موسكو: التصدّي السوري للطائرات الإسرائيلية مستحيل دون موافقة لبنان الحريري إلى باريس والتفاؤل بالحكومة يتراجع… مَن يلعب لعبة القط والفأر؟

كتب المحرّر السياسيّ

تبدو فنزويلا عنواناً للأحداث العالمية للشهور المقبلة على الأقل بدلاً من سورية، والعنوان واحد والعدوان واحد، ذريعة الديمقراطية نفسها تبرر العدوان خارج الأصول والقواعد القانونية، والحشد السياسي والدبلوماسي لجماعة واشنطن تحت شعار «أصدقاء فنزويلا» كما كان «أصدقاء سورية»، و»إسرائيل» أول المؤيدين والمال العربي الخليجي مصدر الدعم الرئيس للعدوان، رغم أن العنوان في فنزويلا كما في سورية، فلسطين، والعدوان واحد، تهديد بالحرب الأهلية، وحشد على حدود دولة مجاورة هي كولومبيا بدلاً من تركيا في حالة سورية، ومعارضة منظمة بشعارات مزيفة لا مشكلة لديها بالتحول يافطة لاستجلاب التدخل الخارجي، وعصابات المرتزقة ودواعش العنصرية البيضاء، بوجه السكان الأصليين، لكن كما في سورية ففي فنزويلا رئيس صلب وشجاع واثق بشعبه وجيشه وحق بلاده بالاستقلال، قارئ للمعادلات ومدرك للمتغيرات. وكيف أن انتصار سورية في ذروة الصعود الأميركي نموذج يُحتذى لانتصار فنزويلا المقبل في ظروف أفضل، حيث العالم لم يعد مسرحاً للأحادية الأميركية. وأميركا لم تعد كما كانت، وكولومبيا ليست تركيا وليس في أميركا اللاتينية حكام عرب يملكون فائض مال ينفقونه بسخاء على خراب بلد شقيق. وصحوة المأخوذين بالمعارضة وشعاراتها المزيفة لن تحتاج الزمن الذي احتاجته بعض الشرائح في سورية، وليس في أميركا اللاتينية قناة الجزيرة وشقيقتها العربية، ولا فتاوى أئمة المساجد وشيوخ الأخوان والوهابية.

المشهد كما بدا في اليوم الثاني للانقلاب الأميركي في فنزويلا يشبه المشهد السوري في العام الثاني للحرب، فبيان قيادة الجيش باعتبار ما يجري انقلاباً على الشرعية الدستورية من جهة، والاتصال الذي تلقاه الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومضمون الموقف الروسي الثابت برفض التساهل مع العدوان الأميركي، ولن تصمت على العبث بالقانون الدولي، من جهة مقابلة، يوضحان مصير الرهانات الأميركية على خلق مناخ داخلي أو دولي يتناسب مع الخطة الأميركية لإطاحة الرئيس الفنزويلي. فالواضح أن على واشنطن لتغير الوضع أن تفعل شيئاً واحداً هو غزو فنزويلا والتورط في حرب ستشعل أميركا اللاتينية، هي الحرب ذاتها التي هربت من خوضها في سورية في عهدين رئاسيين أميركيين أيام الرئيس باراك اوباما والرئيس دونالد ترامب، ولن تجرؤ على فعلها في فنزويلا. والحريق قابل للامتداد إلى الداخل الأميركي على خلفية إتنية بين البيض العنصريين واللاتينيين الذين يشكلون قرابة ربع سكان أميركا، ويمثلون المكوّن الثاني بعد البيض في المجتمع الأميركي، في ظل وضع غير مريح في علاقات واشنطن بجيرانها اللاتينيين من المكسيك إلى الأوروغواي ونيكاراغوا وكوبا.

في المواقف الإقليمية ظهر التضامن التركي مع الرئيس الفنزويلي لافتاً في الإشارة لتموضع الرئيس التركي رجب أردوغان بعد زيارته إلى موسكو ولقائه بالرئيس بوتين، خصوصاً بعد التجربة التركية المريرة في لعب دور الحاضن الأول للحرب على سورية، والنتائج الكارثية التي حصدتها تركيا، التي تعيش ارتباك التصرف مع وعد «المنطقة الآمنة» الذي دعا إليه الرئيس التركي داخل الأراضي السورية، ورفضته موسكو. وقال عنه وزير الخارجية التركي أمس أنه غير مؤكد، بينما «إسرائيل» الداعم الأول للانقلاب على الرئيس مادورو في فنزويلا تحسب خطواتها في ضوء فشل الغارات على سورية، والجديد حول الغارات ما قاله خبير عسكري روسي عن الحاجة التقنية لفتح الأجواء اللبنانية أمام شبكات الدفاع الجوي السورية حتى يتسنى التصدّي للطائرات الإسرائيلية..

