كيسنجر والحرب العالمية الثالثة… الهذيان الأخطر!
محمد ح. الحاج
تقرير إخباري متداول على صفحات التواصل الاجتماعي، وقد وردني عبر رسالة من أحد الرفقاء، أثار انتباهي بعد أن أهملته بادئ ذي بدء، فالتقرير يتحدث عن لقاء مع العجوز الماسوني الأميركي الألماني الأصل والمولِد هنري كيسنجر، والملقب بثعلب السياسة الأميركية، صانع الاتفاقيات ما بين مصر والكيان الصهيوني واتفاقية الفصل مع سورية، وهو الذي اعترف بأنّ أحداً في العالم لم يرهقه وفشل في الحصول منه على مبتغاه سوى الراحل الكبير الرئيس حافظ الأسد.
كيسنجر الذي تجاوز الخامسة والتسعين من العمر، وكان أو كاد أن يلفه النسيان، يعود للظهور بقوة مع حديث غاية في الخطورة لما يمتلكه من معلومات، وهو إنما يعبّر عن المؤسسة الماسونية العالمية باعتباره أحد أكبر رجالاتها وأخطرهم إلى جانب آخرين، هذا إنْ كان الحديث صحيحاً وليس مجرد بروباغندا أو تركيبة تطلقها جهة ما لغايات قد تكون مجهولة الأهداف لكنها ليست بريئة بالمطلق، وقد ورد أنّ الحديث كان مع الصحيفة الأميركية «دايلي سكيب» وعلى ذمة من أعدّ التقرير وترجمه وقام بتعميمه فإنّ ما ورد فيه غاية في الخطورة، فالداهية الصهيوني لا يتحدث لمجرد الهذر والثرثرة، خصوصاً في أمور الحرب والسلام، وبدا أنه يتحدث عن قرب تحقق أمنية عاشها أو نذر حياته لها كما قال.
الحرب العالمية الثالثة التي تحدّث عنها كيسنجر والتي يقول إنّ الأصمّ وحده هو من لا يسمع قرع طبولها، هي قائمة فعلاً ولكن بطرق حديثة شرَحها وعبّر عنها أكثر من خبير استراتيجي غربي ومنهم ماكس مانوارينغ خبير الاستراتيجية العسكرية الأميركية في محاضرة ألقاها في الكيان الصهيوني وفيها أنّ الحروب الكلاسيكية ولى زمنها، ولن تكون أية حرب قادمة كما قبلها، فلا احتلال ولا تحطيم لقوى الخصم العسكرية، بل ما أسماه حرب التآكل الداخلي وبيد جزء من شعب العدو المستهدف، وهكذا… فكيف يقول كيسنجر إنّ الحرب القادمة ستبدأ بضرب الهدف الأول إيران كخطوة أولى في ذات الوقت الذي على الكيان الصهيوني أن يقتل أكبر عدد من العرب ويحتلّ نصف الشرق الأوسط! ولا يمكن قتل أكبر عدد كما يخطط إلا باستخدام الأسلحة النووية أو ما يعادلها، ويبقى الشكّ في موضوع احتلال نصف الشرق الأوسط ونعلم أنّ تصنيف الشرق الأوسط يمتدّ أبعد من إيران، ويضمّ أجزاء من أفريقيا، وهنا يكون السؤال أين هي القوة البشرية التي يملكها هذا الكيان لتغطية هذه المساحات، وهل فاته أنّ مجرد الانتشار لكلّ سكان الكيان دون استثناء على هذه المساحات سيكون سبب فنائهم وكتابة نهاية القصة بكلّ يسر وسهولة.. إلا إذا كانت بعض جيوش العالم الكبرى ستوضع في خدمة حرب الكيان، وكيسنجر هذا لم يخف أنه تمّ إبلاغ الجيش الأميركي ضرورة احتلال سبع من دول المنطقة نظراً لأهميتها الاستراتيجية وامتلاكها النفط وخامات أخرى لازمة.
الأرجح في مخطط الوزير الصهيوني أنّ الدول المعنية هي العربية، وبضمنها العراق ومصر والكويت إضافة إلى السعودية والإمارات وهذه محتلة بطبيعة الحال، وإذا، عملية الاحتلال لن تكون بالقوة الصهيونية، بل الأميركية التي قال إنها ستكون المنتصرة بالنهاية هي والكيان الصهيوني وستقوم حكومة وحيدة في العالم لفرض النظام الجديد الذي ستقيمه أميركا الماسونية، ويتابع: إنه الحلم الذي نذرت نفسي لتحقيقه وانتظرته طويلاً… لقد أصبح قريباً!
روسيا والصين والنعش الذي تعدّه لهم أميركا!
