المعادلات السورية الجديدة تُسقط التفوّق «الإسرائيلي» في المنطقة
أمجد إسماعيل الآغا
ضمن مسار الإنجازات التي حققها الجيش السوري إقليمياً ودولياً، بدت علامات القلق واضحة على الكيان الصهيوني، هو قلق جاء نتيجة العديد من المعطيات التي فرضتها الدولة السورية، لتكون بذلك النتائج كارثية ليس على «إسرائيل» فحسب، بل انّ تداعيات هذه النتائج ستطال كلّ من يدور في فلك السياسة الأميركية، فما سعى إليه الكيان الصهيوني خلال العقود الماضية، تمثل في بناء استراتيجيات تُحقق له هدفين أساسيين، الأول هو محاولة تأمين استمرارية كيانه، والثاني بناء معادلات الردع التي تخدم الهدف الأول، لكن التطورات التي أنتجتها الحرب على سورية، جعل قدرة الكيان الصهيوني على فرض استراتيجياته تتراجع، خاصة أنّ قرار الانسحاب الأميركي من سورية، أرخى بظلاله الثقيلة على «إسرائيل»، وباتت اليوم أمام واقع جديد، فهي تبحث في كيفية التعامل مع آليات الانتصار السوري من جهة، ومن جهة أخرى تحاول تجنّب تداعيات تعاظم قوة محور المقاومة ككلّ، لا سيما في ظلّ وجود لاعبين أقوياء على الساحة الإقليمية والدولية، إلى جانب حزب الله الذي أصبح قوةً إقليمية.
تل أبيب التي اعتادت أن تكون بعيدة عن تأثير المسارات السياسية والعسكرية التي تعصف بالشرق الأوسط، على اعتبار أنها الطرف المدلل أميركياً وخليجياً في المنطقة، الأمر الذي ساهم في بناء واقعٍ يتناسب مع استمرارية الكيان والأنظمة المحيطة به، لفرض حالة من الاستقرار ذات المنعكسات الإيجابية والتي تضمن بقاء معادلات التفوّق «الإسرائيلي» في المنطقة، ضمن هذا المشهد، ظلت واشنطن المستفيد الأكبر من فرض هذه المعادلة، أما اليوم وكـنتيجة منطقية للانتصار السوري، وتعاظم قوة محور حلفاء سورية، تغيّرت المعادلات، وباتت تل أبيب في عين العاصفة السورية، وبات رهان الكيان الصهيوني على إسقاط الدور السوري المؤثر إقليمياً، من الماضي، فالواقع السوري المستجدّ والمبنيّ على قواعد اشتباك جديدة، واصطفافات إقليمية ودولية تتناسب والواقع المتبدل على خارطة النفوذ الدولي، كلّ هذا بات يُشكل في تداعياته ونتائجه كارثة ستزعزع بنيان الكيان الصهيوني.
سورية التي باتت طرفاً أساسياً في معادلات الشرق الأوسط، أنتجت منظومة استراتيجية كانت سبباً في تحجيم النفوذ الأميركي و«الإسرائيلي» في المنطقة، فقد اعتمدت الاستراتيجية السورية في إدارة مسارات الحرب عليها، على سلوك مقتدر وقادر على نسف خطط محور واشنطن، فما تُحيكه أروقة المخابرات الأميركية و«الإسرائيلية» ضدّ سورية، أُسقط سورياً عبر تكتيكات استراتيجية تأخذ من القوة والقدرة منهجاً للتحكم بيوميات الحرب عليها، وبعيداً عن المبالغات، فقد أصبح محور حلفاء سورية، يضاهي سياسياً واستراتيجياً وحتى عسكرياً، محور واشنطن، وهذا ضمن المفهوم السياسي والعسكري للكيان الصهيوني، هو تهديد مباشر للحالة الوجودية التي تُمثل استمرارية الكيان وبقاء تفوّقه في المنطقة.
معادلة سورية وحلفائها أسّست لمفاهيم جديدة تتعلق بالصراع مع الكيان الصهيوني، ومع اقتراب عملية تحرير إدلب، والأنباء التي تثقل مسامع «الإسرائيلي» لجهة الانسحاب الأميركي من سورية، والتخلي عن شرق الفرات وما يحتويه من نظريات التوسع والنفوذ، تتعزز القناعات لدى دولة الكيان، بضرورة البحث عن وسائط يُمكنها أن تخرق هذه المعادلة، وبالتالي فإنّ المحاولات «الإسرائيلية» الباحثة عن وقود إضافي لزجّه في المشهد السوري، ما يضمن استمرارية الحرب على سورية، وتعقيد مشاهد الحلّ السياسي التي فرضتها الدولة السورية، بالإضافة إلى البحث وبتعمّق عن أساليب لتحجيم مفاعيل الانتصار السوري، وضعضعة بنيان محور المقاومة ككلّ، لذلك تسعى «إسرائيل» لجذب واشنطن إلى مفهومها ومنطقها السياسي والعسكري، لإجبار واشنطن على التدخل بثقلها العسكري في المنطقة، أملاً في تحقيق تحوّلات تُنقذ الكيان الصهيوني، وتبدّد هواجسه وبواعث قلقه.
بواعث القلق «الإسرائيلي» مستمرة في تدحرجها، فالمعادلات السورية الجديدة أسقطت التفوّق «الإسرائيلي» في المنطقة، وبات هذا الكيان محكوماً بجملة من النظريات التي فرضها الانتصار السوري، حيث بات محور المقاومة يشكل بجزئياته السياسية والعسكرية تفوّقاً لا يمكن اللحاق به، أو التغلب عليه، فالقدرات العسكرية لهذا المحور قطعت أشواطاً طويلة راكمت خبرات قتالية وتكتيكة، لم تستطع تل أبيب إيقاف صعوده، على الرغم من محاولاتها الكثيرة الرامية لإحداث خروقات تصيب محور المقاومة بالشلل، وباتت سورية وإيران وحزب الله يشكلون منظومة أصابت الكيان الصهيوني بالرعب، فالتعويل على حرب أسّست لها واشنطن ومحورها، لم تستطع استنزاف سورية ومحورها، بل جعلتهم أقوى، وعليه فإنّ سورية بانتصاراتها وصمودها، نسفت نظريات التفوّق «الإسرائيلي»، وهذه الحقيقة المرة التي تحاول «إسرائيل» عدم تصديقها.