الملحمة البابلية «حينما في العلى»
يكتبها الياس عشي
بداية، وباسم المركز الثقافي القومي، أشكر لقاء الأحزاب والقوى الوطنية في طرابلس التي دعت لهذا اللقاء التضامني مع الرئيس مادورو باعتباره الرئيس الشرعي لڤنزويلا، وأرحّب بكم، خطباءً وحضوراً، في مناسبة نعتز أن نكون مشاركين فيها، وتليق أن تكون بداية انطلاقة المركز بعد توقف قسري لظروف خارجة عن إرادتنا.
أيها السادة
العقل الأميركي، قبل ترامپ ومعه وفي ما بعد، مسكون بهاجسين: هاجسِ سلطة المال، وهاجسِ تحقيق الحُلم اليهودي التوراتي بإقامة دولة لشعب الله المختار تمتدّ من الفرات إلى النيل وعبر هذين الهاجسين تستبيح الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها كلَّ المحرمات الأخلاقية والقانونية والدينية، فتمدّ يدها وتسرق أموال الناس وثروات الأمم المناهضة لسياستها، وتحدّد نوع الإرهاب وهويته، وتجدول شكل الحكم في دول العالم، وتفرض العقوبات على من يقف في وجهها، مستبيحة حرية الناس في التملك، وحق الدول في ثرواتها فوق الأرض وتحتها!
هذا العقل الأميركي الناشط في كمّ الأفواه، وفرض نظام عالمي جديد، في كلّ مكان، وعبر كلّ الوسائل، ولا سيما في جمهورية ڤنزويلا الدولة الصديقة للعالم العربي، والمؤمنة بحقنا في فلسطين، والرافضة لكلّ أشكال التطبيع مع عدونا اليهودي الذي، كما قال سعاده، يقاتلنا في ديننا وحقنا أقول هذا العقل الأميركي يعيدنا إلى ملحمة الخليقة البابلية الإسمها «حينما في العلى».
تتحدث تلك الملحمة عن صراع دموي داخل المجمع الإلهي. تقول الملحمة: لم يكن هناك إلا «أبسو» الأب الكلّي و «تيامة» الأم. وبمرور السنين كثر أبناؤهم وكثر ضجيجهم فيقرّر «أبسو» التخلص منهم. يكتشف الأبناء خطة أبيهم الكلّي «أبسو»، فيقرّرون بدورهم، وبقيادة إله الحكمة «أيا»، أن تكون المبادرة لهم. وهذا ما حدث، فقتلوا «أبسو» وحلّ «أيا» مكانه.
ما أشبهَ اليوم بالأمس!
إنّ الولايات المتحدة الأميركية، منذ أن انتهت الحرب العالمية الثانية، تسعى لإسكات «الضجيج» الذي يتعالى في أنحاء المعمورة، فيرسل «أبسو» المتقمّص اليومَ شخصية «ترامپ» تعليماته إلى «الآلهة» الأصغرِ شأناً، والمؤتمرين بأمره، والدائرين في فَلَكه، كي يسكتوا هذا الضجيج، وينهوا «أسطورة» حرية الشعوب، التي أقرّتها الجمعية العامة للأمم المتحدة.
أيها الأعزاء
تنادينا اليوم، نحن المؤمنين بوقفات العزّ، للوقوف إلى جانب الرئيس مادورو، هذا القائد النبيل الذي يحمل الراية ذاتها التي حملها من قبلُ غيڤارا وكاسترو وشاڤيز، هؤلاء الفرسان الثلاثة الذين قالوا لأميركا: لا! فكانوا من الخالدين.
نعم نقف مع مادورو الواقف بكبرياء في وجه أميركا وعملائها، والمدافع بشراسة عن أرض ڤنزويلا، وناسها، وثرواتها، ومؤسّسها «سيمون دي بوليڤار» الذي قاد ڤنزويلا إلى الحرية بعد ثلاثمئة عام من الاحتلال الاسپاني لوطنه. واعترافاً له بالجميل أطلق الڤنزويليون على بلادهم اسم «جمهورية ڤنزويلا البوليڤارية»، وسمّوا عملتهم باسمه، وزرعوا تماثيله في كلّ مكان!
أيها السادة إنّ القيمة التاريخية للملاحم أنها لا تموت بمرور الزمن، فكلّ الآلهة الذين صنعوا أحداثها بقَوا في الذاكرة. قد تتغيّر أسماؤهم بين ملحمة وأخرى، ولكنهم يستمرّون في صناعة التاريخ. وإذا كان «أبسو» قد تقمّص في «ترامپ» وفي غيره من الرؤساء الأميركيين الذين سبقوه، فإنّ «أيا» إله الحكمة و «مردوخ ابنه، يتقمّصان في جسد أحرار العالم، والضجيج الذي يحدثانه لا يفهم لغته إلا الذين آمنوا بأنّ الموت هو شرط لانتصار الأمم.
وسينتصر الشعب الڤنزويلي شاء المتآمرون أو أبَوا.
كلمة ألقيت السبت الفائت في مكتب منفذية الحزب السوري القومي الاجتماعي في طرابلس، في أثناء لقاء الأحزاب والقوى الوطنية تضامناً مع الرئيس نيكولاس مادورو والشعب الڤنزويلي.