نقول لبريطانيا وأميركا: المقاومة هي القوة التي ستغيّر مجرى التاريخ
اياد موصللي
ومن الحب ما قتل… بريطانيا وكذلك أميركا «خائفتان وقلقتان» على مستقبل لبنان ووضعه بسبب وجود حزب الله، عصب المقاومة اللبنانية ضدّ «إسرائيل»…
سمعنا الكثير من الأصوات التي تحرص على الحرية والمستقبل، ولم نسمع من هؤلاء رغم فيض تصريحات المحبة والإنسانية ولو كلمة تتناول تصرفات وارتكابات «إسرائيل» ضدّ لبنان وحدوده وأرضه المغتصبة، ولا استنكار طلب «إسرائيل» ضمّ الجولان السوري الى سلطتها وسيطرتها الدائمة واعتباره جزءاً من الأرض التي استولت عليها من فلسطين…
قال سعيد تقي الدين: «أفصح ما تكون القحباء عندما تحاضر بالعفاف».
فإذا تأمّلنا بهدوء هذا الموقف البريطاني والأميركي وعُدنا الى التاريخ نجده يكرّر نفسه. فبريطانيا أوجدت الصهيونية على أرض فلسطين بدءاً من وعد بلفور واستمراراً بالدعم والمؤازرة الى يومنا هذا، وهذا الموقف الأخير استمرار وامتداد للتآمر البريطاني والأميركي. ففي الوقت الذي كانت بريطانيا تقدّم لليهود العون المادي وتهيّئ لهم جيشاً يستطيعون بواسطته تحقيق مشروعهم وبناء دولتهم كانوا يقدّمون لأمتنا الوعود الكاذبة. وكما يقول المثل «من فمك أدينك يا إسرائيل». نكرّر ما قاله الجنرال لورانس ونشره في كتاب أعمدة الحكمة السبع حيث قال: «لقد صدّق هؤلاء العرب رسالتنا وآمنوا بتحقيقها فارتضوا الموت لأنفسهم في سبيلها…»
ويعني الوعود التي أعطيت بإنشاء دولة حرة موحدة اذا ما ساعدت شعوبنا القوات البريطانية والفرنسية ضدّ الأتراك لإخراجهم من بلادنا…
ويتابع لورانس فيقول: نثر الوعود في كلّ الاتجاهات والى كلّ الفرقاء بعد أ وعدها للشريف حسين ب ووعدها للحلفاء ج للجنة العربية، طلعت الحكومة البريطانية بوعد رقم 5 أطلقه اللورد روتشيلد للقوة الجديدة فدغدغت أحلامها بمكاسب ممكنة في فلسطين»ويعني به وعد بلفور لليهود…»
يحدّثنا التاريخ الحديث للصهيونية العالمية أنه عام 1902 عرض هرتزل على الثري اليهودي البريطاني اللورد ناثينيال روتشيلد بمساعدة الصحافي البريطاني الصهيوني ليوبولد غيرينرغ تخليص بريطانبا من المتشرّدين اليهود القادمين من روسيا بإسكانهم في قبرص أو شبه جزيرة سيناء. وقد اهتمّ وزير المستعمرات البريطاني آنذاك جوزيف تشمبرلن بهذه الفكرة واعتبرها مغرية لتحقيق التوسع البريطاني بالاعتماد على اليهود إضافة إلى تخليص بريطانيا منهم. فبعث هرتزل رسالة إلى تشمبرلن جاء فيها أنّ توطين اليهود شرق البحر المتوسط سيقوّي إمكانية الحصول على فلسطين.
فتاريخ الخداع والغدر البريطاني مليء وحافل ولم ننس موقف لويد جورج رئيس وزراء بريطانيا وتجنيده فرقة عسكرية من خمسة آلاف يهودي للقتال في فلسطين ضدّ الأتراك في المرحلة الأولى ثم البقاء بسلاحهم جيشاً يهودياً في فلسطين للمستقبل.
كيف ننسى وعد بلفور لليهود بإنشاء «وطن قومي». بريطانيا وعدت وأميركا نفذت وحققت هذا الوعد وساعدت على إقامة السلطة والدولة اليهودية. كانت بريطانيا وما زالت الذيل الأميركي في فلسطين والعالم…
فأميركا اليوم متحمّسة بشكل جنوني لإتمام أطماع «إسرائيل» حيث قال الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما: «انّ إسرائيل هي الولايات المتحدة والولايات المتحدة هي إسرائيل».
