نتنياهو حائر بين شرّين: هجمة على غزة أم معركة في سورية؟
د. عصام نعمان
الهجوم الأميركي في المنطقة على إيران والمقاومة مستمرّ ومتصاعد. هذا ما استخلصه الذين قابلهم مساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد ساترفيلد في زيارة مفاجئة للبنان أجرى خلالها، بمعزل عن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، مداولات مع رئيس الحكومة سعد الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل، ومحادثات مع أحزاب وشخصيات معروفة بعدائها لحزب الله وسورية وإيران.
ساترفيلد حمل أيضاً تهديداتٍ مفادها أنّ كلّ الأسلحة في الهجوم الأميركي صارت مباحة، وانّ المطلوب هو الحدّ من تأثير حزب الله في السياسات الحكومية، وعدم تحويل لبنان ساحة نفوذٍ لإيران تفادياً لالتفافها على العقوبات الأميركية، وفي حال عدم التزام الحكومة اللبنانية سياسةَ النأي بالنفس والإبتعاد عن ايّ تمحور مع إيران فإنّ الولايات المتحدة ستستمرّ في الضغط والإزعاج حتى لو أدّى ذلك الى زعزعة الإستقرار في البلاد.
الهجوم الأميركي، السياسي والعسكري، يأتي متزامناً مع هجوم أمني «إسرائيلي» قد يتحوّل هجمةً عسكرية في قطاع غزة، وربما معركة بالتعاون مع أميركا ضدّ إيران في سورية. أجهزة الإعلام «الإسرائيلية» من صحف وأقنية تلفزيونية وإذاعات فاضت، في هذه الأثناء، بتعليقات ودراسات حول أيّهما «أجدى» انتخابياً لبنيامين نتنياهو: هجمة على قطاع غزة أم معاركة إيران في الساحة السورية. ذلك انّ استطلاعاً للرأي العام أجرته قناة التلفزيون «الإسرائيلية» 12 مطلعَ الأسبوع الماضي أظهر أنّ معسكر أحزاب الوسط واليسار بقيادة الرئيس السابق لأركان الجيش الإسرائيلي الجنرال بني غانتس يبدو متفوّقاً على معسكر أحزاب اليمين بقيادة نتنياهو.
أيٌّ من الساحتين سيختار نتنياهو لتنفيذ مغامرته الحربية الإنتخابية؟
قرارُ معاركة إيران في سورية لا يتخذه نتنياهو وحده. إنّ لأميركا فيه اليد العليا رغم تأثير «إسرائيل» الوازن في صناعة قرارها السياسي. ظاهرُ الحال يشير الى انّ واشنطن الترامبية تقوم بتحركات ميدانية في سورية والعراق تعزز الإرتياب بإمكانية أن تكون سورية ساحة المعاركة المرتقبة. فقد استأخر ترامب سحب قواته من شرق الفرات ومن منطقة التنف القريبة من حدود سورية مع العراق والأردن، كما أقام جيشه المزيد من القواعد العسكرية في غرب العراق ما يؤشّر الى توليف حزام صاروخي لحماية «إسرائيل» يمتدّ من الرطبة العراقية الى التنف السورية وصولاً الى عرعر السعودية. الى ذلك، نشر الجيش الأميركي في «إسرائيل» مؤخراً مزيداً من منظومة «ثاد» Thaad المضادة للصواريخ البالستية البعيدة المدى في إطار ما أسماه ناطق عسكري إسرائيلي «تمرين مشترك لقوات الدفاع الجوي التابعة للبلدين».
رغم كلّ هذه المؤشرات اللافتة، فإنّ ساحة نتنياهو المفضّلة لتنفيذ مغامرته العسكرية المحتملة تبقى فلسطين المحتلة. فمن باب الرحمة في المسجد الأقصى بالحرم القدسي، وعلى طول السياج في قطاع غزة يتبدّى الميدان الأكثر قابلية للمواجهة المقبلة. غير انّ المؤسسة الأمنية، بحسب صحيفة «هآرتس» 2019/3/4 حذّرت القيادات السياسية من حدوث تصعيد في الضفة الغربية بسبب قرارات عدّة لها علاقة بالإنتخابات، وبسبب الوضع الإقتصادي السيّئ لسكان المناطق المحتلة.
