجاز الحلّ السياسي المرضى عنه أميركياً، ومن ثم تأتي باقي السلال الأخرى.. والتي لا فرق فيها بالتتالي أو بالتوازي.
انطلاقاً من هذا الفهم أعلاه، فإننا نلاحظ بأنّ تركيا هي بيضة القبّان لدى المعسكرين.. ولعلّ صراع السلال ذاك، هو الذي سيجعل من هذه الدولة تُرجح كفة هذه السلة على تلك.. فكيف ذلك؟
لكي نفسّر ذلك، فإنّ قرار أميركا سحب قواتها من شرق الفرات، وتطوّرات القضاء على «داعش»، وبدء الصراع الدولي والإقليمي على تلك المنطقة الجغرافية المهمة جداً في الجغرافيا السورية.. فإنّ ذلك كله هو الفيصل والسلاح الكاسر للتوازن – إن صحّ التعبير – في صراع السلال تلك، فإذا أراد أصحاب المعسكر الأول، أن تمضي خريطة الطريق التي ذكرناها أعلاه، فإنه لا بدّ -وفي ظلّ المنع الأميركي الشديد – من أن تبسط الدولة السورية سيطرتها على تلك الجغرافيا الحيوية في شرق البلاد، وذلك لكي تنطلق عملية إعادة الإعمار وعودة النازحين من خلال استثمار موارد الداخل فيها، وما تيسّر من موارد الخارج الحليف، والشحيحة في هذه الأيام بفعل العقوبات والاستنزاف على حدّ سواء… هذا من جهة، ومن جهة ثانية لا بدّ من الخلاص من البؤرة الإرهابية الخطرة جداً في أدلب وأرياف المحافظات المجاورة لها، وهذان الأمران يتطلبان تعاوناً تركياً مباشراً مع أصحاب المعسكر الأول… والذي لغاية اليوم ليس متوفراً، بفعل المماطلة التركية ليتزامن هذا وذاك مع عرض أميركي جديد وخبيث لسورية – وبلباس عربي هذه المرّة – في تقديم البدائل لها، في زمن «الشحّ المقاوم» كما تعتقد واشنطن، وذلك مشروطٌ بـ «غسل» اليد السورية من محور المقاومة!
اما أصحاب المعسكر الثاني ـ وبناءً لخريطة الطريق التي وضعتها المجموعة المصغّرة – فإنّ عرقلة خريطة طريق المعسكر الأول لا بدّ أن يرتكز على تركيا حصراً، فكان القرار الترامبي بمنحها المنطقة الآمنة، والتي نادت بها منذ سنوات خلت، مع طلب أميركي مباشر بضرورة إبطاء مساري أستانة وسوتشي، والإقتراب أكثر فأكثر من المجموعة المصغرة وتبني طروحاتها وخريطة طريقها…
في المحصّلة فإنّ أميركا لا تريد لتركيا أن يهتزّ أمنها القومي، وبالتالي ستسمح لها بالدخول إلى شريط في الشمال والشرق السوري، مع تعهّد كردي وتركي معاً بعدم الاعتداء وهذا شرطه أن تبتعد تركيا عن مسار أستانة أو تبطئه على أقلّ تقدير، أما الكرد فعليهم وقف المفاوضات مع الدولة السورية وعدم تسليمها تلك المناطق.. لأنّ ذلك سيُعرقل وفقاً لمخطط المجموعة المصغرة، المخطط السوري في استثمار الموارد، والتي تنوي سورية استغلالها في إعادة الإعمار وعودة اللاجئين، ومن ثم تنفيذ باقي محطات خريطة الطريق التي تحدثنا عنها.
إذاً الخطة الأميركية في سورية، أضحت واضحة – وبشكل جلي – فإنّ الرهان الروسي الإيراني ـ السوري، سينصبّ على جبهتين أساسيتين، وهما جبهة تركيا من جهة، وجبهة الأكراد من جهة أخرى. فقد تعمل روسيا – ومن خلال العلاقة مع تركيا – وفي ظلّ مساري أستانا وسوتشي، وبالإشتراك مع إيران، لتبديد الهواجس التركية من أية عملية عسكرية في محافظة إدلب، تؤدّي الى عمليات نزوح مليوني لا ترغب به تركيا، ولا حتى دول الاتحاد الأوروبي المتوجّسة من ذلك.. بأن يقوم هذا الثنائي روسيا وإيران ، وبعد الاتفاق مع الدولة السورية، بالبحث الجدي حول الفهم التركي للمنطقة الأمنة، وهذا مشروط بعدم المسّ بسيادة ووحدة الدولة السورية وحقها الحصري في مكافحة الإرهاب على أرضها وبالاتفاق مع من تراه مناسباً من شركائها في المنطقة والعالم.
وبناءً عليه، فإنّ القضاء على ما تُسمّى بهيئة تحرير الشام في محافظة إدلب، قد يكون ممكناً – إذا ما خلصت النوايا التركية – ووفقاً لإتفاقات سوتشي المجمّدة، بأن تُشكل تلك المنطقة الجاري الحديث عنها مكاناً لنزوح داخلي في سورية، تعتبره تركيا من جهة مكسباً ديموغرافياً من جهة حدودها الجنوبية، وذلك مراعاة لرفضها الشديد لأية موجات من النزوح السوري الجديد نحو أراضيها.
ولكن، ولكي تكتمل هذه الدائرة، لا بدّ من النجاح السوري – وبرعاية روسية وإيرانية – لتسهيل الولوج في الجبهة الثانية، وذلك في ما خصّ جذب المكوّن الكردي نهائياً نحو الدولة السورية، ولقطع الطريق على مخطط ترامب في اقتسام الشرق والشمال السوري بين منطقة آمنة تقدّمها هي لتركيا، وبين منطقة دونها، تُبقيها بأيدي المكوّن الكردي، وذلك بإغرائه بالإبتعاد عن التفاهم مع الدولة السورية وذلك بحسب ما ذكره السيناتور ليندسي غراهام في زيارته الأخيرة لتركيا ، وربما يترافق ذلك بكثير من السخاء المادي، ومن الجيب الخليجي لهاتين المنطقتين، وذلك ضمن استراتيجية «البدائل».
بكلماتٍ معدودة، إنّ المرحلة المقبلة ستكون حرباً شرسةً بين سلال، يسعى المعسكر الأول أعلاه إلى جعلها خاتمةً للجرح السوري، أما أصحاب المعسكر الثاني، فيرى في ترتيب السلال، إدامةً للنزف والاستنزاف، كمقدمة لتخيير الدولة السورية لاحقاً بين التمسك بالأصالة المثخنة بالجراح، أو الالتجاء نحو البدائل المخادعة كطوق نجاة مزيّف، ربما يُعرض عليها لاحقاً…