يقول كيسنجر إنّ روسيا والصين سوف تستفيقان متأخرتين، وستكون إيران المسمار الأخير في نعشهما، بعد أن أفسحت لهما الولايات المتحدة فرصة الشعور بالقوة، ولا يعلم أيّ منهما ماذا تخبّئه لهما، لن يكون بعد ذلك في العالم سوى قوة واحدة، هي حكومة أميركا الماسونية! وهنا يتبادر إلى التفكير سيل من الأسئلة أولها: أبهذه البساطة والسهولة يتمّ ضرب إيران وإنهاؤها، بل ربما مسحها عن الخريطة وهذا يعني استخدام الأسلحة النووية، وما الذي يترتب على ذلك، وباكستان قريبة، وما سيكون موقف الدول في المنطقة وأهمّها الهند والصين وهذه ليست بعيدة…؟ وهل حقاً ما يقوله كيسنجر إنّ الوقت يكون قد فات، وكيف يفوت الوقت! هل تقاس العملية بالدقائق واللحظات أو حتى بالساعات، ونعلم أنّ كلّ الدول الكبرى تملك عيوناً عبر الفضاء ولا تغفل عن مراقبة حتى أنشطة الصديق المجاور، فكيف تغفل عن عدوّها، وهل يصدّق الروس والصينيون أنّ الولايات المتحدة دولة في مرتبة الشريك كما يطلقون عليها تجاوزاً!؟ قد تكون شريكاً تجارياً أو شريكاً في البحث الفضائي، لكنها لن تكون الشريك الذي يقوم بذبحهم وهم الغافلون، وحتى لو فاجأتهم، فأين ردود الفعل وكيف تتحاشاها مع الانتشار الواسع والهائل للقوى العسكرية وإنْ كانت أميركا الأكثر انتشاراً فهل يصدّق أبسط مفكر ومحلل عسكري أنّ هذا الأمر قابل للتحقيق، وما هي الفرص التي أتاحتها أميركا للدولتين المذكورتين للشعور بالقوة، وهل هي قوة كاذبة تمتلك ما يوقفها أو يقضي عليها بهذه البساطة، أم أنّ السيد كيسنجر لم يخطر بباله أنّ الحرب إنْ بدأت حتى بضرب إيران ستكون شاملة وقد يترتب عليها نهاية الحياة على الأرض، وربما بسبب الزهايمر الذي أصابه يميل إلى الهذيان ويتكلم في حالة أحلام يقظة، لكنه كلام في منتهى الخطورة إلا أن يأخذه الجميع بما فيهم الكيان الصهيوني والدولة الأميركية الماسونية على محمل الهزل والسخرية والقول إنّ كيسنجر فعلاً مصاب بالزهايمر وفقدان الذاكرة، وإنّ ما يقوله مجرد حلم يقظة مخزون في عقله الباطن يتحدث عنه بصوت مرتفع وليس بينه وبين نفسه.
بالعودة إلى العقيدة الصهيو ماسونية، وقصة الحرب العظيمة المسماة موقعة مجدو يمكن عدم استبعاد جنوح القيادات الغرب ماسونية إلى مثل تفكير كيسنجر وتأييد أفكاره والاعتقاد بتحقيق النصر والسيطرة على العالم ولو تمّ القضاء على دول بكاملها أو شبه قارات، المهمّ بنظر هؤلاء السيطرة على ثروات العالم ومن يبقى من شعوب وتسخيرها لخدمتهم باعتبارهم «شعباً مختاراً»، وأنّ وعد يهوه لا بدّ أن يتحقق، وهو وعد تقابله وعود عند شعوب أخرى، وعود مماثلة بميراث أرضي وآخر سماوي واصطفاء على البشر، وهكذا تأخذ الميتافيزيقا أبعادها بحيث لا تقتصر على رجل خرف كما في حالة كيسنجر بل تتعداها إلى جيل أصغر سناً من أمثال ماكرون ونتن ياهو وبومبيو ورئيسه ترامب.
يبدو أنّ الحياة البشرية لم تعد بذات قيمة في كثير من حسابات القوى العظمى، وأنّ الخوف من امتلاك عنصر الردّ النووي من قبل إيران هو ما يعجل في قرار الحرب، ويساهم غباء أو عمالة الكثير من الأنظمة العربية في خدمة الفكرة، بعد وضع السلاح النووي الباكستاني تحت الرقابة الأميركية، وسيبقى الكوري الهاجس الآني ريثما يتمّ احتواءه، ويظلّ الخوف من الإيراني رغم النفي والفتوى الشرعية بتحريم هذا السلاح من قبل المرجع الأعلى… وتبقى عقلية الشكّ الصهيونية وبعض الموروث من أساطير أنهم إلى زوال وتستمرّ قاعدة سلوكهم… المعروفة والمشهورة… عليّ وعلى أعدائي!
هل يترتب على الدول والجهات العاقلة في العالم أن تسأل وتستفسر عن مغزى ومعنى حديث كيسنجر الصحافي؟ لتحصل على أجوبة وتأكيدات تنفي ما قاله أو صرّح به من الجذور وأن تستمرّ أنظمتنا على يقظة مما يُحاك في الخفاء، ليس نحن فقط، بل العالم كله وعلى رأسه الصين وروسيا، وإيران التي هي الهدف الأول كما قال الوزير الخرفان.