وقال العقيد سيرغي خاتيلوف، وهو قائد قوات الصواريخ المضادة للطائرات في منطقة موسكو في الفترة 2007 2009، في حديث لصحيفة «إم كا» ونقلته وكالة سبوتنيك الروسية عن «أن الطائرات الإسرائيلية المعتدية لا تدخل أجواء سورية وتحاول قصف أهداف في الأراضي السورية بالصواريخ مطلقة إياها من سماء لبنان في الغالب».

وأضاف «هكذا لا تدخل الطائرات الإسرائيلية مجال عمل مضادات الطيران السورية، في حين لا تستطيع قوات الدفاع الجوي السورية أن تقصف أي هدف في سماء الدولة الأجنبية لأسباب قانونية وسياسية».

وقال خانيلوف «أما بالنسبة للصواريخ التي تطلقها الطائرات الإسرائيلية، فتتعامل معها قوات الدفاع الجوي السورية بكل اقتدار عندما تدخل أجواء سورية. فمثلاً، أسقطت وسائط الدفاع الجوي السوري أكثر من 30 صاروخاً وقنبلة موجهة إسرائيلية عندما شنت إسرائيل هجوماً صاروخياً في نهاية الأسبوع الفائت».

ونوّه الخبير إلى أنه لا يمكن الاستفادة القصوى من وسائط الدفاع الجوي المتوفرة في سورية طالما لم يحسم الأمر بالنسبة لاستخدام المجال الجوي اللبناني.

في لبنان تراجع التفاؤل مجدداً بولادة قريبة للحكومة المتعثرة، رغم مواصلة الوعود الرئاسية بقرب الولادة، فشكل سفر الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري نكسة للمناخ التفاؤلي، خصوصاً مع تسريب معطيات تشير إلى أن لا جديد يحمله الحريري في جولاته سوى التأكيد على نيته حسم الملف الحكومي، والتداول بملف الحقائب، بعيداً عن صيغ لحل قضية تمثيل اللقاء التشاوري، ما دفع مصادر متابعة للقول إن الرئيس المكلف يلعب مع اللبنانيين لعبة القط والفأر، فكلما وجد ملاحقة حثيثة تحاصر تلكؤه في تشكيل الحكومة، يقوم بحركة بهلوانية لتمييع الضغوط ثم يعود للمماطلة.

الحريري إلى باريس والتأليف خطوة إلى الوراء

تراجعت أسهم تأليف الحكومة لتستقرّ يوم أمس على سفر الرئيس سعد الحريري الى باريس في زيارة عائلية كما أُشيع، وغابت اللقاءات والاتصالات ليعود ملف التأليف خطوة إلى الوراء بعدما شهد اندفاعة ملحوظة خلال اليومين الماضيين.

ومع بلوغ التكليف شهره التاسع من دون أن تبصر حكومة «الوفاق الوطني» النور، ما يطرح شكوكاً حيال جرعات التفاؤل التي تعمّم بين الحين والآخر وهل تهدف الى تغطية الفشل وتقطيع الوقت بانتظار أمر ما؟ وإذا كان الحريري في أعلى درجات تفاؤله بإمكانية إعلان الحكومة خلال الأسبوع المقبل كما نقل عنه الرئيس نبيه بري مع وجود نية لدى بقية الأطراف لتسهيل تذليل العقد، فلماذا لا يتوجّه الى بعبدا ويقدم تشكيلته الى رئيس الجمهورية؟ علماً أن مواقيت الحريري السابقة لم تصدق أي منها، ما دفع بأوساط مراقبة الى وصف الحَمْل الحكومي الجديد بـ»الحَمْل الكاذب».

