هل من خيار غير المقاومة؟
د. عصام نعمان
سيطرت «إسرائيل»، وما زالت، على القدس الشريف والجولان السوري منذ حرب 1967. ماذا تغيّرَ في هذا الواقع بعد اعتراف ترامب بسيادة «إسرائيل» عليهما؟ خمسة متغيّرات:
أولها، اعتبار رئيس كبرى دول العالم ادّعاءَ «الدفاع عن النفس» مسوِّغاً كافياً لفرض دولةٍ سيادتها على أرضٍ محتلة تعود لدولة أخرى. فعلةُ ترامب هذه محاولة غير مسبوقة لفرض «الدفاع عن النفس» عنوةً كمكوّن لمفهوم السيادة في القانون الدولي.
ثانيها، اعتبار ترامب أنّ التقادم، بمعنى مرور الزمن، مسوَّغاً لفرض دولةٍ سيادتَها على أرضٍ تحتلها يُشكّل مخالفةً مدوّية للقانون الدولي، يمكن بعدها ان تتذرّع «إسرائيل» بسيطرتها منذ 1967 على الضفة الغربية لتسويغ سيادتها عليها. مع العلم أنّ «إسرائيل» تعتبر أنّ اعترافَ ترامب بسيادتها على الجولان السوري يتضمّن شموله منطقة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا اللبنانية لمجرد أنّ الجيش السوري كان موجوداً فيها عشيةَ حرب 1967 ما يجعلها، في نظرها، جزءاً من الجولان المحتلّ!
ثالثها، أنهى اعتراف أميركا بسيادة «إسرائيل» على القدس الشريف، ودعمها للإستيطان الصهيوني لمناطق الضفة الغربية دورَها «كوسيط نزيه» بين الفلسطينيين و«إسرائيل»، بل أنهى الحاجة إلى المفاوضات إذ لا يبقى هناك من شيء للتفاوض بشأنه!
رابعها، تعزيزُ اتجاه بعض دول الخليج الى تطبيع علاقاتها مع «إسرائيل» تمهيداً للاعتراف بها بدعوى أنّ إيران أصبحت «الخطر الأول» على الأمة. في هذا السياق، دعا وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش إلى تحوّل استراتيجي بين الدول العربية و«إسرائيل» بغية إحراز تقدّم نحو السلام مع الفلسطينيين وذلك من خلال اتفاقات ثنائية وزيارات يقوم بها ساسة ووفود رياضية، مدّعياً أنه «إذا استمرّ بنا الحال على النهج الحالي فإنّ الحوار خلال 15 عاماً سيكون عن المساواة في الحقوق في دولة واحدة» بدلاً من قيام دولة فلسطينية الى جانب «إسرائيل».
خامسها، اندلاع ردود فعل شعبية واسعة ضدّ سياسة ترامب الفاجرة في عدائها لحق الفلسطينيين في القدس ولحق السوريين في الجولان، وتعاظم التأييد الشعبي لنهج المقاومة وسط تخاذل الأنظمة العربية وعجزها المزمن عن مواجهة الهجوم الصهيوأميركي المتصاعد على الأرض والموارد والحقوق في طول القارة العربية وعرضها.
صحيح أنّ ظاهر الحال يؤشر الى غلبة سياسية للولايات المتحدة و«إسرائيل» في صراعهما المحتدم مع العرب، لكن نظرةً متأنية الى المشهد الإقليمي تشي بحقائق مغايرة. فالولايات المتحدة التي أسهمت بسخاء في دعم تنظيمات الإرهاب الإسلاموي وسهّلت نقل مقاتليها إلى سورية والعراق ولبنان، مُنيت بهزيمة نكراء بعدما تمكّن الجيشان السوري والعراقي كما اللبناني المدعومين بفصائل مقاومة شعبية، أبرزها حزب الله، من دحر هذه التنظيمات في شرق لبنان وجميع المحافظات السورية باستثناء إدلب، وجميع المحافظات العراقية باستثناء جيوب محدودة في محافظتي ديالي والأنبار ما دفع ترامب إلى استئخار سحب قواته لزجّها مجدّداً في عمليات عسكرية وأمنية بغية إعادة تأجيج الحرب الذاوية في الأقطار الثلاثة بالتعاون مع استخبارات دول أوروبية.
