قرم: أزمة الاقتصاد اللبناني أنه يتحمّل عبء تأمين الأرباح لقطاع مصرفي يبلغ حجمه 3 أضعاف الناتج الوطني! الداعوق: أولى خطوات الإصلاح تبدأ بإصدار المراسيم التطبيقية لقانون «وسيط الجمهورية»
استضاف منبر الوحدة الوطنية في منزل أمينه العام خالد الداعوق الوزير السابق جورج قرم في لقاء حواري دار خلاله النقاش حول الشؤون الاقتصادية والاجتماعية في لبنان في ضوء التجربة الغنية والخبرة الكبيرة للوزير قرم في هذا المجال.
حضر اللقاء، إلى جانب قرم والداعوق، الوزير السابق نقولا تويني، النائب السابق زهير العبيدي، قاضي الشرع الشيخ يحيى الرافعي، الدكتور محمد النّفي، أعضاء منبر الوحدة الوطنية وعدد من الشخصيات السياسية والاجتماعية والإعلامية.
ترحيب وتعريف
استهلّ الداعوق اللقاء بكلمة ترحيبية، ثم تحدّث باسم منبر الوحدة الوطنية أمين السرّ القاضي وليد حموية الذي أكد أنّ الوزير قرم قامة وطنية كبيرة، مذكراً ببعض إنجازاته الهامة خلال توليه مهام وزارة المالية في حكومة الرئيس سليم الحص بين 1998 و 2000، وأهمّها البدء بتطبيق قانون الضريبة على القيمة المضافة tva، وتجهيز كلّ المستلزمات والقوانين المطلوبة بصورة علمية مدروسة كما تسير الأمور في الدول المتحضّرة.
الوزير قرم
أما الوزير قرم فاستهلّ حديثه قائلاً إنّ الكلام عن الواقع الاقتصادي الذي نعيشه في لبنان أصبح صعباً للغاية، حيث لكلّ كلمة وزنها ووقعها. لا أريد أن أكون متشائماً ولا متفائلاً، بل أفضّل سلوك طريق وسطي حيث لا بدّ من قول كلمة الحقّ، ولكن بالفعل يصعب اليوم الحديث عن رؤية واضحة للمستقبل، حتى المستقبل القريب، لأنّ هناك وقائع عديدة يمكن الحديث عنها والإضاءة عليها لاستكشاف المسار الذي نمشي عليه…
الملاحظة الأولى هي أنّ لبنان في كلّ تاريخه لم يعش فترة انكماش اقتصادي بالشكل الذي نعيشه اليوم، نعم مرّت فترة انكماشية أواسط الستينات بعد أزمة بنك أنترا وانهياره، وحصلت خضّة في البلد، وسُجّل بعض التراجع في النشاط الاقتصادي، لكن لم يطل الأمر حتى عاد لبنان والتقط أنفاسه، أما ما نراه اليوم فلم نر مثله وبهذه الحدة من قبل.
لعلّ الأمر الأكثر غرابة هو أنّ لدينا اليوم حالة انكماشية قوية للغاية، ورغم ذلك نرى السلطات النقدية ترفع الفوائد، بينما المتعارف عليه في مثل هذه الحالات هو أن يقوم البنك المركزي بخفض الفوائد. طبعاً هم يرفعون الفوائد من أجل الحفاظ على الودائع المصرفية، خاصة الكبيرة منها، والإبقاء على الدولارات في القطاع المصرفي، وعدم التسبّب بخروج هذه الودائع من البلد إذا تمّ خفض الفوائد.
وهنا لا بدّ من الحديث عن وطأة الجهاز المصرفي على الاقتصاد اللبناني، خلافاً للصورة المعطاة! فالاقتصاد اللبناني يتحمّل نظاماً مصرفياً يبلغ حجمه ثلاثة أضعاف حجم الناتج الوطني. هناك من يعبّر عن سروره من هذا الأمر خاصة أنّ جهازنا المصرفي له قدرة دعائية كبيرة، أقنعت كثيرين بأنّ ذلك هو مصدر قوّة للبنان، فيما أرى كخبير مالي ومصرفي عكس ذلك تماماً، والحقيقة مخالفة كلياً لهذا الرأي السطحي، حيث يتحمّل الاقتصاد اللبناني عبء تأمين الأرباح لقطاع مصرفي يبلغ حجمه ثلاثة أضعاف الناتج الوطني. وهو عبء كبير جداً.
وقد رأينا في مراحل سابقة كيف أنّ الفوائد وصلت إلى أرقام خيالية، 35 و 40 في المئة على سندات الخزينة، مما تسبّب بتراكم الدين العام. ولذلك كان همّي الأول حين تسلمت وزارة المال هو خفض الفوائد، وكنت أجتمع أسبوعياً بجمعية المصارف وأحذّرهم من مخاطر ارتفاع الفوائد، لأنّ ذلك سيتسبّب بغرقنا جميعاً… وقد تمكّنتُ حينها بدعم من الرئيسين إميل لحود وسليم الحص من خفض الفوائد إلى 14 في المئة، حتى أنني صرتُ عرضة للضغوط كي لا أستمرّ بسياسة خفض الفوائد لأنّ هناك مصارف ستعلن إفلاسها كما كان يُقال…!
