في إهداء «إلى روح المفكّر القومي الرائد في المشرق العربي أنطون سعاده» سايد النكت يُنجز بحثه العلمي بعنوان «بيئة الإرهاب في مجتمع متعدّد – أستراليا نموذجاً»
اعتدال صادق شومان
لم تثنه غربة جاوزت الستة والثلاثين عاماً على انقطاعه الدراسي بداعي الهجرة الى القارة البعيدة أستراليا، ليعود الأمين سايد النكت الأستاذ السابق الى مقاعد الدراسة والانتساب مجدداً إلى الجامعة لينال بعد جهد ومثابرة لثلاث سنوات خلت و260 صفحة الماجستير في دبلوم الدراسات المعمّقة في علم الاجتماع السياسي في الجامعة اللبنانية التي اختار لها عنوان «بيئة الإرهاب في مجتمع متعدّد – استراليا نموذجاً» التي نال عليها درجة جيد جداً، وتنويه الأساتذة الدكاترة: علي فياض، لور أبي خليل، عاطف الموسوي، ومارلين حيدر المشرفين على رسالته ، الى جانب حضور لفيف من الأصدقاء والأهل الذين آزروا الطالب سايد العائد بعد غربة طويلة متقطّعة الى أرض الوطن. ونحن بدورنا في جريدة «البناء» نهنئ الأمين سايد النكت على اجتهاده ومثابرته في التحصيل الأكاديمي المثمر ثقافة وسياسة.
«في إهداء إلى روح المفكّر القومي الرائد في المشرق العربي أنطون سعاده» قدّم النكت بحثه المؤطر الذي تناول فيه تعريف الإرهاب «هذا المكوّن السرطاني» الكيان غير المنظور القائم بحدّ ذاته ويباري كيانات دول وأمم متعددة، ولكونه ظاهرة في العلوم الإنسانية، في جذوره ومساره، وفي مكونه السياسي ـ الأيديولجي، والعقائد التي شكّلت الأرضية الفكرية لنهوضه، معتبراً أن الإرهاب «ليس ظاهرة بيولوجية»، وليس في طبيعة مكوّنات النفس البشرية إلا أنه أعلى مظاهر العنف وأفتكها.
كما دلّل بحث النكــت في المصالح العالميّة والسياسة المتبعة في تحقيق مطامع الدول وأغراضها وأهدافــها الكبرى لا سيما أميركا حديثاً وقبــلها بريطانــيا، معتبراً أن أفظع إرهاب الدول هو تلــك القرارات التي مهّدت لاغتصاب فلسطين وطرد أهلها وقيام دولة «إسرائيل» مع كل ما خلّفته هذه القرارات من مآسٍ على فلســطين ودول الهــلال الخصيب. والمفارقة أن التاريخ يعيد نفسه اليــوم لتشــابه الصورة التي جمعت اللورد لويد جورج وزير الخارجــية البريــطاني مع أقطاب الحركة الصهيونية يتبادلون الأنخاب في المأدبة التكريمــية التي أعــدّوها على «كرمــه» لإعطائــهم فلسطين وطــناً قومياً لليهود، تمامــاً كمــا الأمس تتجدّد «صورة الارهاب» اليوم مع ترامــب يهدي «الجــولان» الى «إسرائيل» في احتــفالية مشــابهة لتــلك بعــد مضــي قــرن من الزمن.
وفي تدليل النكت لهذه المقاربة التاريخية التي ابتلت بها أمتنا، استدلّ بما استشرفه أنطون سعاده بالبعد الزمني نفسه من خلال رساله وجهها إلى وزير الخارجية البريطــاني آنذاك اللورد لويد جورج في العام 1931 يحذّر فيها من أنّ «أموراً عظــيمة ستــترتّب على هذه المحاولة الأثيــمة التي لــم يعــرف التاريخ محــاولة أخرى تضاهيــها في الإثم» وبـ»أن نتائجــها لــن تقتــصر على فلســطين بــل ستتــناول العالم أجمع»، وختمــها بـ«مــن يعش يــرَ» وفعــلاً لقد رأى مــن عاش وللتاريخ شواهده.
أما عن اختيار عنوان بحثه «بيئة الأرهاب في مجتمع متعدّد ـ استراليا نموذجاً» يعود ذلك أنه مقيم في استراليا ردحاً من الزمن مما خوّله الغوص في دراسة تفاصيل هذا المجتمع المتعدد الثقافات والأتنيات والأديان، مفنداً له بتكوينه التعددي، ونظمه السياسية، بشكلها وتحولاتها، ومدللاً ظاهرة الإرهاب وتناميه بإسهاب منذ نهوض اســتراليا الجهــادية الحــديثة، طارحاً الأسئلة الإشــكالية، ليخلص في النتيجة إلى أن الإرهاب يأتي بفــعل بيئــة اجتماعية وســياســية ودينــية مخــتلفة، الى جانب عوامل اجتماعية واقتصادية وسياسية وعقائدية تساهم في إنتاج ظاهرة الإرهاب أو تدفــع إليه.. ومن حيث هو كذلك، فإن سبل مكافحته لا تقف عند حدود المواجهة العسكرية المباشرة فقط.. بل في إزالة موجبات وجوده الخبيث.