صحيح أنّ «إسرائيل» نجحت في ضرب حصار شديد الوطأة على قطاع غزة، لكنها أخفقت في كسر فصائل المقاومة أو احتوائها. بالعكس، ها قد نجحت المقاومة في تنظيم مسيرة مليونية على طول السياج الفاصل بين القطاع والمستعمرات الصهيونية في محيطه كما في سائر مناطق الضفة الغربية، مقدّمةً الدليل الساطع على قدرتها التعبوية الفاعلة وعلى تجاوب الشعب الفلسطيني مع نهجها المقاوم. أكثر من ذلك، نجحت فصائل المقاومة في الضغط على حكومة نتنياهو القلقة على أمن الانتخابات المقرّرة في 9 الشهر الحالي وحمْلها على تقديم جملة تنازلات ولا سيما لجهة: وقف الاعتداء على الأسرى الفلسطينيين في السجون وقف الإعتداءات في الضفة الغربية تسهيل قيام قطر بدفع مبلغ 30 مليون دولار شهرياً موزعة على العائلات الفقيرة فتح المعابر تأمين السولار لتشغيل محطة توليد الكهرباء في غزة حتى نهاية العام 2019 تزويد القطاع بـ 120 ميغاواط من خط كهرباء 161 «الإسرائيلي» إقامة منطقتين صناعيتين شرقي مدينة غــزة وغرب معبر بيت حانون إقامة مشفى لعلاج السرطان على نفقـة بعض المؤسسات الدولية إدخال ما بين 1100 و 1200 شاحنة بضائع يومياً إلى غزة.
كلّ هذه التنازلات قدّمتها «إسرائيل» دونما أيّ اشتراط أو مساس بسلاح فصائل المقاومة أو بحرية حركتها وذلك لحاجتها الماسّة إلى تهدئة ثابتة لمناسبة إجراء الانتخابات.
ماذا يمكن استخلاصه من مجمل المتغيّرات الأميركية والتنازلات «الإسرائيلية» ونهج فصائل المقاومة في التعامل مع العدوان الصهيوأميركي؟ ثمة حقائق ثلاث:
أولاها، أنّ النظام الإقليمي العربي المترهّل، بمعظم أنظمته المتخاذلة، وقمم رؤسائه السنوية وجامعته العربية المشلولة، بات عاجزاً في المطلق عن مواجهة التحديات والمخاطر والحروب التي عصفت بلبنان وسورية والعراق وليبيا والسودان واليمن، وتوسع الإستيطان الصهيوني، وشنّ الحروب الإرهابية على معظم البلاد العربية بقيادة الولايات المتحدة ومن ورائها «إسرائيل». لا يمكن بل لا يجوز، والحال هذه، الركون الى الأنظمة والحكومات والمؤسسات العاملة في إطار هذا النظام المترهّل والآيل إلى السقوط او الرهان عليها.
ثانيتها، إنّ نهج المجاملة والمساومة والمفاوضة والمراوغة الذي اعتمدته الأنظمة العربية المتعاونة مع الولايات المتحدة أو المستتبعة لها أخفق بامتياز ما يجعل نهج المقاومة هو الخيار الوحيد الباقي والمتاح أمام القوى الوطنية والنهضوية الحيّة في الأمة، وانّ فصائل المقاومة العربية الملتزمة هي المؤهّلة والقادرة على قيادة نضال موصول من أجل التحرير والعودة في فلسطين، والحرية والوحدة الوطنية والديمقراطية وحكم القانون والعدالة والتنمية في سائر الأقطار العربية. لقد أثبتت فصائل المقاومة الناشطة في فلسطين ولبنان وسورية والعراق واليمن انها تُحسن التصدي لقوى العدوان ومواجهتها بصلابة بدليل نجاح حزب الله في دحر العدوان الصهيوني على لبنان في العام 2006، وفي دحر التنظيمات الإرهابية في سورية بالتعاون مع جيشها منذ العام 2013، ونجاح الحشد الشعبي في العراق بدحر «داعش» وحلفائه منذ العام 2016، ونجاح «أنصار الله» في اليمن في دحر العدوان الذي تشنّه أميركا والغرب الأطلسي بالتعاون مع حكومات وشركاء إقليميين. أخيراً وليس آخراً، نجاح فصائل المقاومة في قطاع غزة، باعتراف قادة العدو، بكسر منظومة الردع الصهيونية واضطرار حكومة نتنياهو تالياً الى تقديم تنازلاتٍ لافتة لها.
ثالثتها، انّ التحوّلات الكبرى في تاريخ الأمم لا تكتمل في سنة أو سنتين، أو في جيل أو جيلين ما يستوجب تحلّي قوى المقاومة، قادةً ومقاتلين ومناضلين، بنَفَس طويل وبتخطيط استراتيجي متطوّر، وبقدرة على اختيار الحلفاء وتحديد الأعداء، وبحنكة للاستفادة من الظروف والفرص المؤاتية لتوقيت التحركات والأنشطة المطلوبة. في هذه المرحلة تحديداً يُستحسن أن تتحالف قوى المقاومة العربية مع إيران كون الطرفين يتشاطران الكفاح ضدّ عدوّين مشتركين هما الولايات المتحدة و«إسرائيل». هذه الشراكة الإستراتيجية تمكّن قوى المقاومة من الإستفادة من منجزات إيران في صناعة الصواريخ وتكنولوجيا المعلومات والتواصل السيبراني.
هل من خيارٍ غير المقاومة؟
وزير سابق