فإذا عرفنا جيداً ماذا تريد «إسرائيل» مدعومة بأميركا وبريطانيا عرفنا ماذا تريد المقاومة ولماذا نشأت وحاربت وتجهّزت وتحالفت مع الخيّرين من الحلفاء والأصدقاء ومنهم إيران وروسيا والصين..
فـ «إسرائيل» عندما اجتاحت لبنان وتمركزت في أجزاء منه كانت الخطوة التي أرادت من ورائها تحقيق حلمها بضمّ هذا الجبل الطيب لبنان إلى أملاكها .
ونذّكر بما قاله الحاخامون اليهود:
«انّ الجنوب اللبناني إنما هو من أراضي اسباط زيولون واشير ونفتالي «الإسرائيلية»، وذهب يسرائيل اريتيل الى أبعد من ذلك مؤكداً «انّ حدود أرض إسرائيل تشمل لبنان حتى طرابلس في الشمال وسيناء وسورية وجزءاً من العراق وحتى جزءاً من الكويت». ودعا في الشهر نفسه الى ضمّ واستيطان معظم أرض لبنان وعاصمته بيروت الى «إسرائيل» مهما يكن الثمن.
«بيروت هي جزء من أرض إسرائيل لا اشكال حول هذا، وبما ان لبنان جزء من أرض إسرائيل يجب التصريح بأن لا نية لنا بالمغادرة يجب ان يعلن أنّ لبنان هو لحم من لحمنا، مثل ما هي تل ابيب، وحيفا. واننا نفعل هذا باسم حق السلطة الخلقية الممنوحة لنا في التوراة. وكان على قادتنا دخول لبنان وبيروت مهما يكن الثمن لأننا نتكلم عن انتزاع أرض إسرائيل يجب تحويل مياه الليطاني فوراً الى نهر الأردن».
كما صرّح اربعون حاخاماً أميركياً جيء بهم الى التلال المحيطة ببيروت لرؤية العاصمة اللبنانية التي كان الجيش «الإسرائيلي» يحاصرها ويقصفها. ان عملية «سلامة الجليل» كانت من وجهة النظر اليهودية حرباً محقة وحرباً مأمور بها او حرباً إلزامية، وأوحى الحاخام ج. دافيد بليتش وهو عالم يهودي أميركي بارز بأنّ مقطعاً شعرياً من نشيد الأناشيد التوراني يؤيد الاستيلاء على الجنوب اللبناني، وفسّر هذا بأنه خطوة أخرى نحو الاسترداد الكامل.
تذكروا هذا جيداً يا مؤيدي إسرائيل والمطالبين بنزع سلاح المقاومة من الأعراب وأحبابهم الانكليز.
هذا المشروع الإسرائيلي الذي تجري محاولات تحقيقه عبر عزل لبنان عن محيطه وإضعافه عسكرياً واقتصادياً واجتماعياً، وإثارة الانقسامات المذهبية والطائفية فيه لتسهل عملية تحقيق المخطط الصهيوني.. ففي فلسطين وعبر موقف ترامب واعترافه بالقدس عاصمة لـ «إسرائيل» فإنّ القسم الأكبر تحقق من مشروع الدولة اليهودية وبدأت عملية التمدّد… وركائزها…
عزل لبنان والضغط عليه عبر عوامل عديدة أهمّها إغراقه عبر إشغاله بعملية توطين الفلسطينيين والسوريين وإرباكه معيشياً واقتصادياً…
عزله عن محطيه العربي عبر عمليات التطبيع مع السعودية والإمارات والبحرين وعدد من دول الخليج بحيث يكون الضغط داخلياً لا تظهر فيه «إسرائيل» لأنّ القائمين به أعراب…!
وإذا عدنا الى البروتوكول الثاني من بروتوكولات حكماء صهيون وقرأناه بتمعّن هادئ كما هو وحيث جاء فيه «إنّ غرضنا الذي نسعى إليه يحتم أن تنتهي الحرب بلا تغيير حدود ولا توسع إقليمي، وينبغي تطبيق هذا ما أمكن فإذا جرى الأمر على هذا قدر المستطاع تحوّلت الحرب الى صعيد اقتصادي وهنا لا مفرّ من أن تدرك الأمم من خلال ما نقدّم من مساعدات، ما لنا من قوة التغليب، تغليب فريق على آخر، ومن التفوّق وفوز اليد العليا الخفية.
انها المحاولات التي شهدناها في كثير من المحافل الدولية وآخرها ما حاولت أميركا وبريطانيا تحقيقه مؤخراً.
