هجوم الإرهابيين في ريف حماة… لا بديل عن الحسم العسكري ومقاومة الأجنبي
حسن حردان
شكل هجوم الجماعات الإرهابية على مواقع الجيش السوري في ريف حماة الشمالي، قبل أيام، تطوّراً خطيراً يكشف حجم تمادي هذه الجماعات في خرق اتفاق خفض التصعيد المتفق عليه في سوتشي وأستانا، ودليلاً جديداً يؤكد بأنّ استمرار التساهل في مواجهة الخروقات المتكرّرة للإرهابيين، شجعهم على استئناف هجماتهم الإرهابية وإلحاق الضرر بالمناطق والبلدات والقرى الآمنة في المنطقة… ومن الواضح أنهم استفادوا كثيراً من عدم التزام تركيا في تنفيذ الاتفاق، وسعيها إلى المماطلة والتسويف في ذلك، رهاناً على توظيف وجود هؤلاء الإرهابيين لأجل تحقيق أهدافها في إقامة منطقة أمنية داخل الأراضي السورية، باستدراج الجيش السوري وحلفائه إلى عملية عسكرية في إدلب، تتيح الفرصة للجيش التركي شنّ هجوم في منبج بحجة مواجهة خطر الأحزاب الكردية المسلحة على الأمن القومي التركي، واستخدام هذه المنطقة قاعدة إسناد ودعم للجماعات المسلحة التابعة لها لمحاولة فرض شروطها في التسوية السياسية لإنهاء الأزمة وطي صفحة الحرب الإرهابية…
على أنّ هذا الهجوم الإرهابي، الذي أدّى إلى استشهاد وجرح عشرات الجنود السوريين، وتعريض أمن المواطنين لأضرار كبيرة، يأتي في أعقاب قرار إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إبقاء 400 جندي أميركي في شمال وشرق سورية، بعد سحب القوات الأميركية من المنطقة، وارتباك أنقرة إثر الفشل في الاتفاق مع واشنطن على إقامة المنطقة الآمنة وانتشار الجيش التركي مكان القوات الأميركية المنسحبة إلى قواعد لها في شمال العراق.. وهذا ما جعل الرئيس التركي رجب أردوغان في وضع يتخبّط فيه، فمن جهة لم يحصل على ما يريد من واشنطن، وفي الوقت نفسه بات متهماً من قبل روسيا وإيران في التلكّؤ في تنفيذ اتفاق سوتشي، الذي توصلت إليه الدول الضامنة، ومواصلة رعاية ودعم الإرهابيين..
من الواضح أنّ هذا التطور الميداني جاء بضوء أخضر تركي، بما يؤكد أنّ أردوغان تعمّد عدم تنفيذ التزاماته بموجب اتفاق سوتشي، ويتواطأ مع الإرهابيين، ويسعى من خلال هجوم الإرهابيين الى دفع الجيش السوري للقيام بعملية من دون ان يكون قادراً في الوقت نفسه على مواجهة ومنع الجيش التركي من شنّ هجوم للسيطرة على منبج.. على انّ هجوم الإرهابيين يوفر مناخات مواتية لقيام الجيش السوري وحلفائه بالعملية العسكرية الشاملة لتحرير محافظة إدلب والمناطق المحيطة بها من احتلال الإرهابيين لها، مع أخذ الاحتياطات اللازمة في منطقة منبج لمنع الجيش التركي من الاستفادة من انشغال الجيش السوري وحلفائه في معركة تحرير محافظة إدلب، وبالتالي التخلص نهائياً من استمرار خطرهم وتهديدهم المستمرّ للأمن والاستقرار في عموم المنطقة الشمالية وتأخيرهم إنهاء الحرب وخروج سورية من نفقها للبدء بورشة إعادة بناء ما دمّرته الحرب… وما يعزز اتجاه الأمور في هذا المنحى…