ووفق مصادر معنية تقول لـ»البناء» إن «حصيلة جولة الحريري حتى الآن لم تشهد معطيات جديدة أو تقدماً جدياً بل العقد مازالت قيد المداولة ولا جديد يشي بقرب التأليف، رغم وجود نية جدية لدى الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري باستيلاد الحكومة»، على أن مصادر مطلعة على موقف حزب الله تشير لـ»البناء» الى أن «العقدة داخلية رغم التعقيدات الإقليمية التي تؤثر على لبنان»، موضحة أن «هدف زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركية دايفيد هيل الى بيروت لم يكن الملف الحكومي بشكل مباشر، رغم إبلاغه المسؤولين توجّه إدارته الضغط على حزب الله سياسياً ودبلوماسياً واقتصادياً»، مشيرة الى أن «عناصر الإشكال داخلية»، وتشدد على أن «حزب الله ليست لديه مشكلة بأن ينال الرئيس عون الثلث الضامن وأكثر. فالمشكلة هي بين اللقاء التشاوري والرئيس المكلف، فالحزب مستمرّ بدعم حلفائه السنة، والحزب يقبل ما يقبل به اللقاء».

أما التفاؤل الحذر فإنه سيد الموقف في قصر بعبدا، ونقل زوار الرئيس عون عنه لـ»البناء» ارتياحه الى الأجواء الإيجابية التي تسود الملف الحكومي وتفاؤله بعودة الرئيس المكلف الى استئناف حركته لتأليف الحكومة «لكنه يفضل عدم الدخول في تفاصيل المشاورات والمخارج للعقدة المتبقية، حرصاً على مساعي الجديدة ويدعم المساعي التي يقوم بها الحريري وهو بانتظار أن ينتهي ليضعه في حصيلة المشاورات التي يأمل أن تؤدي الى خاتمة سعيدة للأزمة الحكومية». ويشدّد الزوار على أن «الرئيس عون لا يتحمل تبعات التأخير التأليف بل المعني الأول مباشرة بحسب الدستور هو الرئيس المكلف بالتشاور مع رئيس الجمهورية، لكن ليس رئيس الجمهورية مَن يؤلف».

كما أشارت مصادر بعبدا لـ»البناء» الى أن «الرئيس عون مصمّم ومصرّ في السير بملف مكافحة الفساد بمعزل عن تأليف الحكومة، وذلك من خلال تفعيل عمل المؤسسات القضائية والرقابية ومنحها الغطاء السياسي الكامل لتقوم بواجباتها، وإن كان الرئيس يفضل أن يتمّ ذلك في ظل وجود حكومة فاعلة ومنتجة تشكل الغطاء السياسي والإداري لموضوع مكافحة الفساد وضبط الهدر وإنجاز الإصلاحات الاقتصادية والمالية المطلوبة، إذ إن الرئيس لا يمكنه انتظار تأليف الحكومة. فالوضع في البلد لم يعُد يسمح بتضييع الوقت والفرص في ظل الوضع الكارثي التي تُبيّنه تقارير المؤسسات الاقتصادية والأجهزة المالية المحلية والعالمية التي تصل الى الرئيس ويأخذها بعين الاعتبار».

وتُبدي مصادر سياسية ريبتها إزاء مقاطعة العرب للقمة الاقتصادية العربية في بيروت، إذ إنها أول قمة عربية تشهد هذا المستوى من المقاطعة منذ عقد أول قمة عربية في الرياض في العام 1976»، وتخلص المصادر الى القول إن «المقاطعة هذه تُخفي مخططاً عربياً ضد لبنان».

وإذ بدأ نواب من فريق 8 آذار التداول علناً بموضوع سحب التكليف من الحريري والطلب من رئيس المجلس عقد جلسة نيابية لمناقشة الوضع الحكومي وطرح سحب التكليف على التصويت، قال الخبير الدستوري الوزير السابق مخايل الضاهر لـ»البناء» إن «المجلس النيابي يستطيع سحب التكليف من الرئيس المكلف لأنه هو مَن منحه التكليف وصاحب الحق يمكنه استرداد حقه في أي وقت وفقاً لنظرية توازي الأشكال. فالمجلس النيابي أعطى التكليف للحريري ويمكنه سحب الثقة من الرئيس المكلف، كما يرفض منح الثقة للحكومة أو حجبها عنها». ويضيف الضاهر أن «المسؤول عن الأزمة الحكومية هما الرئيس المكلف بالدرجة الأولى الذي لم يقم بواجبه حتى الآن بالتأليف ويمكنه أن يقدم اعتذاره بدل رهن الحكومة لمشيئته وإما عليه تأليف الحكومة، وبالدرجة الثانية بالمسؤولية المجلس النيابي الذي عليه أن يتدخل ويسحب التكليف من الرئيس المكلف ويجري تكليف غيره أو تكليفه مرة ثانية».