كلّ الحسابات ضبطت بدقة حتى أنّ أدوار كلّ حكومة وكيلة من حكومات العمالة العربية أنيط بها دور، ولكن ما لم يضبط هو أنّ حساب الحقل لم يطابق حساب البيدر وكانت المقاومة اللبنانية هي الرقم الصعب الذي لم يتماش في عملية الطرح والضرب والقسمة ولكنه كان الرقم الأساس في عملية الجمع فأجهض كلّ المخططات والمخاضات.
ونعود لما قاله انطون سعاده في أول آذار 1938: «ما أقوله في صدد لبنان والشام أقوله في صدد فلسطين، فالسياسيون الكلاسيكيون هناك لم يتمكّنوا من إيجاد ايّ دفاع مجد يصدّ الخطر اليهودي، لأنّ اساليبهم لا تزال من النوع العتيق المسيطر فيه الصفة الاعتباطية والأنانية والمغررة للشعب. ولا بدّ لي من التصريح في هذا الموقف انّ الخطر اليهودي هو أحد خطرين أمرهما مستفحل وشرّهما مستطير. والثاني هو الخطر التركي. وهذان الخطران هما اللذان دعوت الأمة السورية جمعاء لمناهضتهما.
انّ الخطر اليهود لا ينحصر في فلسطين، بل يتناول لبنان والشام والعراق ايضاً، لا لن يكتفي اليهود بالاستيلاء على فلسطين، فلسطين لا تكفي لإسكان ملايين اليهود. الذين أثاروا عليهم الأمم النازلين في أوطانها وهم منذ اليوم يقولون: «الحمد الله»، اننا أصبحنا نقدر ان نمارس الرياضة الشتوية في أرض إسرائيل» ويعني التزحلق على الثلج في لبنان، فليدرك اللبنانيون ما هي الأخطار التي تهدّد الشعب اللبناني.
وكرّر التحذير في عام 1947 اذ قال: «لعلكم ستسمعون من سيقول لكم انّ انقاذ فلسطين، أمر لا دخل للبنان فيه. انّ إنقاذ فلسطين أمر لبناني في الصميم كما هو أمر فلسطيني في الصميم كما هو أمر شامي في الصميم، انّ الخطر اليهودي على فلسطين هو خطر على سورية كلها. كلمتي إليكم هي العودة الى ساحة الجهاد».
فـ «إسرائيل» كما قال لويد جورج في مذكراته المجلد 2 صفحة 455: هذا المشروع يتأرجح بين ان يصبح حقيقة او يتحوّل حلماً يتبدّد مع الريح.. ولكي لا يصبح حقيقة ظهرت المقاومة وظهرت إيران الحديثة البعيدة عن الأطماع التوسعية وأصبحت حليفاً روحياً لأبناء وشعوب هذه المنطقة وعدواً لـ «إسرائيل» وعلى الأقلّ فإنّ عدو عدوي صديقي.
المقاومة طردت «إسرائيل» من لبنان وحاربت الإرهاب التكفيري في المشروع التآمري لتفتيت الشام والعراق ولبنان وأفشلت هذا المشروع..
وتحركت القوى الاستعمارية الراعية للصهيونية والتي رغم كلّ محاولاتها ودعمها للقوى المعادية لأمتنا بالمال والسلاح والتي دفعت بالأعراب للدخول في مشروع التطبيع مع «إسرائيل» ومدّ جسور التعاون معها…
لكن كلّ هذا جوبه بالقوة المؤيدة بصحة العقيدة التي أفشلت المخطط والمخططون.. ففتحوا صفحة جديدة وهي الحرب الإعلامية والفكرية والنفسية ضدّ أعداء «إسرائيل»، المقاومة وإيران وروسيا..
فالإعلام سلاح تهتمّ به «إسرائيل» كثيراً وجاء في البرتوكول الثاني صفحة 191 وصف للإعلام بأنه الآلة الجهنمية: «ولا يخفى انّ في أيدي دول اليوم آلة عظمية تستخدم في خلق الحركات الفكرية والتيارات الذهنية، ألا وهي الصحف، والمتعيّن على الصحف التي في قبضتنا عمله هو أن تصبح مطالبة بالحاجات التي يُفترض أنها ضرورية وحيوية للشعب، وان تبسط شكاوى الشعب، وأن تثير النقمة وتخلق أسبابها، إذ في هذه الصحف يتجسّد انتصار حرية الرأي والفكر، غير انّ دولة «الغوييم» لم تعرف بعد كيف تستغلّ هذه الآلة فاستولينا عليها نحن وبواسطة الصحف نلنا القوة التي تحرّك وتؤثر، وبقينا وراء الستار، فمرحى للصحف وكفّنا مليء بالذهب، مع العلم انّ هذا الذهب قد جمعناه مقابل بحار من الدماء والعرق المتصبّب. نعم، قد حصدنا ما زرعناه ولا عبرة انْ جلّت وعظمت التضحيات من شعبنا. فكلّ ضحية منا إنها لتضاهي عند الله الفاً من ضحايا الغوييم».
