إلى أين ستقود القرارات الأميركية الأخيرة؟
محمد شريف الجيوسي
إلى أين ستقود مواقف الولايات المتحدة الأميركية الصلفة والعنجهية المتغطرسة والعدوانية وغير العقلانية بحسابات العلم والمنطق والاستراتيجيا والمصالح.
ابتداء أنوّه بأنّ ما أعلنه الرئيس الأميركي ترامب لا يمثل رأياً شخصياً فالولايات المتحدة الأميركية كما أقول دائماً دولة مؤسّسات لا تتخذ القرارات فيها عنوة أو دون تصفية مروراً بمؤسسات الدولة العميقة التي أبرز مكوناتها المجمع الصناعي والذي أبرز ركائزه المجمع الصناعي العسكري.
ثمة انقسام الآن في الدولة العميقة الأميركية وفي «العميقة الإسرائيلية» جراء أزمات داخلية متعدّدة تنافسية استهلاكية متولدة عن تباينات جزئية في ما بينها لكنها واحدة غالباً في ما يتعلق بجوهر الموقف العدائي من قضايا المنطقة العربية وجوارها الإقليمي، وفي آليات العداء ونوعية سكاكين الذبح وسيناريوات التفتيت ونشر المزيد من الحروب والفتن والإرهاب ودعم الكيان الصهيوني بكلّ أشكال وأنواع ومستوجبات الدعم.
ولكن السؤال هل سيمرّ هذا القرار الخطير هكذا، والذي يأتي كواحد من أشدّ تعبيرات صفقة القرن التي يجري تنفيذها خطوة خطوة، رغم أنه لم يعلن رسمياً عن تفاصيلها كاملة، وإنما تعلن كـ تكهّنات وتسريبات بحيث لا تحاصَر ولا يجري التحشيد ضدّها رغم الوضع السيّئ للأمة على اختلافها فهي تمسّ في سوئها القاصي والداني، من معك ومن عليك من الأمة، ولا يقدر أحد على قبول تفاصيلها كاملة غالباً، ومن هنا رأينا أصواتاً مطبّعة ولعبت أدواراً قذرة وما زالت، اتخذت مواقف معلنة على الأقلّ ضدّها، رافضة للموقف الأميركي. على ما هو عليه من صلف وحماقة لا تُحتمل علناً بحال. لما تنطوي عليه من مخاطر وتداعيات وتمدّدات لن تترك أحداً بخير.
إنّ أهمية القرار الأميركي الصهيوني ينطلق من كونه ليس فقط يخرق الشرعية والقانون الدوليين، ويجعل العالم ولو افتراضياً بمواجهة الولايات المتحدة الأميركية والكيان الصهيوني، وإنما أيضاً باعتباره انزياحاً غير مسبوق يأتي بعد تطبيع دول عربية خليجية وغير خليجية مع إسرائيل في السنوات الأخيرة، وبعد سنوات الفوضى الخلاقة التي بشّرت بها كونداليزا رايس قبل أن تبدأ بسنوات.. ما يعني أنّ التطبيع والفوضى الخلاقة لم تعط ثمارها كما تريد أميركا تماماً، وأنّ آثارها الإيجابية من وجهة المصالح الأميركية لم تعمّر وليست مهيّأة للاستقرار في المنطقة رغم كلّ الدمار والآلام والشروخ التي أحدثتها، وقد ساعد على عدم هذا الاستقرار فشل المخطط في محطته السورية، وما استتبع من فشل في محطات أخرى بفعل محور المقاومة.
لم يقف الرفض عند حدود دول ومؤسسات المنطقة الإقليمية وإنما تعداها الى الدول والمؤسسات الأممية، ما أعطى مشروعية مطلقة لرفض القرار الأميركي الصهيوني، ومنح مشروعية مطلقة لأيّ عمل مقاوم مضاد للقرار.
