الفاتيكان والكنيسة المارونية يتلاقيان مع حزب الله!
د. وفيق ابراهيم
هذا عنوان غريب لكنه لا ينتسب الى الصحافة الصفراء الهادفة الى استدراج القراء بكلّ ما هو مثير ووهمي.
وجه الغرابة هنا، هو التقاء تحالفي غير مباشر يجمع بين حزب الله الذي يعتبره الغرب والخليج و»إسرائيل» إرهاباً موصوفاً، وبين الفاتيكان والكنيسة المارونية المعروفين بتجذرّهما في الولاء الغربي، فلماذا يتلاقيان مع حزب الله على الرغم من تناقض انتماءاتهما العالمية؟
لا شك أنهما يريدان الدفاع عن لبنان إنما من مواقع مختلفة، فرأس الكنيسة الكاثوليكية في العالم ضاق ذرعاً بصمت طويل على اجتياح السياسات الأميركية «الإسرائيلية» للقيم والأخلاق. كما وجد نفسه مضطراً للدفاع عن بلد هو الوحيد في العالم الإسلامي الذي يحق للمسيحيين فيه ممارسة أدوار سياسية.
وهو بالطبع لبنان الذي يحتضن 3 ملايين نازح سوري وفلسطيني.
يبدو أنّ الخيارين متلازمان لأن السياسات الغربية في لبنان المتحالفة مع «إسرائيل» تدفع نحو تفجير الكيان السياسي اللبناني وتشتت أهله في أصقاع الأرض، فإذا كانت المذاهب السنية والشيعية تستطيع تدبّر أمورها في امتداداتها المتشابهة في المناطق المجاورة فليس للمسيحيين اللبنانيين مدى مشابه يستوعبهم في العالم العربي.
هناك إذاً استشعار فاتيكاني بأنّ منع النازحين السوريين من العودة الى بلدهم في المناطق القادرة على استيعابهم يشكل مشروعاً لتوطين قسمٍ منهم في لبنان إلى جانب أعداد مماثلة من الفلسطينيين.
في المقابل تعرض بلدان الغرب تسهيلات لرحيل المسيحيين اللبنانيين الى الأميركيتين وأوروبا وأوستراليا وكندا مع توفير الحدّ الأقصى الجاذب لهذا الانتقال.
فتصبح اللعبة كالآتي: استعمال نحو مليوني سوري في ايّ انتخابات سورية، أو لتشكيل ضغوط إرهابية على نظامها من خلال الأراضي اللبنانية الى جانب توطين نصف مليون من الفلسطينيين ومثلهم من السوريين.
فيتحوّل لبنان بهذه المشاريع الى «خطأ تاريخي فعلي» كما وصفه وزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسنجر ويستطيع حلّ قسم من قضية المهجرين الفلسطينيين المقيمين على أراضيه وجزء من أزمة النازحين السوريين على حساب كيانه السياسي والاجتماعي.
أما النتيجة فهي تلبية متطلبات صفقة القرن الأميركية على حساب الجولان السوري المحتلّ ولبنان وأجزاء من الضفة وغزة.
هذا ما دفع الفاتيكان إلى إشعار الكنيسة المارونية بهواجسه و»معلوماته».
ولخطورة الموقف أعلم البطريرك الماروني سائر القوى المسيحية بهواجس الفاتيكان فانقسمت هذه القوى بين رئاسة الجمهورية والتيار الوطني الحر والمردة وكثير من الشخصيات المستقلة والأرمن، هؤلاء يصرّون على إعادة النازحين السوريين وفق المبادرة الروسية، مقابل أحزاب القوات والكتائب والأحرار وسياسيّي 14 آذار العاملين على منع عودتهم في إطار تحالف مع الأميركيين وحزبي المستقبل والاشتراكي لاستعمالهم في الضغط على الدولة السورية أو إنتاج إرهابيين بأسعار رخيصة عند المقتضى.
من الطبيعي ان تنعكس هذه الانقسامات على المستوى الإقليمي، فالدولة السورية تبذل كامل إمكاناتها لتأمين ظروف مؤاتية لعودة النازحين الى بلادهم، وهذا يدفع باتجاه علاقات تنسيق دقيقة بين لبنان وسورية وذلك لتوفير آليات تعيدهم الى سورية بما يضمن الانتقال الآمن والإقامة السليمة.
وبما أنّ حزب الله يقاتل منذ 37 عاماً من أجل لبنان فكان طبيعياً ان يتلاقى مع مواقف الفاتيكان والكنيسة في هذا الهدف.
فلو نجحت «إسرائيل» بطرد مليون لبناني من الجنوب لشكل هؤلاء ضغطاً ثقيل الوطئ على البلاد بأسرها مروراً بالعاصمة وجبل لبنان والشمال.
لذلك فإنّ هذه المقاومة هي التي أسهمت في تحرير الجنوب وتدعيم الكيان السياسي اللبناني بمنع «إسرائيل» من تحقيق مطامعها في الأرض والمياه، تذكروا فقط ما قاله بن غوريون رئيس وزراء «إسرائيل» السابق في رسالة إلى الرئيس الفرنسي السابق شارل ديغول يناشده قائلاً: «أرجوك وفي اللحظة الأخيرة أن تضمّ نهر الليطاني إلى إسرائيل».
قد يكون هذا الموقف قديماً والأحدث منه هو قتال حزب الله في سورية وجرود عرسال مع تدابيره الأمنية في الداخل الذي أسقط مشروعاً إرهابياً كان لبنان يشكل الجناح البحري لخلافته المزعومة، ولو تحقق له ذلك لما بقي أحد في لبنان باستثناء البيئات الفعلية الداعمة له.
انّ هذا الالتقاء بين القوى الرافضة للإرهاب أنتج تآلفاً في موضوع ضرورة عودة النازحين الى بلدهم لسببين: استقرارهم واستقرار الدولة السورية ومنع تفتيت لبنان.
لذلك كان الفاتيكان متيقظاً لخطورة موضوع النازحين بما أدّى الى استنفار طبيعي عند الرئيس ميشال عون ووزير الخارجية جبران باسيل اللذين عبّرا في لقاءيهما المنفصلين مع وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو عن رفضهما للمشاريع الأميركية بالتوطين، واعتبرا أنّ حزب الله يدافع عن لبنان ويشكل جزءاً أساسياً من الدولة والمجتمع، فعاد بومبيو الى بلاده صامتاً منتكساً.
انّ هذه المواقف عكست روحيتين: التحالف بين حزب الله والتيار الوطني الحر إنما بعيار أقوى من السابق يستمدّ منسوبه الهجومي من سياسة الفاتيكان الرافضة لتخريب لبنان بسياسات أميركية هوجاء.
اما أسباب هذا التقارب السياسي المعنوي بين الفاتيكان وحزب الله فعائدةٌ الى أنّ الطرفين يعملان من أجل الله والإنسان في إطار التزام بقيم ومبادئ طردتها الامبراطورية الأميركية من مراكز نفوذها منذ 1945.