ترى هل لنا ان نتساءل ونحن نرى بعض الممارسات المشبوهة لوسائل إعلامية عربية ذات أبعاد متعددة عما اذا كانت تلك المؤسسات والدور الذي لعبته وهو غير حميد ولا مشكور في عديد من مراحلها هذا الدور جزء من الآلة التي استولى عليها العدو وكما يقول: «استولينا عليها نحن وبقينا وراء الستار».
وقد أمسكوا بالإعلام من كلّ جوانبه وسيطروا سيطرة كاملة كما يقول مجدي كامل في كتابه أكاذيب التاريخ الكبرى 2011 .
لذلك وإزاء تبدّد أحلام العدو وثبات القوة التي أثبتت المقاومة بأنّ فينا قوة لو فعلت لغيّرت مجرى التاريخ إزاء هذا برزت بريطانيا وأميركا للقيام بنفس الدور الذي مارستاه في تكوين «إسرائيل»، فأعلنتا خوفهما على لبنان من حزب الله وكأنهما أكثر تعلقاً بلبنان ومصلحته من أبنائه وبُناته وحماته…؟
ونعيد ما قاله سعاده: «إننا نواجه الآن أعظم الحالات خطراً على وطننا ومجموعنا، فنحن أمام الطامعين المعتدين في موقف يترتب عليه إحدى نتيجتين أساسيتين هما الحياة والموت واية نتيجة حصلت كنا نحن المسؤولين عن تبعتها».
وسيبقى السيف «الإسرائيلي» يلعب في رقابنا ما دامت هذه الرقاب محنية على النطع وسيبقى سيفهم أشدّ فتكا من ألسنتنا التي تلعق يد الظلم والبطش. «والسيف أصدق انباء من الكتب».
انّ ما يبشرنا بالخير هو تلك الروح المقاومة الرافضة لكلّ أنواع المؤامرات التي تحاك بإرادة داخلية امتداداً للإرادة الخارجية، هذه المقاومة استطاعت ان تثبت إرادة الحياة وإجهاض ولادة المؤامرات… أعطت المقاومة الأمل وكوّنت بذور جيل يتقن صنع البطولة ويفتح طريق الحياة.
إذ تمرّ على الأمم الحية القوية المحن والصعاب بل والنكبات، فلا يكون لها خلاص منها إلا بالإرادة وبالبطولة المؤيدة بصحة العقيدة، وانني لأرى في أجيالنا المعاصرة وما استشفه من أجيالنا القادمة الأمل الكبير في تحقيق إرادة الأمة إرادة الحياة والبقاء والاستمرار لأنّ العمالة والاستسلام قد أعطت رصيدها وانّ إملاءات القوى التي توغلت في أرضنا ونفوسنا لم تعد تستطيع ان تفرض المزيد وانّ سنوات إهمال الحقوق وبصم صكوك الاستسلام قد شارفت على النهاية. فإذا كان أجدادنا قد شاهدوا الفاتحين وعاشوا تحت ذلهم وظلهم فانّ أبناء أمتنا في أجيال الحياة الجديدة والإرادة الجديدة سيضعون حداً للفتوحات، انّ فجراً جديداً بدأت خيوطه تلوح في الأفق وما حصل في ذكرى 15 أيار عام 2011 وما رافقها من ومضات العز سواء في تجاوز الأسلاك الشائكة للحدود المصطنعة أم في تجاوز أسلاك التوجيه المتخاذل، ما جرى في تلك الفترة إنْ هي إلا شرارات النار التي سوف تلتهب على أرضنا لتحرق الغزاة والطغاة بأيادي الأباة من قادة المستقبل وطلائع رايات فرسانه.
انا لا اتنبأ بل أرى واستطلع علائم العنفوان مثلما شاهدت علائم الاستسلام من عمائم الذلذ والهوان. انه ليوم قريب حين نشاهد جحافل النصر وبيارقه خفاقة… ان زوال وانحسار المؤامرات التي ادّت الى ضياع فلسطين سيؤدي حتماً الى زوال ما يُدعى بدولة «إسرائيل».
