فقه الصعود إلى النصر وتواصل الأجيال عند الإمام القائد…!
محمد صادق الحسيني
لم يكن الطالب لتولي المناصب في أي لحظة من لحظات حياته المعجونة بمسار التحوّل المتعرج للثورة التي تقول بأنها وارثة نهضة الأنبياء والأولياء، لكنه المندفع بعزم راسخ للقيام بواجب بناء الدولة التي حلم بها منذ نعومة أظفاره وتحلم بها أجيال من شعبه وأمته مذ عرفت بلادنا فصول مشاهد العروج الى المثل العليا في مشهدية انتفاضة علماء الفيضية الخمينية وما بعدها…!
هكذا هو السيد علي الخامنئي دعوياً ومجاهداً وثائراً وجندياً ومسؤولاً حكومياً تدرج في مراحل البناء الثوري والحكومي حتى تولى قيادة رأس الثورة والحكم في دولة الولي الفقيه يظهر اليوم في منشوره الأربعيني المحمدي الأصيل…!
ومنذ ذلك الحين وهو يصبو بل وينحت بكل ما يملك من أدوات لوحة بناء ما يعتبره المشروع الإنساني المتكامل لما بات يصطلح عليه في الفقه السياسي الإيراني المعاصر بالحضارة أو المدنية الإسلامية المعاصرة…!
بعد أربعين ربيعاً عاشها بمرّها وحلوها وعجرها وبجرها، كما يقول المثل، ساهم في كثير من فصولها صعوداً وأهمها صعود سلم العلوم والمعارف و«قصّر» كما هو يصارح حوارييه في بعض فصول اضطراب حركتها عندما وافق على مقولة «تحديد النسل» الحداثوية باعتبارها فخاً أضرّ بإيران المدنية المعاصرة، قرّر في ذكرى الأربعين أن يطلق منشوره الاستراتيجي الأهم والأكثر تحدياً أن في الحفاظ على النصر الذي تراكم درجة فوق درجة طوال هذه المدة، او في تحدي خوض مجالات البناء الجديدة التي تنتظر المجتمع والدولة الإيرانيين…!
في منشوره الجديد الذي لخص فيه بسبعة فصول تجربة الصعود والهبوط التجريبي لثورة إيران الإسلامية التي انطلقت من الصفر وبنت كل إنجازاتها بختم ودمغة «صنع في طهران» وبإكسير الإسلام الخالد، أطلق إمام المقاومين ما سمّاه المرحلة الثانية مما أطلق عليه بالصعود الى الله أيضاً في سبعة فصول مدموغة بطابع الاستقلال والحرية والاقتصاد المقاوم والعزة الوطنية ومكافحة مفاسد السلطة وحفظ الحدود مع العدو واجتراح نمط الحياة الخاصة بالمشروع الحضاري المستقل…!
يرى هذا القائد المتطلع لفتح خيار ثالث بين عالم يأفل فيه نجم أقطاب الهيمنة العالميين التقليديين أن الفرصة باتت سانحة للإيرانيين الذين خاض معهم وخاصوا معه تجربة صمود نادرة، أن بمكان هذا الخيار خطوات جديدة واعدة وقادرة على شق طريق الصعود ليس فقط داخلياً، بل وعلى صعيد المنافسة والحضور الفاعل على المستويين الإقليمي والدولي..!
ويرى أن ما أرسته إنجازات سلفه القائد الكبير الامام الخميني الراحل والحرس القديم من كوادر الثورة بكل ثغراته وتعثراته التي أوصلت قطار المدنية الإسلامية الى ما وصلت اليه حتى الآن لقادر بفضل تصدر الشباب من الآن فصاعداً ليس فقط الدفاع عن هذا الخيار باقتدار، بل وأن يأخذوا به ليصبح البديل الناجع والمنقذ لعالم بدأت أقماره تأفل ونماذج تنميته تتكسر وتتهافت أمام تحديات الوعي العالمي المتنامي في تبني فكرة رفع علم الروح مقابل راية المادة ومنظومة التديّن مقابل تهافت الفكر الايديولوجي الغربي والشرقي…!
