ماذا يريد الرئيس السنيورة؟
ناصر قنديل
– قرّر الرئيس السابق فؤاد السنيورة دخول المواجهة المباشرة مع الحملة التي يقودها حزب الله تحت عنوان ضبط المالية العامة وكشف الفوضى والضياع في تسجيل الحسابات بشقيها المتصلين بالواردات والمصروفات. وبديهي أن رداً ما من الرئيس السنيورة كان منتظراً في توقيت ما، فليس خافياً أن الكلام يدور حول فترة كان هو فيها رئيس الحكومة والممسك بمالية الدولة في آن واحد، وعن أحد عشر مليار دولار وربما أكثر ضائعة في القيود المالية، لذلك ليس السؤال حول مبدأ وتوقيت ردّ السنيورة قبل أن تتم تسميته مباشرة، بل حول مضمون ردّ السنيورة الذي يرسم سياق المواجهة التي قرّر خوضها وما تقوله عن موقعه الحقيقي من الاتهامات التي تطاله.
– كان بمستطاع السنيورة أن يقول إنه مستهدف سياسياً، وأن يضيف ما يشاء حول الاعتبارات السياسية لهذا الاستهداف، لكن كان عليه أن ينتهي بكلامه بالدعوة إلى الإصرار على فتح ملفات المالية العامة وتفاصيلها وأخذها لتحقيق قضائي شفاف، وأن يكون مبادراً لوضع نفسه بتصرف هذا التحقيق، بمطالبته باستعجال تشكيل المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، وتشكيل لجنة تحقيق برلمانية قضائية مشتركة في ملف المالية العامة، ما دام واثقاً من أن ما يجري هو سياسة، وأنه لم يرتكب أياً من المخالفات التي تحوم حوله الشبهات بارتكابها.
– تعمّد الرئيس السنيورة الذي سيعقد مؤتمراً صحافياً تفصيلياً يوم الجمعة، أن يضع لرده ثلاثة محاور، الأول اتهام حزب الله بالمسؤولية عن الفساد وبالسعي للتغطية على ما وصفه بالفساد الحقيقي ومسؤولية حزب الله عن الارتكابات، والثاني ربط حملة حزب الله بما سبق للتيار الوطني الحر وأصدره من كتاب أسماه الإبراء المستحيل الذي وضعه النائب إبراهيم كنعان رئيس لجنة المال والموازنة النيابية، والثالث ربط مواجهته لحملة حزب الله ضد الفساد بما وصفه إرث الرئيس رفيق الحريري واتهامه حزب الله باستهداف هذا الإرث.
– قد يستحضر السنيورة الجمعة كلامه السابق عن مسؤولية سلاح حزب الله في تعطيل الحياة الاقتصادية، واستجلاب الحروب والعقوبات، وقد يصل للحديث عن مؤسسات موازية لمؤسسات الدولة يملكها حزب الله، كما قال يوم استهدف شبكة اتصالات المقاومة في الخامس من ايار 2008، لكن هذا لن يفيده لسبب بسيط هو أن الحديث لا يدور مثلاً عن الخسائر المرتبة على الاقتصاد بسبب السياسة وتوزيع أعبائها على الأطراف السياسية، والحديث يدور حصراً عن تبديد المال العام وإنفاقه خارج نطاق التفويض القانوني والأصول المالية، من موقع المسؤولية عن إدارة هذا المال العام، وليس هناك من يستطيع أن يتّهم حزب الله بالشراكة في هذا التبديد، باعتبار أنه لم يكن يوماً في موقع من المسؤولية يتيح له تصرفاً بالمال العام، أما باقي الاتهامات التي يسوقها السنيورة لحزب الله فغير مقنعة لأن أحداً لا يخوض معركة سياسية إعلامية ضد الحزب تحت عنوانها، كي يُقال إن حزب الله أراد بحملته التغطية على ارتكابات مزعومة لا يبقى مبرراً لمناقشتها، طالما أن استعراضها كذريعة لإضعاف قوة حجة حزب الله في حملته، يفترض سلفاً وجود سياق اتهامي ضد الحزب في التداول ليكون منطقياً تقبّل قيامه بحملة معاكسة للتغطية.
– الإصرار على ضمّ حزب الله والتيار الوطني الحر في استهداف مشترك استباقياً يزيد الشكوك بحق السنيورة بدلاً من أن يبدّدها، فكأن المطلوب خلق مناخ معركة سياسية كبرى، ورفع منسوب التوتر السياسي لتضييع أي تحقيق جدي يحتاج القيام به والسير بنتائجه حتى النهاية، هدوءاً ومناخاً بعيداً عن التوتر، يُفترض أن يسعى السنيورة إليه لإنهاء هذا الملف وسحبه من التداول ببراءة ناصعة يحتاجها ما دام واثقاً من هذه البراءة، وكل سعي للتصعيد السياسي والابتعاد عن مفردات الملف ودفعها إلى التحقيق، يزيد الشبهات ولا يخفّف منها.
– أما التمترس السريع وراء اسم الرئيس رفيق الحريري واعتباره مستهدفاً، فهو حق سياسي للرئيس السنيورة لو نال البراءة قضائياً بعد تحقيق متكامل، أما هذا الإسراع بالاستنفار واعتبار الاتهام الذي يطال تبديد المال العام في حقبة معينة، هو استهداف لإرث الرئيس الحريري، دعوة علنية لمنع التحقيق تحت شعار حفظ إرث الرئيس رفيق الحريري. وهذه أكبر إساءة لإرث الرئيس الحريري، الذي لا يجوز الزجّ باسمه في أي شأن مشابه، بصورة لا تؤدي عملياً إلا لقطع الطريق على أي مناقشة علمية هادئة للملفات المطروحة، يكون هدفها جلاء الحقائق وتحميل كل مرتكب مسؤولية أفعاله، خصوصاً أن الأموال المعنية تخصّ مرحلة لم يكن الرئيس الحريري فيها موجوداً.