دأبت الولايات المتحدة الأميركية على العنجهية منذ مشاركتها في الحرب العالمية الثانية وقطافها نتائج الحرب، وباتت كدولة رأسمالية كبرى منتصرة تتبعها دول أوروبا الغربية والوسطى الرأسمالية المنهزم منها والمنتصر لكن المدمّر في معظمه ـ باتت تتخذ سياسات عنجهية استعمارية توسعية ترتبط مصالحها بالحروب والقواعد العسكرية وبفرض الدولار كعملة عالمية، ولم تعد تتيح لها عنجهيتها التراجع عن قرارات تتنافى مع تلك العنجهية حتى لو اتخذت تلك القرارات، وأسوق هنا كمثال قرار الرئيس الأميركي أوباما إغلاق سجن غوانتانامو كأول قرار يتخذه لكن السجن ما زال قائماً حتى الآن.
لكن يحدث أن تتراجع الولايات المتحدة بعد إلحاق هزيمة بها كما حدث في حربها العدوانية بفيتنام أو على العراق، لكنها سرعان ما تحاول العودة كما في العراق الآن أو خلق فتنة أو حرب بالوكالة.
إنّ مصالح الطبقة الحاكمة في الولايات المتحدة مبنية على استمرار الحروب والفتن وإنشاء القواعد العسكرية وتصدير السلا ح وفرض الدولار كعملة عالمية دون رصيد، ونهب ثروات البلدان الضعيفة والسيطرة على الأسواق والوصاية حتى على البلدان الغربية والرأسمالية الصديقة أو التابعة لها.
ومن هنا فلا ينتظر بحال أن تتراجع الولايات المتحدة عن قرارات أعلنت بلسان ترامب، هكذا كرم أخلاق أو بادرة حسن نية، أو إعادة تقدير للأمور أو ما أشبه، دون إلحاق هزيمة منكرة بها في الموضوع المعني على الأقلّ.
أقول إنه رغم الإجماع أو شبهه الإقليمي والعالمي الرافض للقرار الأميركي الصهيوني في ما يتعلق بضمّ الجولان العربي السوري للكيان الصهيوني ومن قبل اعتبار القدس عاصمة للكيان الصهيوني، فإنّ واشنطن وتل أبيب لن تتراجعا عنه، ما سيمنح محور المقاومة تعاطفاً دولياً ومشروعية مناسبة لاسترداد الجولان السوري وما هو أكثر منه، يساعد على ذلك ما لم يكن هناك فعلاً رادعاً سريعاً تشجيعهما أي واشنطن وتل أبيب على التمادي أكثر فالخطوة التالية، أميركياً وصهيونياً، ضمّ الضفة الفلسطينية المحتلة من قبل «إسرائيل» سنة 1967 كجغرافيا دون سكان، وتوسيع رقعة احتلال المزيد من المنطقة جغرافيا ونفوذاً.
بكلمات إنّ القرارات الأميركية الأخيرة ستنتج إضافة للمشروعية الإقليمية والعالمية لمقاومة القرار الأميركي الصهيوني، اعتقاداً مخادعاً مورّطاً لدى الكيان الصهيوني بمشروعية مقابِلة، يعتقد معها الصهاينة بغضّ النظر عمّن يأتي في الإنتخابات المقبلة وربما قبلها بأنّ من حقه التحرك العسكري كيف يشاء في سورية بخاصة وفي المنطقة بعامة بذريعة التهديد الإيراني أو حماية مصالحها أو خلق أيّ مبرّر آخر في المنطقة، بما في ذلك فرض فبركات إقليمية جديدة.
من هنا فالمنطقة لا تتجه للتهدئة والاستقرار، وإنما للتصعيد وتوسيع رقعة الحرب وإطالة أمدها وتعداد أطرافها واختلاط أوراقها.. وستكون فرصة متاحة ولأول مرة لمحور المقاومة مدعومة بتعاطف دولي واسع وتحالفات غير مسبوقة ـ وسيكون في وسع محور المقاومة بصيغته الإقليمية والدولية الأوسع في حالة المضطر لدخولها، بل سيكون من الجنون تفويتها، طالما أنّ الجنون الأميركي الصهيوني خلق كلّ مقدّماتها ويريدها بإصرار، وستكون هذه الحرب الشاملة الواسعة الأولى في المنطقة منذ قيام الكيان الصهيوني، وستمهّد الى انتهاء الكيان الصهيوني، وتغيير معادلات المنطقة بالكامل.
m.sh.jayousi hotmail.co.uk .