حبٌّ وحرب..
عندما يتقلّص القول يتمدّد الفعل. ولهذا في زمن الحرب تكثر أفعال لطالما لم نعهدها سابقاً. وفي المقابل يتقلّص حجم الحب ويصغر رويداً رويداً. وهذا مؤشر يدل على طول مدّة الحرب.. بين الحب والحرب مسافة حرف، رغم البون الشاسع بين إراقة الدم وإراقة الحبر، بين السطر والأرض، كلاهما متورط بالنزف، والنزق أيضاً. حتّى في الحب تتغير المشاعر وفقاً لمعاملة الشخص المحُب. وقد يحدث أن يكون حبيب اليوم عدوّ الغد وذلك تماشياً مع معاملته واهتمامه بالطرف الآخر. حتّى في السياسة وبالأخص في زمن الحرب لا تثبت المواقف السياسية على حال واحد، مَن كان صديق الأمس قد يصبح غداً عدواً ومَن كان أخ اللحظة بعد قليل قد يصبح خصماً كبيراً. والناجي الوحيد هو الموت. في وقت تعافي الدولة السورية وتماثلها الشفاء تباينت مواقف كثير من الدول وعادت بوصلة الحظ تقف مع السوريين لذا تغيّرت مواقف دول كثيرة وزعمائها وعادوا ليمثّلوا دور الأخ والصديق الوفي. وهذه الأفعال والتصرفات تؤكد مقولة ابن خلدون: «الناس في السكينة سواء، فإن جاءت المحن تباينوا». ولكن تشاء إرادة الله إلّا أن ينجيك منهم بطرق لم تتوقعها. فيكفي أننا علمنا حجم الزيف والنفاق في قلوبهم، إن صار ورحبّنا بهم فهذا يدل على نبل أخلاقنا وتربيتنا ليس إلّا!
الكاتب البريطاني كولن ويلسون ذكر في روايته الشهيرة «عالم العناكب» سيطرة عناكب ضخمة على كوكب الأرض، قامت باحتجاز البشر وتربيتهم لأكلهم لاحقاً! والرواية على الخيال العلمي الذي فيها إلّا أنها في الحقيقة مليئة بالرموز والإسقاطات. ومَن قرأ ما بين السطور أدرك أنّ الدول القوية المتعاقبة تشبه إلى حدّ بعيد أمة العناكب الجديدة. بيت العنكبوت في الأصل ليس للسكن وإنما هو مصيدة وفخ للحشرات، وهو بهذا المفهوم مسلخ للآخرين وليس مأوى وما أكثر من يبنون بيوت العنكبوت ليوقعوا الآخرين في شباكها متناسين عهد القرابة والأخوّة والصداقة أمّا مشاعرهم فجمّدوها في ثلاجة النسيان. وفي ظروف الحرب يكثر نسج هذه البيوت سواء من الداخل أم الخارج، هدفهم السامي قتل ما تيسّر لهم من أهل البيت إن جاز التعبير. قد تكون هذه الحقائق مؤلمة وموجعة، ولكنها تمثّل صحوة كي لا نقع في الشباك مع مقبل الأيام ونعود لنؤكد أننا محكومون بالانتماء إلى بلد واحد، مهما عصفت بنا الأهوال وأخذتنا إلى مساحات أخرى نقول الدم لا يتحوّل ماء . صغير من لا ينصف قلبه إكراماً لنزق الأيدي الخشنة التي تشاكسه في مفترق طرق العمر، فالإبادة الحقيقية أن أعرف نقطة ضعفك للي ذراعك رويداً رويداً تحت مسمّى الحبّ..
صباح برجس العلي