كذلك وجدت عندما تسلّمت وزارة المال أنّ هناك متأخرات كبيرة ومتراكمة في مدفوعات الدولة… للمستشفيات، للاستملاكات، للمقاولين، للضمان الاجتماعي… كانت المتأخرات تبلغ حوالى مليار دولار، فذهبت إلى المجلس النيابي واستحصلت على قانون لكي أدفع بموجبه هذه المتأخرات بكلّ دقة وشفافية، وشكلت لجاناً مختصة للنظر في المطالبات إلى أن سدّدنا كلّ تلك المتأخرات.
مقابل ذلك شنّت علينا المعارضة بقيادة الرئيس الراحل رفيق الحريري حملات إعلامية كبيرة ومركّزة شاركت فيها غالبية وسائل الإعلام في حينه لأنها كانت تدور في فلك تيار المستقبل، وذلك بعد أن بدأنا نحقق إنجازات ملموسة على أكثر من صعيد اقتصادي وإصلاحي.
أما الحالة الانكماشية التي نعيشها اليوم فنراها في بعض الأرقام…
ـ تراجع السيارات المُباعة بنسبة 18 في المئة.
ـ تراجع العمليات والصفقات العقارية أيضاً بنسبة 18 في المئة، وهذا ما لم نعهده من قبل في كلّ تاريخ الاقتصاد اللبناني.
ـ الشيكات المرتجعة عددها مخيف وأرقامها أيضاً، وكذلك هناك تزايد لظاهرة الشيكات المؤجّلة.
يبقى أنّ هناك عنصراً إيجابياً هو القطاع السياحي الذي عاد ليحقق بعض النمو، بعدما كانت معدلاته تتراجع في السنوات الماضية بسبب الأزمة السورية ومقاطعة الأغنياء العرب، حيث تراجعت الحركة السياحية العربية باتجاه لبنان، فيما حققت السياحة الداخلية نمواً ملحوظاً في كلّ المناطق، حيث نمت ظاهرة الفنادق الصغيرة من ستّ أو سبع أو عشر غرف، الأمر الذي شجع إلى حدّ كبير السياحة الداخلية، وهذه ظاهرة مهمة جداً لاحظتها عن كثب في برمانا التي أقيم فيها صيفاً، حيث نجد فيها توسعاً كبيراً للقطاع السياحي من كلّ النواحي، وطبعاً هي عينة عما يحصل في معظم المناطق اللبنانية.
كذلك زادت نسبة إشغال الفنادق في العام الماضي، والمتوقع أن تزداد هذا العام أكثر فأكثر.
الأكيد أنّ التراجع الحادّ في الاقتصاد اللبناني بدأ مع الأزمة في سورية التي أثرت كثيراً على لبنان ومن جوانب عديدة، خصوصاً العبء الذي يمثله النازحون، وإقفال طريق التصدير للمنتجات اللبنانية إلى البلدان العربية عبر سورية والأردن، ما جعل كلفة التصدير عبر البحر أضعافاً مضاعفة وبالتالي أفقد المنتجات اللبنانية نسبة كبيرة من قدرتها على المنافسة.
وأكد الوزير قرم ضرورة الاهتمام بالقطاعات الإنتاجية وخصوصاً الصناعة، وذكّر بالفترة الذهبية للاقتصاد اللبناني بين خمسينات ومنتصف سبعينات القرن الماضي حين كانت العملة الوطنية قوية جداً وكان سعر صرفها يتحسّن كلّ سنة حتى باتت من أقوى العملات في العالم، إلى درجة أنّ شركات كبيرة كانت تأتي إلى لبنان لتصدر سندات لصالحها بالليرة اللبنانية وتسوّقها لدى المستثمرين الدوليين.
وإذ أمل الوزير قرم أن تنجح عملية مكافحة الفساد، وأيده الوزير تويني بشدّة، طالب الداعوق بأن يُصار إلى إصدار المراسيم التطبيقية لقانون وسيط الجمهورية الصادر عام 2004 في عهد الرئيس لحود، لأنّ هذا القانون يمثل الخطوة الأولى على طريق الإصلاح، كونه يمكّن المواطنين من الحصول على حقوقهم كاملة وعلى أفضل الخدمات من الإدارات والمؤسسات العامة.
بعد ذلك كانت مداخلات لبعض الحاضرين وطرح بعضهم الآخر أسئلة أجاب عليها الوزير قرم بالتفصيل.
وختاماً دعا الداعوق الجميع إلى البوفيه المُعدّة للمناسبة.