آخر الكلام

فاطمة ملحم

الانتماء الوطني هو فعل ارتباط وثيق بقضية الوطن، وهنا يتمسّك الفرد الأرض ويعشق كلّ التفاصيل المحيطة بوجوده وبالتالي يصبح جزءاً من لوحة متكاملة، ولا تكتمل هذه اللوحة إلا بوجوده ضمن إطارها. الانتماء هو الارتباط الحقيقي بما هو جوهري، وتعزيز هذا الارتباط به وجدانياً، وفكرياً، ومعنوياً، وواقعياً، مما يدلّ على قوة الصلة التي تربط بين الفرد وما ينتمي إليه سواء كان انتماؤه لوطنه، أوعمله أو أيّ شيء آخر يعنيه.

إنّ ترسيخ إحساس الانتماء يبدأ من البيت ومع الأسرة، أيّ أنّ المكان وعناصره البشرية والمادية هي القاعدة الأساس مع التمسك بشعور المحبة المتنامية بين أفراد البيت دون أن يغيب الاحترام المتبادل بين الأهل وأبنائهم، وبين الأبناء في ما بينهم، والذي يجب أن يترافق مع هذا الشعور، أيّ المحبة.

وتبقى المشاركة شرطاً مهماً في ما يمتلكونه في عالمهم الصغير، أيّ بيتهم، والمشاركة لا ترتبط فقط بالمقتنيات المادية من اللباس والأثاث، بل تنسحب على الأعمال العادية والبسيطة التي يقومون بها كمجموعة، وأيضاً عليهم تشارك القرارات التي تخصّ الأسرة بكلّ محبة واحترام وإدراك أهمية انتمائهم إلى بعضهم البعض وإلى بيتهم الذي هو جزء من وطنهم الكبير.

أما في ما يتصل بالانتماء إلى المدرسة التي هي جزء من الوطن، ومؤسّسة لها كيان ينتظمها قوانين وقواعد بين الأفراد والمعلمين والجهات التربوية الأعلى فهي والوطن نموذج أكبر من الأسرة الصغيرة.

لعلّ العلاقات المتشعّبة والمتنوّعة التي تساهم في تكوين المجتمع تحتم على كلّ فرد فيه أن يعمل جاهداً لترسيخ انتمائه الروحي إلى وطنه من خلال أخذ دوره في بيئته بدءاً من البيت والمدرسة ومعترك العمل لاحقاً، وان يصنع لنفسه مكاناً معيّناً ومحدّداً، ويشعر بأنه جزء وعنصر فعّال في هذا المجتمع، ويشعر بالمسؤولية من خلال تكليفه بمهام وتحقيق الحقوق الكاملة له والمشاركة في بناء المجتمع، وأن يتحمّل مسؤولية أعماله وأخطائه.

قد يتأثر حسّ الانتماء بعدة عوامل اجتماعية، ووجدانية، وأخلاقية، واقتصادية، في مقدّمها حبّ الأرض والإحساس بالمسؤولية وعدم الشعور بالغربة ضمن الوطن، وهذا كله يستدعي أن تولي الدولة مواطنيها الاهتمام بتأمين كلّ متطلباتهم الحياتية والاجتماعية.

ومن أهمّ عوامل الانتماء أيضاً العدالة الاجتماعية التي يطمح إليها كلّ فرد لناحية إحساسه بالمساواة مع أقرانه كافة. وعندما يشعر الفرد بأنّ الأنظمة والقوانين تصبّ لمصلحته أو لخدمته وتمنحه مقوّمات الرفاهية وشعوره بالمساواة مع بقية الأفراد نتيجة حصوله على الحقوق والواجبات بنفس المستوى مما يولد لديه شعوراً قوياً بالانتماء إلى هذه الدولة. ومن عوامل الانتماء أيضاً قدرة الفرد على المشاركة وصنع القرار في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية مما يعزز قدراته ويقوّيها.

وما يعزز الانتماء أيضاً هو نيل الفرد حقوقه الاجتماعية كافة، أيّ حصوله على بيئة نظيفة وصحة جيدة وغذاء مناسب، فكلما توفرت هذه العوامل تؤدّي الى أحساس الفرد بانتمائه إلى الجهة التي تقدّم له هذه الخدمات والتي هي الدولة وبالتالي إحساسه بالموطنة يزداد.

أخيراً انّ تحقيق العدالة الاجتماعية على أصغر مستوياتها يدفع الفرد الى الإحساس بانتمائه أولاً إلى عائلته ومدرسته وإلى البيئة الاجتماعية التي تحيط به، وبالتالي يزداد قوة وصلابة، ويتعزّز الشعور الوطني لديه ويترسخ انتماؤه بشكل فاعل وكبير.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى