ماذا في زيارة بومبيو وإعلان ترامب غير الكلام الانتخابي؟
ناصر قنديل
– يصعب على كثيرين تصديق التفكير بأن واشنطن لم تعد تملك إلا الكلام. ويعتبرون هذا الاستنتاج استخفافاً في غير مكانه بالقوة العظمى الأولى في العالم. لذلك لا بد من الدعوة للتدقيق التفصيلي بما تحمله وتريده واشنطن من زيارة رئيس دبلوماسيتها إلى لبنان. وما يريده رئيسها من الإعلان عن موافقته على ضم الجولان إلى كيان الاحتلال. فواشنطن تحزم حقائب الرحيل العسكري من المنطقة تسليماً بمحدوديّة قدرة القوة العسكرية على التأثير في معادلات المنطقة المتغيّرة بعكس اتجاه ما تريد. وبالمقابل الكلفة المرتفعة للاعتماد على القوة العسكرية. والعقوبات التي تنتهجها واشنطن لإضعاف محور المقاومة دولاً وحركات تتسبّب بالتعب لأطراف المحور لكنها لا تغير في السياسات ولا في المعادلات. والذهاب فيها بعيداً لتصبح مجدية يستدعي تعميمها على دول مهمة بالنسبة لإيران مثل تركيا وباكستان والعراق والصين وروسيا وأوروبا. قبل الحديث عن معاقبة الدولة اللبنانية. وفقاً لتلويح وتهديد وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو.
– يعرف بومبيو أن لا نتيجة ستحققها زيارته إذا كان الهدف زعزعة مكانة حزب الله اللبنانية. فالمعنيون في لبنان بملف العلاقة مع حزب الله. كالمعنيون في واشنطن بملف العلاقة مع «إسرائيل». والأمل الأميركي بنتاج لبناني يشبه الأمل اللبناني بتبدّل أميركي تجاه حقوق لبنان ومصالحه وسيادته المهدّدة من «إسرائيل». وفي واشنطن قلة ضئيلة تشارك اللبنانيين بتوصيف الأفعال الإسرائيلية باللاقانونية. كما في لبنان قلة ضئيلة جداً تشارك الأميركيين بتوصيف مواقف ودور حزب الله سواء في مواجهة «إسرائيل» أو الإرهاب باللاقانونية أو اللاوطنية. وكما الغالبية الأميركية تنظر لموقع ومكانة «إسرائيل» بحسابات داخلية. تفعل الغالبية اللبنانية تجاه حزب الله. وكما «إسرائيل» جزء من النسيج السياسيّ الأميركيّ وتوازناته. حزب الله ببعده الإقليمي جزء من نسيج لبنان السياسيّ وتوازناته. وبمعزل عن الصح والخطأ والحق والباطل. لا وجود واقعيّ لمن يتخلّى عن «إسرائيل» في واشنطن لإرضاء لبنان أو سورية أو العرب. ولا وجود واقعي لمن يخاطر بالتآمر على حزب الله في بيروت حتى لو كان الثمن إرضاء واشنطن. طالما أن معادلة واشنطن هي أنّها بعدما فشلت في قتال حزب الله بقواها الذاتية. وفشلت قبلها «إسرائيل». جاءت تطلب من اللبنانيين فعل ذلك لحسابها وحساب «إسرائيل».
– من دون أن ينتبه بومبيو. لبس ربطة العنق الصفراء والبدلة السوداء. مجسداً برمزية لباسه في اللاوعي. الحزبالله فوبيا. أو رهاب حزب الله الذي يسكن مخيلته. ولكنه وهو شديد الانتباه كان يدرك أن زيارته لبيروت ليست لتحقيق نتائج من الغرف المغلقة. كما هو حال رئيسه وإعلاناته المتلاحقة. فحزم حقائب الرحيل من المنطقة. يصيب «إسرائيل» في صميم شعورها بالأمان والاستقرار. وواشنطن لا تستطيع البقاء حتى تحقيق ضمانات الأمن الإسرائيلي في سورية ولبنان. وليست بوارد خوض حروب هذا الأمن الإسرائيلي. لذلك فهي تعوّض على «إسرائيل». بإعلانات متدرّجة. ما كانت في الماضي طلبات إسرائيلية ملحّة وفقدت اليوم قيمتها العملية والواقعية. فتمنحها الاعتراف بالقدس عاصمة لكيانها مع الإعلان عن نية الانسحاب من سورية. وتمنحها الاعتراف بضمّ الجولان إلى كيانها مع اقتراب ساعة الانسحاب. وهي تدرك أن زمن تحويل القرارات الأميركية قرارات أممية تغير الوضعية القانونية لمفهوم السيادة قد ولّى إلى غير رجعة. وأن زمن قدرة «إسرائيل» على ترجمة القرارات الأميركية كغطاء لتغيير الواقع الميداني مستحيل في القدس والجولان.
– من بيروت يخاطب بومبيو الإسرائيليين، مؤكداً وفاء أميركا بالتزاماتها لهم ومعهم. وهو كرئيسه يخاطب الناخب المؤيّد لـ«إسرائيل» داخل أميركا أكثر من سواه. ليقول إنه أفضل رئيس أو مرشح رئاسي في تاريخ أميركا يقف إلى جانب «إسرائيل». ولسان الحال الأميركي. «لا خيلَ عندك تهديها ولا مالُ فليُسعف النطق إن لم يُسعف الحال».