والأكثر تحدياً في هذا المضمار هو ان هذا القطار الجديد المستقل الذي أوجد له سكة مستقلة بين خطوط سكك التنمية المتدافعة أنه صار القطار الأكثر أمناً وأماناً والأكثر حصانة في مواجهة موجات الرياح العاتية في الميدان، بحيث ان لا أحد بات باستطاعته بعد كل الذي حصل أن يوقف هذا القطار في اي محطة من محطات استراحة المحارب التي اضحت محل جذب شعوب وأمم وجماعات عديدة تتمركز في سواحل وشطآن ومضائق وخطوط طول وعرض جغرافي وتاريخي باستراتيجية نادرة والتي انطلاقاً منها ستتم إعادة كتابة التاريخ من جديد وإعادة رسم جغرافيا العالم المستقبلي الواعد…!
من هنا وحتى تتم المحافظة على واحدة من أهم شروط مواصلة المسيرة التقدمية الصاعدة نحو القمة، ونحن نكاد نتجاوز عنق ومنعرج صعود الجبل يرى قائد هذه المسيرة أن على الجيل الاول من الثورة أن يرمي الحبل المتين الى جيل الشباب مطالباً إياه بالإمساك برسن التوجيه والإدارة وخوض تجربة الصعود الثانية نحو الأعلى باعتباره الضمانة الحقيقية لتواصل الأجيال والتي هي الشرط الضامن لاستمرار نجاح التجربة ونجاعة الحلول في مواجهة المستجدات وبروز التحديات الجديدة التي لا مكان فيها ولا دور أساسياً للحرس القديم، إلا اللهم بعض مهام الاستشارة والإشراف الأبوي والمساعدة في فك بعض رموز وطلاسم العقد المستعصية من أيام تجربة الاربعين ربيعاً…!
من منشور الإمام
الخامنئي…!
ولعل حجر الزاوية في ما ورد في البيان الاستراتيجي الذي أصدره قائد الثورة الإسلامية، الإمام الخامنئي في منشوره الآنف الذكر «الخطوة الثانية للثورة الإسلامية» هو التالي :
«تواجه إيران المقتدرة اليوم أيضاً كما في بداية الثورة تحديات يخلقها لها المستكبرون، ولكن بفارق ذي مغزىً كبير. فإذا كان التحدي مع أميركا في ذلك الحين حول تقصير أيدي عملاء الأجانب أو إغلاق سفارة الكيان الصهيوني في طهران أو فضح وكر التجسس، فالتحدي اليوم سببه وجود إيران المقتدرة على حدود الكيان الصهيوني وإنهاء النفوذ غير الشرعي لأميركا في منطقة غرب آسيا ودعم الجمهورية الإسلامية لكفاح المجاهدين الفلسطينيين في قلب الأراضي المحتلة والدفاع عن الراية الخفاقة لحزب الله والمقاومة في كل هذه المنطقة. وإذا كانت مشكلة الغرب في ذلك الحين الحيلولة دون شراء أسلحة بدائية لإيران فإن مشكلته اليوم الحؤول دون نقل الأسلحة الإيرانية المتطورة لقوات المقاومة.
وإذا كانت أميركا في ذلك الحين تظن أنها ستستطيع بعدد من الإيرانيين البائعين ذممهم وبطائرات ومروحيات عدة التغلب على النظام الإسلامي وشعب إيران، فإنها اليوم تجد نفسها لمواجهة الجمهورية الإسلامية سياسياً وأمنياً بحاجة إلى تحالف كبير من عشرات الحكومات المعاندة أو المرتعبة، وهي البتة سوف تنهزم في المواجهة رغم ذلك.
إن إيران بفضل الثورة تقف الآن في مكانة سامقة ولائقة بالشعب الإيراني وفي أنظار العالم، وقد تجاوزت الكثير من المنعطفات الصعبة في قضاياها السياسية…»
ها هي ثورة المستضعفين اذن وبعد أربعين ربيعاً إيرانياً تغسل أقدامها في المياه الساخنة من هرمز الى باب المندب الى شواطئ البحر المتوسط لتقول للعالم أجمع :
ولّى زمن الاسكندر وكسرى والناتو ووارسو
وجاء زمن بدر وخيبر
فهلّموا يا شباب العرب والمسلمين على خير العمل
لتحقيق قيامة فلسطينية تختصر انتصار القسط والعدل في العالم على الظلم والطغيان على امتداد التاريخ البشري…!
وثورة حتى قيام القائم
بعدنا طيبين، قولوا الله.