لقد كتبت نهاية «إسرائيل» وبدأت فصولها الأولى على الأرض يوم انتفض الجيل العربي الجديد في فلسطين وفي الشتات ليعلن رأيه ويحدّد موقفه ويرسم طريقه عبر تجمعات مؤمنة بقضيتها، باذلة من أجلها دماً آمنت أنه وديعة الأمة متى طلبتها وجدتها، وما امتلاء السجون والمعتقلات الا صوت من انغام نفير الجهاد فهذا الجيل مؤمن بأنّ طريقنا طويلة وشاقة لأنها طريق الحياة وأبناء الحياة ولا يثبت عليها إلا الأحياء وطالبو الحياة أما الأموات فيسقطون على جوانب الطريق…
انّ البطولة التي يسجلها ويجسّدها العاملون بصمت بعيداً عن الإعلام، بعيداً عن الضوء والضوضاء تلك هي البطولة المؤيدة بصحة العقيدة والإيمان هي التي سوف تصحّح كلّ المفاهيم وتؤكد انّ فلسطين انتصرت والأعراب أفلسوا رغم القرارات والإملاءات.
لقد مرّت أمتنا بمحطات مماثلة وتعرّضت حقوقها للاغتصاب مرات عدة في تاريخها، فمن الأتراك الذين أوغلوا في قهرنا وإذلالنا، حتى وصل بهم الأمر لمحاولة تتريكنا وإلغاء وجودنا القومي… الى الفرنجة «الصليبيين» الذين أنكروا حقنا في أرضنا المقدسة… الى الافرنسيين والانكليز… تعّضنا لكثير من الحروب والحملات وأثبتت أمتنا على مراحل تاريخها اننا ما خشينا الحروب ابداً، نحن لا نخاف الحرب بل نخشى الفشل، لانّ الفشل بداية الانهيار، وأثبتنا أننا قادرون على الحياة ونحن أهل لها، فنحن الذين صنعنا حطين وطردنا الصليبيين وعادت لنا مقدّساتنا، نحن الذين طردنا الأتراك العثمانيين ووأدنا فكرة التنريك… نحن الذين لقنّا غورو وأحفاده الدروس في ميسلون، وسهول حمص وحماة، كما قلنا لكلّ محتلّ من عنجر، ومرجعيون… أخرج بلا أسف، وانشد أطفالنا بيِّي راح مع العسكر، حارب وانتصر بعنجر … مواقع العز كثيرة في بلادنا وترابط التاريخ متواصل…
انّ أجيالنا القادمة أجيال الفاقة والحرمان ستكون غنية بالقيم والمثل الحقيقة التي ستفرض نفسها بالأخير وهي حقيقة انتصار هذه الأمة العظيمة، انّ أجيالنا القادمة تتبرأ من أولئك المستسلمين المستجدين الحق استجداء لقد رفضوا الصراع فرفضوا الحرية وسلموا أنفسهم للعبودية، فالحق ليس طلباً بل مطلباً تطلبه النفوس القادرة وتحارب في سبيله فتظفر وتسعد، كما انّ الباطل تطلبه النفوس العاجزة فيجرّها الى التهلكة، لقد وعت أجيالنا أنّ الهزيمة هي درس لكلّ طموح مجدّ وهي طريق يسلكه المجدون لبلوغ الأحسن والأفضل.
لقد أثبتت الأيام انّ شعبنا في فلسطين حيّ ومهما فعل الصهاينة ومن يقف دائماً معهم فإنّ الشعوب هي الباقية.
وأخيراً نقول لبريطانيا ما قاله أنطون سعاده: «اننا لا نريد الاعتداء على أحد ولكننا نأبى أن نكون طعاماً لأمم أخرى، اننا نريد حقوقنا كاملة ونريد مساواتنا مع المتصارعين لنشترك في إقامة السلام الذي نرضى به وإنني أدعو اللبنانيين والشاميين والعراقيين والفلسطينيين والأردنيين إلى مؤتمر مستعجل تقرّر فيه الأمة إرادتها وخطتها العملية في صدد فلسطين وتجاه الأخطار الخارجية جميعها وكلّ أمة ودولة اذا لم يكن لها ضمان من نفسها من قوّتها هي فلا ضمان لها بالحياة على الإطلاق.
يجب أن نعارك يجب أن نصارع، يجب أن نحارب ليثبت حقنا. واذا تنازلنا عن حق العراك والصراع تنازلنا عن الحق وذهب حقنا باطلاً، عوا مهمتكم بكامل خطورتها ولا تخافوا الحرب بل خافوا الفشل».