في موازاة الضفة، يبدو الوضع الأمني في الجنوب الفلسطيني المحتلّ قابلاً للإنفجار أيضاً نتيجةَ التصعيد العدواني ضدّ حركتي «حماس» و»الجهاد الإسلامي». وفي غمرة التهيّب من التصعيد ضدّ غزة، يُنسب الى أركان المؤسسة الأمنية تحليل مفاده انّ الجيش سيحتاج إلى قوات كبيرة للدفاع عن المستوطنات والطرق الواقعة خارج الخط الأخضر وحتى في عمق «إسرائيل» بسبب وقوع الضفة جغرافياً في الوسط على طول «الحدود» مع الكيان الصهيوني.
كلّ ذلك يجري في وقت يمسك بالسلطة رئيس حكومةٍ يتولى بنفسه وزارة الدفاع وينهمك، على حدّ قول «هآرتس»، في تعبئة أفضل قدراته للدفاع عن نفسه في مواجهة شياطين سياسية وقضائية وإعلامية، وقد لا يتمكّن من ملاحظة الخطر الذي يهدّد أمن الدولة، او لا يعي التحذيرات الموجّهة إليه من الجهات الأمنية المهنية.
هل ثمة ما يردع نتنياهو عن ارتكاب حماقة الهجوم على غزة أو معاركة إيران وقوى المقاومة في لبنان وسورية معاً؟ نعم، إنه ما تعرفه القيادات السياسية والعسكرية في «إسرائيل» عن قوة الردع التي تمتلكها دول محور المقاومة، وعن تصميم رؤسائها على استخدامها. ليس أدلّ على فعالية قوة الردع هذه من انّ واشنطن الترامبية سارعت مؤخراً الى تزويد الكيان الصهيوني بصواريخ «ثاد» البعيدة المدى بذريعة إجراء «تمرين مشترك لقوات الدفاع الجوي في البلدين». هذا إلى جانب ما تمتلكه أميركا من أسلحة فتاكة وعتاد وفير في مخازن خاصة بها داخل «إسرائيل» لتمكين جيش حليفتها من استعماله في حال نشوب حرب مديدة مع سورية وإيران.
إلى ذلك، ثمة تقليدٌ راسخ في الولايات المتحدة بأن تكون لكلٍّ من رؤسائها خلال ولايته حرب تقترن بإسمه. ايزنهاور اقترن اسمه بالحرب الكورية، ونيكسون بالحرب الفيتنامية، وكنيدي بالحرب الكوبية المجهَضَة ، وجونسون بالإشتراك مع «إسرائيل» بحرب 5 حزيران/ يونيو 1967ضدّ مصر وسورية، وريغن بحرب أفغانستان، وبوش الأب والإبن بحروبهما على العراق. وحده أوباما لم يشنّ حرباً ضارية على مستوى اقليمي أو عالمي، وربما لهذا السبب «استحق» نقمة ترامب الذي ينعته بالتراخي والتخاذل ويتأهّب، على ما يُقال، إلى شنّ حربٍ ضدّ إيران. غير انّ الدولة العميقة في الولايات المتحدة ــ ايّ إدارات وزارة الدفاع البنتاغون ، والاستخبارات المركزية، ومراكز القوى المالية العملاقة في وول ستريت ــ تدرك انّ واقع الاقتصاد الأميركي، والدين العام الذي لامس العشرين تريليون ألف مليار دولار، وأكلاف الحروب الخشنة وانعكاساتها البالغة السوء على أميركا دولةً وشعباً، وفعالية قدرات الردع لدى خصوم الولايات المتحدة، الدولة العميقة تلك تدرك خطورة التحديات والتداعيات وضخامة الأضرار الناجمة عن الحروب الخشنة في هذا العصر، فتبدي معارضة ناشطة وقادرة على لجم ترامب المتهوّر عن ارتكاب أشدّ حماقاته هولاً.
أياً ما سيكون قرار ترامب أو نتنياهو، فالأرجح أن لا حرب أميركية أو «إسرائيلية» أو صهيوأميركية مشتركة على دول محور المقاومة قبل الإنتخابات الإسرائيلية في 9 نيسان/ ابريل المقبل لأسباب متعدّدة، ليس اقلّها أنّ الاستعدادات السياسية والعسكرية لدى المعتدين غير مكتملة، ولأنّ قادة الدول والقوى المستهدَفَة بالعدوان مصمّمون على ردّه، والقدرات اللازمة لذلك متوافرة وقابلة للتجديد والتطوير.
وزير سابق