مواقف وعبر… علاقتي بالأمين هنري حاماتي
مسعد حجل
وُوري جثمان الأمين هنري حاماتي ثرى بلاده التي أحبّ وعشق.
ذهب الراحل وفي قلبه حسرتان: عدم تحقيق مبادئ حزبه وعدم تحرير فلسطين المغتصبة…
تعرّفتُ عليه أثناء زيارتي الوطن خريف 1967 لكنّه لم يكن غريباً عندي حيث أنه تسلّم مسؤوليات مركزية دقيقة وحسّاسة، زمن الاضطهاد والتشريد والملاحقات والاعتقالات والسجون، كان ذلك بعيد الثورة الانقلابية التي فشلت في لبنان وتعيين مندوبية سرّية للكيان تولاها الرفيق جوزيف رزق الله من القصيبة ـ المتن، والرفيق هنري حاماتي من المينا طرابلس، والأمين عبدالله محسن من مشغرة.
كان الأمين هنري أحد أهمّ المذيعين الذين كانوا يعقدون اجتماعات إذاعية للطلبة الثانويين والجامعيين، في منزلي في جل الديب، بالرغم من منع القوميين الاجتماعيين من ممارسة أية نشاطات حزبية.
كان منزلنا يزدحم بالأعداد الكبيرة من الطلبة المتشوّقين لسماع صوت النهضة، بعد الانكسارات المدوّية التي تكبّدتها الحركة القومية في مسارها النضالي، وكان الأمين حاماتي من المميّزين الذين حوّلوا تلك الانكسارات الى انتصارات معنوية عالية.
كان الأمين هنري يتكلّم عن المجهول في محاضراته وندواته ويتحدّث بلغة الـ «نحن» فيقول: نحن أبناء النهضة المغيّرة مفاهيم مجتمعنا المتخلّف، نحن نريد تغيير النظام الطائفي لإقامة نظام طليعي مدني علماني، نحن حملة مبادئ إصلاحية عصرية تتماشى مع تحديات الزمن الآتي، نحن ونحن ونحن… فسأله أحد الحاضرين: أستاذ هنري إنك تتحدّث بصفة المجهول فهل لك أن تحدّد من أنتم بهذه النحن؟ تفرّس الأمين المحاضر بوجه السائل وقال: نحن أبناء النهضة السورية القومية الاجتماعية.
وعلى سؤال آخر عن الانقلاب الفاشل الذي قام به الحزب ودفع الثمن غالياً جداّ، أجاب الأمين هنري بتوضيح عن اسباب الانقلاب وأنهى:
«شرف الوثبة أن تُرضي العُلى
غُلِب الظالم أم لم يُغْلبِ»
أدّى ذلك التوضيح الى ملاحقة الأمين هنري واستدعائي من قبل مدير عام الأمن العام جوزيف سلامة يستوضحني عن النشاطات الحزبية الممنوعة التي أقيمها في بيتي.
صارحت الذي كان أستاذي في الجامعة بما نقوم به لاستيعاب الشباب والصبايا حتى لا ينزلقوا الى مهاوي الموبقات فنجعل منهم مواطنين صالحين يتحلّون بالأخلاقيات والمثل العليا التي تشدّد عليها حركتنا القومية الإجتماعية. لاقيت رفضاّ خجولاً من سعادته، وكأنه يتحفّظ بقبول ما نقوم به…
عندما عُيّنتُ رئيساً للجنة ثلاثية مع الأمينين فؤاد صعب وصالح سوداح، وبقيتُ وحيداً بعد استقالتهما مستهجنَين هذه البدعة الجديدة التي لم يعرفها حزبنا من قبلُ، عيّنتُ مجلس عمد جديداً يساعدني، وكان الأمين هنري أحد أعمدته القويّة الصلبة بعمدة الإذاعة مجلّياً في كلّ مواضيعها وموسّعاً مواقف الحزب ورأيه في كلّ المناسبات، كما كان إلى جانبي في مجابهة التيارات اليسارية التي عصفت بالحزب والتي كادت تطيح بفكر النهضة وروحها المستمدّة من تاريخ أمتنا العريقة في حضارتها وخلقها وإبداعها، مما أجبر قياديي التوجّه اليساري للعودة عن انحرافهم الى تبنّي المقولة الشهيرة: «العودة إلى سعاده».
تعرّضتُ في تلك المرحلة إلى ضغوطات شتّى كي أقيل الأمين هنري من مسؤوليته كعميد للإذاعة واستبداله بآخر ينحى نحو يسارية الحزب لكنني تشبّثتُ بموقفي وأبقيتُ العميد عميداً إلى أن انتهت مهمّتي وعاد الجميع إلى كنف النهضة بزعامة وريادة القائد القدوة زعيمنا الخالد «أنطون سعاده».