ويشير الضاهر الى أنه في حال موافقة رئيس الجمهورية على التشكيلة الحكومية وأُرسلت الى المجلس النيابي ولم تنل الثقة تتحوّل الى حكومة تصريف أعمال وتجري استشارات جديدة لتكليف شخصية أخرى». وهذا الخيار ليس من مصلحة الحريري فهو لن يذهب بحكومته الى المجلس النيابي قبل تأكده من نيلها الثقة، لأنه في حال لم تنل الثقة فلا يضمن أن يُعاد تكليفه ثانية، أما الواقع الحالي يريحه لجهة تسلحه بعدم وجود نص دستوري يجيز سحب التكليف منه، وفي المقابل تقول مصادر تيار المستقبل لـ»البناء» إن «العقد لم تحل حتى الساعة»، لكنها تشدد على أن «صيغة الـ 32 وزيراً باتت خارج التداول لتعود الاتصالات وتستقر على صيغة 30 وزيراً»، مضيفة أن «المشكلة لا تزال تكمن في تمثيل اللقاء التشاوري وأن حلها مرتبط بتنازل الوزير جبران باسيل عن الوزيرالـ 11 لا سيما أن الأمور أصبحت أكثر من واضحة بأن الثنائي الشيعي ليس في وارد إعطاء تكتل لبنان القوي 11 وزيراً، علماً أن المصادر نفسها ألمحت إلى أن «باسيل قد يقبل بذلك إذا نجح في استبدال بعض الحقائب فهو يريد وزارة البيئة التي من المفترض أنها حُسمت لحركة أمل، الأمر الذي لا يزال غير واضح لا سيما أن بري اشترط التنازل عنها مقابل وزارة الصناعة التي أعطيت للحزب الاشتراكي ويرفض النائب السابق وليد جنبلاط التنازل عنها».

وكان رئيس الجمهورية عقد اجتماعاً ضمّ وزير المال علي حسن خليل ورئيس لجنة المال والموازنة النيابية النائب إبراهيم كنعان، بحضور المدير العام لرئاسة الجمهورية انطوان شقير، خصص للبحث في الأوضاع المالية بعد تأخر إقرار موازنة العام 2019، واعتماد الإنفاق على القاعدة الاثنتي عشرية، اضافة الى موضوع الإصلاحات الذي سيكون في أول الاهتمامات بعد تشكيل الحكومة الجديدة.

وبعد الاجتماع، قال الوزير خليل «كنا متفقين مع بعضنا البعض على ان تبقى الامور سائرة على الطريق الصحيح الذي يضمن انتظام الدفع الى كل المستحقين، خصوصاً في ما يتعلق بالرواتب والأجور والسندات وغيرها»، معلناً «اننا اتفقنا على بعض الأمور التي تنظّم هذه العملية وتضعها في إطارها القانوني والدستوري، كي لا يكون هناك أي إشكال مستقبلاً. وكان اللقاء فرصة تفاهمنا خلالها على روحية التعاطي مع الإصلاحات المطلوبة عند البدء في نقاش الموازنة كي تأتي متلائمة مع التوجّهات التي أقرّت في مؤتمر «سيدر»، وما نناقشه ونبحث فيه حالياً باتجاه تخفيف العجز وإقرار مسار إصلاحي جديد على الصعيد المالي».

وقد بدت لافتة التصاريح المتتالية لأكثر من مسؤول سعودي، وذلك عقب الحضور القطري السياسي والمالي العالي المستوى في قمة بيروت، ما شكل خشية سعودية من النفوذ القطري المستجدّ على الساحة اللبنانية، وبعد كلام وزير المال السعودي أشار السفير السعودي في لبنان وليد بخاري رداً على سؤال عن مساعدة سعودية للبنان وكيفية تبلور هذه المساعدة، إلى «اننا سنتابع تصريحاته من دافوس وسيكون فيها بعض الآليات التي ستتخذ».

في المقابل أكد وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني أن «قرار قطر شراء سندات سيادية بقيمة 500 مليون دولار لدعم سوق السندات المتعثرة في بيروت اتخذ ليس فقط بناء على تقديرنا ورغبتنا الخاصة في تحقيق الاستقرار للبنان بل أيضاً لاعتبارات استثمارية بحتة». وفي حديث لوكالة «بولمبرغ» الأميركية على هامش مؤتمر «دافوس»، لفت الوزير القطري إلى أن «استقرار لبنان جزء من استقرار المنطقة»، مؤكداً أنه «بلد مهم جداً بالنسبة إلى قطر».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى