رفات الجندي الإسرائيلي بدل حرب؟
روزانا رمّال
تبدو القوات المسلحة الروسية العاملة في سورية على أهبة الاستعداد من اجل تنفيذ أجندة واضحة يرى الكرملين فيها مصلحة عليا بمعزل عن أي محاولة للإيحاء بشراكات تفرضها عليه طبيعة وجوده على الأرض السورية، أكان لجهة مشاركة الإيرانيين في بعض وجهات النظر او المعارك او لجهة المشاركة جنباً واحداً مع السوريين ذلك لان الساحة السورية فرضت روسيا فيها لاعباً أساسياً وفتحت حساباً منعزلاً عن باقي الملفات، خصوصاً بعد تضرّر قواتها الجوية والبرية من مواجهات عدة مع الأتراك والإسرائيليين. وعلى هذا الأساس صار يمكن الحديث على اعتبارات روسية صرفة، لكن ومع كل هذا الحساب لا يمكن اعتبار ما يتعلق بـ»إسرائيل» جزءاً لا ينسجم مع طبيعة المصلحة السورية او المحور بشكل عام، الا ان هذا لا يعني ان تعتبر سورية جزءاً ضمن عملية البيع والشراء. والحديث هنا عن نقل رفات جندي إسرائيلي يدعى زخاريا باومل قتل مع عدد من الجنود الإسرائيليين في معركة السلطان يعقوب بعد أسبوع من الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982.
نقل الرفات اليوم يشبه نقل الدبابة الإسرائيلية وبالطريقة نفسها بالأمس. والحديث عن هدية قدمها بوتين لنتنياهو بالحالتين. وبالمقارنة لم يؤدّ تسليم الدبابة تلك الى تنازل روسيا عن معركتها في دعم الدولة السورية الممثلة بالرئيس بشار الأسد ولا سجلت أي تراجع محوري في عملية التقدم السياسي او العسكري على مختلف الجبهات. وبالتالي صارت المسألة لا تتعدى المعنويات الإسرائيلية التي يحتاجها أي مرشح إسرائيلي غالباً ليتخلص من كابوس الخسارة، فكيف بالحال عندما يتعلق الأمر ببنيامين نتنياهو «آخر» صقور «إسرائيل».
آخر الصقور هذا لا يبدو حسب المشاريع الموعودة قادراً على تحقيقها بما يتعلق بصفقة القرن التي تجمّدت بقرار فلسطيني أولاً. الأمر الذي يجعل أي شريك عربي فيها مكشوف حكماً لتتوالى سلسلة الردود العربية الرافضة شكلاً، ولو كانت مؤيدة ضمناً.
من الطبيعي أن يشكل نقل رفات الجندي خضة في الشارع السوري والعربي بين من يتهم فيها سورية بالتغاضي عن القرار الروسي من جهة، ومن يعتبر روسيا أنها تصرّفت من تلقاء نفسها بدون استشارة سورية. وفي هذا ما يكفي من الفوقية والاستهتار بسورية وحساباتها. وفي الحالتين الامر مرفوض حكماً. لتبقى العودة الى موقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نقطة العبور الأبرز نحو المرحلة التي ترغب فيها روسيا تقديمها للمنطقة و»إسرائيل» تحديداً.
نقل الرفات بجهود روسية، كما قال بوتين، هو دعم روسي واضح لنتنياهو قبيل ساعات من الانتخابات الإسرائيلية الحساسة، لكنها تؤكد أيضاً أن روسيا صارت لاعباً بنتائج الانتخابات الإسرائيلية بعد ان صارت لاعباً بنتائج الانتخابات الأميركية وهي التهمة التي لم يتخلّص من ذيولها ترامب حتى الساعة. وبهذا الموقف يقدم بوتين مساعدة مباشرة محسوبة النتائج، لكنها لا تنسف شيئاً من حساب الربح والخسارة في معركة استراتيجية كبرى، لكنها بكل تأكيد تفرض روسيا «وسيطاً» موثوقاً لدى «إسرائيل» في المرحلة المقبلة لجهة التنقيب عن النفط في المنطقة ولجهة التوسط في حل سياسي شامل فيها. وكل هذا يحتاج الى وسيط تأتمن له «إسرائيل» ويمكنه في الوقت نفسه أن يكون جهة موثوقة عند السوريين والإيرانيين.
لم تدّعِ روسيا يوماً عداوة لـ»إسرائيل»، بل أن زيارات نتنياهو لها في الفترة الاخيرة هي الأكثر على الإطلاق من مرحلة ما قبل عام 2011 لمسؤول إسرائيلي. الامر الذي يؤكد اعتماد «إسرائيل» بشكل كبير على موسكو كمرجعية حل وربط في الأزمة السورية تحديداً لا يمكن تخطيها. ويمكن الجزم أنه لولا الأزمة السورية لما كبر موقع روسيا الدولي ولا تنامى.
لكن الدفاع عن نظام يسهل ويمرّر شريان حياة لمنظمات مسلحة تقاتل «إسرائيل» مثل حزب الله من قبل روسيا ليس أمراً مبرراً عند «إسرائيل». وبأي حال من الاحوال اعتراف روسيا بهذه القوى وإطلاق تسمية «المقاومة» عليها بحسب دبلوماسي روسي رفيع لـ»البناء» يتكفّل بنسف الثقة بين «إسرائيل» وروسيا، والمحطات كثيرة التي احبطت فيها روسيا مخططات إسرائيلية وأكبرها منع إسقاط الرئيس السوري بشار الاسد سياسياً في معركة كبرى خاضتها الدبلوماسية الروسية في مجلس الأمن، وعسكرياً بعد استقدام الجيش الروسي اي ان التموضع الروسي الى جانب السماح لاستمرار معادلة المقاومة، لا بل اعتبار عناصر حزب الله شركاء الدم بالقتال على الأرض السورية وهذا يبقى أكبر من أي شيء في هذه المعادلة ولا يمكن لتسليم رفات جندي توضع في خانة رفع معنويات نتنياهو المضطربة جراء انتخابات مقلقة أن تنسف الموقف الروسي. ولا يمكن ايضاً الذهاب بعيداً باعتباره موفقاً لا يتماشى إلا مع المصلحة السورية الصرفة. فلروسيا حساباتها في كل المشهد قبل كل شيء.
يخوض نتنياهو الانتخابات وفي يده إنجازان يحملهما للداخل الإسرائيلي من أجل اعتباره جواز مرور امام الخصوم على أساس انه قادر على ادارة المرحلة المقبلة ومتابعة الأحلام الكبرى وأهمها صفقة القرن أكثر من غيره لأنه يحظى برضى قوتين دوليتين بحجم الولايات المتحدة وروسيا الإنجاز الأول الإعلان الأميركي للجولان إسرائيلية والثاني تسلم رفات الجندي الإسرائيلي.
الأهم من كل ذلك هو الاحتمالات المفتوحة جميعها والتي بدأت في غزة عبر معركة عسكرية أو حرب كادت تتوسع يحتاجها نتنياهو للانتخابات أيضاً. الامر الذي يجعل من الرفات نقطة لجم وكبح لجماحه يقدمها له الروس تغطية لحرب عاجز عن شنها أكان بوجه الفلسطينيين أو السوريين او مع حزب الله قطعاً.