لمن يعود الحكم؟ للعقل أم للقلب!!
«لولا اللحظة الأخيرة لما أنجز البشر أيّ عمل ! هذا ما قاله الأديب أحمد خالد توفيق ولكنه لم يضف إلى كلامه من كان المسؤول عن هذه اللحظة الأخيرة في الحكم واتخاذ القرار العقل أم القلب !
عندما تختبرنا الحياة وتضعنا أمام لحظة اتخاذ القرار تُرى من سيكون أكثر إنصافاً في اتخاذ القرار العقل أم القلب، فهذه الثنائية وحدها مسؤولة عن قراراتنا برمّتها.
بين دين العقل وعقيدة القلب، يجد الإنسان نفسه في موقف صعب، إنه موقف تعجيزي يسقط عند بابه ستار الحكمة، فلا يعرف هو الإنسان من ثمّة: إلى من هو يضمّ صوته؟ ولمن منهما يكون ولاؤه؟
ما يحكيه القلب بلغة الحبّ، ويوقّع عليه اللسان بريشة الحنان، ليس هو ما يحكم به العقل، فمطرقة العقل تقول كلمتها بانفعال وتفرض حُكمها بما يمليه عليك من خوف وإجلال، ولا تدري أنت المسكين لأيّ تميل!
غير أنّ ما لا يختلف عليه اثنان، هو أنك أنت المعذّب يا إنسان، وسرّ عذابك أنه لم يحدث أن صفّق قلبك وعقلك لشيء واحد، لم يحدث أن اتفقا على شيء وهما ليس من عادتهما أن نجدهما متفقين. خيوط قلبك الرقيق تنسج لك قميص العاطفة في أكثر اللحظات الصادقة عندما لا تشوبها مشاعر زائفة، فإذا بكل ذرّة فيك، أو خليّة تراها تخلص النيّة، لتفتح أبواب الحبّ وتُصغي إلى لحن الحياة وتطرب على أوتاره طيور الحنين المغرّدة فوق شجرة القلب.
أمّا مسطرة قانون العقل، فلا تترك لك مجالاً لمجاراة فراش العاطفة وأنت تتقلص تحت فراش العاصفة، إنها عاصفة الأوامر التي لا تجد أنت أمامها إلّا أن ترضخ وتنصاع حتى تسلم من متاهة الضّياع. وأنت بينهما عقلك وقلبك تجدك تتمدّد تمدّد بيضة في مقلاة، أو تنكمش انكماش حَصاة، أو تصرخ غريق فاته قطار الأنفاس، أو تستسلم استسلام حبّة بُنّ محمّصة لا يخطئها ذوق النُّخبة من الناس. ومع كلّ هذا لا تخف فمهما أنفقت من عمرك، فلا تقلق من تأخّر هدايا السماء فتشاء إرادة المولى أن تتدخل في جلّ قراراتك رغم قناعتك أنك يجب أن تختار القرار الثاني، ولكن رغماً عنك تجد نفسك منصاعاً للقرار الأول، ولن تدرك محاسن اختيار قرارك إلّا بعد زمن بعيد لحظتها ستشكر الباري أنك اخترت ما لم تكن مقتنعاً به وعندها تتذكر هدايا السماء ومجيئها في وقتها المناسب. وستبقى تتساءل كيف بدأت الطريق إلى نجاة الروح العالقة بيت عمود لا وحبل نعم بين العقل والقلب.
ما أحوجنا لما قاله مكسيم غوركي: لا يكفي أن تعرف، لا بد أن تفهم . ببطء ولكن بثبات تحوّلك آلاف التغيرات البسيطة إلى شخص ينصت للعقل والقلب معاً.
صباح برجس العلي