«سلة عملات» لمواجهة الدولار
نظام مارديني
لم تعد طموحات الدول الساعية إلى التفلت من الهيمنة الأميركية بعيدة المنال، حقيقة تبرهنها دول مجموعة «بريكس» يوماً بعد يوم. المجموعة التي يقودها فلاديمير بوتين أفقياً لمواجهة العقوبات الغربية، بوجه لاعب «بوكر» باراك أوباما لا يفصح عما هو غير مجدٍ.
العقوبات التي اتخذتها الدول الغربية بحق روسيا على خلفية أزمة أوكرانيا وانضمام شبه جزيرة القرم إلى الاتحاد الروسي، لا تزال محدودة وسطحية ولم تشمل جانب العمق الاقتصادي في العلاقات مع موسكو، وعلى رغم أن احتمال فرض مثل هذه العقوبات لا يزال ضعيفاً ومستبعداً لأسباب لها علاقة بمصالح الاتحاد الأوروبي، إلا أن روسيا مستعدة لاتخاذ الاحتياطات اللازمة في هذا الشأن من طريق تنفيذ عدد من الإجراءات وتطويرها، التي يرى خبراء أنها ضرورية في المرحلة الراهنة، كونها ستجنب الاقتصاد الروسي الأضرار الناتجة من تلك العقوبات المحتملة وبخاصة على المدى الطويل، وهو ما يطرح عما إذا كان فعلاً أن العالم يسير على عتبات تحول اقتصادي جديد تتغير فيه ملامح الهيمنة الغربية التي دامت نحو خمسة قرون؟
ربما يكون ذلك كذلك بالفعل، لا سيما بعد قرار روسيا البدء تحرير عملتها من خلال بيع النفط الروسي بالعملة الوطنية الروبل إلى شركة بيلاروسية وذلك للمرة الأولى في تاريخها، كما كشفته شركة النفط الروسية «زاروبيج نفط».
وتأتي هذه الخطوة في احتساب صادرات روسيا النفطية بالعملة الوطنية الروبل، للتقليل من الاعتماد على الدولار الأميركي كعملة أساسية لإجراء عمليات بيع الخامات الروسية الى دول أخرى، ولتعزيز دور العملة الوطنية بعد قيام الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بفرض عقوبات استهدفت قطاعات اقتصادية روسية.
ودعماً منه لجعل الروبل الروسي عملة قابلة للتحويل ووسيلة للحسابات العالمية، كان بوتين دعا في رسالته التي وجهها إلى البرلمان في نيسان 2006، إلى إنشاء بورصة على الأراضي الروسية لتجارة البضائع الرئيسية التي تصدرها روسيا كالنفط والغاز كما اقترح أن يكون الروبل وسيلة التعامل في البورصة المقترحة.
وتتقاطع الحركة الروسية مع السعي الصيني للدفع بزيادة استخدام بكين لعملتها فى التجارة الدولية. حيث وافق بنك الشعب الصيني البنك المركزي على تمديد السماح لسويسرا بمبادلة اليوان بعد اتفاقه مع البنك المركزي الأوروبي العام الماضي. وقد وافقت الصين ايضاً على السماح للشركات بتسوية معاملاتها في لندن وفرانكفورت باليوان للمرة الأولى.
ولم تتوقف التوجهات الصينية هنا فقط، بل بدأت بتحويل غالبية أرصدتها إلى الذهب بعدما بدأت أزمة الدولار تهدد أيضاً قوة اليورو واستقراره، وهو الأمر الذي حمل بكين على التفكير في الذهب كملاذ آمن لاحتياطاتها من العملات الصعبة البالغة ثلاثة تريليونات دولار. وهذا ما يشير إلى مضاعفة الصين احتياطاتها من الذهب إلى 1054 طناً أي ما يعادل 54 مليار دولار، مع التخطيط لرفعها إلى 8000 طن.
ما هو الحل إذاً في مواجهة الاضطراب الذي يلف الدولار في السنوات الأخيرة؟ خلال ما يقارب العقد من الزمن قد تبرز «سلة عملات احتياطية» مع قيام البنوك المركزية بالاحتفاظ بالثروات في خليط من الدولار واليوان، والروبية، والريال، والروبل، إضافة إلى المعادن الثمينة طبعاً، وربما تظهر حزمة تركيبية من العملات الريادية العالمية مع التركيز، بعد سنوات من طباعة الغرب للعملات، على أصول مدعومة بالسلع والمواد الأخرى الملموسة والحقيقية.