كلمات عتب لروسيا الحليفة والصديقة
ناصر قنديل
– لن تتأثر العلاقة التحالفية العميقة التي تجمع روسيا بسورية ودول وقوى محور المقاومة، بقيام موسكو بتسليم بقايا جثة جندي السلطان يعقوب، لحكومة كيان الاحتلال، خارج منظومة التنسيق، وموجبات التحالف، ومقتضيات احترام السيادة السورية. ومستلزمات الخصوصية التي يختزنها حدث بهذا الحجم ارتبط غالباً بمفاوضات تبادل ترتبط بها حرية الآلاف من الأسرى السوريين والفلسطينيين، لكن مقتضيات التحالف والحرص تقتضي المصارحة وتسجيل اللوم والعتب، وقوله علناً، طالما صار الأمر علناً، والرد من قلب العتب واللوم وربما الغضب، على كل الذين يحلو لهم تشويه صورة روسيا ورسم شبهات حول خلفياتها، أو ينخرطون منذ بدء الحرب على سورية بمحاولات النيل من صورتها كدولة سيّدة تتمسك بسيادتها.
– يعني الكثير أن تقول سورية إنها لم تكن على علم بقضية تسليم البقايا، بعد قول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن استعادة الرفات تمّت بالتعاون بين العسكريين الروس والسوريين. وهذه رسالة سيادية كبيرة في قلب علاقة التحالف والصداقة، عنوانها أن ما جرى أكبر من أن يسهُل تمريره تحت الطاولة والاكتفاء بالحديث عنه في الغرف المغلقة التي تتمّ فيها مناقشة الخلافات بين الحلفاء. فالصورة التي نقلت عبر الفضاء ووصلت للأسرى في سجون الاحتلال وأشعرتهم بالغصّة والمرارة، تقتضي من الدولة السورية التبرؤ منها، وتستدعي القول لروسيا كحليف وصديق إن خطأ جسيماً تم ارتكابه بتوهم أن العلاقة التحالفية تحتمل تمرير أمر كهذا لتحقيق مكاسب إعلامية لصورة روسيا كدولة حريصة «إنسانياً» على استعادة رفات الجنود الذين يقتلون في الحروب وتسليمهم إلى ذويهم، وتقديم هذه الهدية لرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو عشية الانتخابات، ضمن تنافس أميركي روسي على الاستثمار في فوز نتنياهو الانتخابي.
– بات معلوماً أن «إسرائيل» أدارت قضية البحث عن الرفات بالتعاون مع الجماعات الإرهابية التي سيطرت على مخيم اليرموك، وأن مخابرات كيان الاحتلال فتحت باب التفاوض مع موسكو لتأمين نقل هذا الرفات إلى موسكو من ضمن التفاوض على انسحاب الجماعات المسلحة من مخيم اليرموك. وهنا لا صحة للكلام عن قيام روسيا من وراء ظهر الدولة السورية بعمليات البحث عن الرفات والقيام بنقله. كما لا صحة للكلام عن حسابات روسية أبعد من المكاسب الآنية، وكل ما ينسجه بعض الخيال المريض عن مشاريع تسويات روسية أميركية تتم تحت الطاولة على حساب سورية، وتتصل بأمن «إسرائيل»، منافٍ لحقيقة أن ما يقوله الروس هو أنهم وضعوا أمام نتنياهو شرط التوقف عن الغارات على سورية كثمن لهذا التعاون، وما تقوله وقائع الشهور الماضية أن روسيا قامت بترميم شبكات الدفاع الجوي السورية وأنها زودت سورية بالحديث والجديد منها، وما يقوله المنطق إن روسيا في وضع السيد القوي وليس ثمة ما يستدعي أن تتصرف بضعف أمام «إسرائيل»، وإن الأمور الجارية في المنطقة تؤكد صحة منطق الرئيس بوتين مع رئيس حكومة الاحتلال حول اتفاق فك الاشتباك الموقع عام 1974، والكلام منشور علناً، يربط هذا الاتفاق بقرارات الأمم المتحدة بعودة الجولان إلى سورية، ووقف أي عمل عسكري ضد سورية، وثمّة الكثير الذي يعرفه الروس وسيحدث على هذا الصعيد بعد الإعلان الأميركي الاعتراف بضم «إسرائيل» للجولان. – كان المطلوب ببساطة أن تصارح موسكو حليفتها دمشق بما يجري منذ بداية القضية، وأن تطلب تفويضها بإدارة مفاوضات لتسليم الرفات، بما يضمن مطالب روسية معينة، هي حق روسيا، لكنه يضمن الإفراج عن آلاف الأسرى السوريين والفلسطينيين، وإبلاغ تل أبيب عندما طلبت وساطة موسكو لتسلم الرفات ونقله، بأن القبول مشروط بقبول تل أبيب بهذا التفاوض المتعدد الأطراف، وما كانت حكومة نتنياهو قادرة على الرفض.
– هي غلطة… وغلطة الشاطر بألف، لكنها ليست خيانة ولا مؤامرة. وبين الحلفاء تحدث تباينات ويقع البعض بالتسرّع، ويتورط البعض بحسابات فئوية تُغري بالتجاوز، لكن التصحيح يجب أن يتم من ضمن منظومة التحالف، وروسيا ستبقى صديقاً وحليفاً وشريك الانتصارات الكبرى التي تغيّر العالم، و»إسرائيل» ستبقى العدو الذي تنتظره مقاومة في الجولان والذي سيدفع الثمن في مفاوضات تبادل لاحقة لبقايا جنوده الآخرين، حرية لآلاف الأسرى والمعتقلين.