أولاً: بيان وزارة الخارجية السورية في إدانة الهجوم الإرهابي وإعلان الجاهزية العالية والتامة لقوات الجيش السوري في التصدي لجرائم وخروقات الإرهابيين ومن يقف وراءهم بالتمادي في اعتداءاتهم، وحدها في الدفاع عن سيادة ووحدة أراضي الجمهورية السورية وسلامة مواطنيها على كامل التراب السوري… ويشكل إصدار مثل هذا البيان مؤشراً على رسالة سورية واضحة بأنه لم يعد بالإمكان استمرار السكوت على استمرار وجود الإرهابيين واعتداءاتهم وانّ الجيش السوري بكامل الجاهزية لتنفيذ عملية عسكرية لاستعادة المناطق التي يسيطر عليها الإرهابيون إلى كنف الدولة بالتوقيت الذي يخدم الاستراتيجية السورية لاستعادة كامل الأرض السورية إلى كنف الدولة وقطع الطريق على المخططات التركية والأميركية…
ثانياً: تمّ إعطاء كلّ الفرص لتركيا من أجل إنهاء الوضع الشاذ في محافظة إدلب من دون الحاجة إلى عملية عسكرية، لكن تبيّن أن أنقرة، إما أنها تناور لكسب الوقت والعمل على إطالة أمد وجود الإرهابيين لاستخدامهم ورقة لابتزاز الدولة السورية… أو أنّ الإرهابيين خرجوا عن سيطرتها ولا تريد أن تقوم بأيّ عمل عسكري ضدّهم لأنه يؤثر سلباً على الوضع الشعبي لحزب العدالة والتنمية الإخواني، الذي وفر البيئة الحاضنة لكلّ الجماعات الإرهابية، منذ بداية شنّ الحرب الإرهابية على سورية، حيث شكلت تركيا قاعدة انطلاق لهم ودعم وإسناد مستمرة على مدى سنين الحرب.. وليس هناك من يصدّق بأنّ هؤلاء الإرهابيين المتحصّنين في إدلب وجوارها يمكن أن يستمرّوا ويواصلوا خرق اتفاق خفض التصعيد وشنّ الهجمات ضدّ مواقع الجيش السوري، من دون أن يحظوا بضوء أخضر تركي… وبالتالي فإنّ سورية وحلفاءها باتوا في حلّ من الاتفاق، خاصة بعد أن حسم تنظيم جبهة النصرة الإرهابي سيطرته على المنطقة التي كان من المفترض أن تصبح منزوعة من السلاح الثقيل ومن الجماعات المسلحة المصنّفة إرهاباً…
ثالثاً: لم يعد هناك من سبب تكتيكي يدفع سورية وحلفاءها إلى تأخير العملية العسكرية في إدلب، بعدما قرّرت واشنطن عدم سحب كلّ قواتها من سورية، وأبقت على 400 جندي لحماية الأحزاب الكردية التابعة لها، ومراقبة الحدود السورية العراقية لمنع التواصل البري بين إيران وسورية، واستخدام ذلك إلى جانب منع عودة النازحين، أوراق ضغط أميركية في عملية الحلّ السياسي… لقد بات الحسم ضدّ الإرهابيين في الشمال مدخلاً ضرورياً ليس فقط لاستعادة سيطرة الدولة وإنهاء هذا النزف المستمرّ الذي يسبّبه بقاء الإرهابيين في المنطقة، بل وأيضاً لنزع الذرائع التي تبرّر بها القوات الأجنبية انتهاكها لسيادة واستقلال سورية ودفعها إلى الانسحاب أو مواجهة المقاومة لإخراجها… وبالتالي استعادة الدولة السورية كامل سيادتها على كلّ أراضيها…
من هنا فإنّ هجوم الإرهابيين في ريف حماة الشمالي كشف التواطؤ التركي، وأسقط أيّ رهان على انتظار تنفيذ اتفاق سوتشي، وأكد الحاجة إلى الحسم العسكري لتحرير ما تبقى من الشمال السوري على غرار عملية الحسم في الجنوب… ومنع أردوغان من محاولاته
ولقد ثبت بأنّ عملية الحسم العسكري أقلّ كلفة من انتظار حلّ سلمي لإنهاء وجود المسلحين الإرهابيين، وايّ تأخير في القيام بهذه العملية سيكون ثمنه دفع المزيد من الثمن من أمن واستقرار وحياة المواطنين إلى جانب الشهداء والجرحى من جنود الجيش السوري… وفي النهاية لن يتمّ إنهاء ما تبقى من إرهابيين على الأرض السورية إلا بالحسم العسكري… وكذلك وضع القوات الأجنبية أمام خيار مواجهة مقاومة مسلحة تستنزفها أو الانسحاب من الأرض السورية من دون قيد ولا شرط…