كلهم حزب الـ 7 إذا غابت القضية… أو العصبيّة
ناصر قنديل
– في الانتخابات البلدية في طرابلس قبل ثلاثة أعوام فاز الوزير أشرف ريفي ولائحته، لكن المشاركة كانت 25 حصد منها أغلبية 13 وبقي 12 لتحالف المستقبل برئاسة الرئيس سعد الحريري والرئيس نجيب ميقاتي والوزير الصفدي والوزير فيصل كرامي آنذاك، ومنها 7 لتيار المستقبل والرئيس الحريري، واليوم غاب الوزير كرامي مقاطعاً وانضمّ الوزير ريفي مؤيداً وبقي ميقاتي والصفدي في خندق الحريري، فجاءت المشاركة بما لا يتعدى الـ 13 ، لكن المستقبل بقي عند حافة الـ 7 بعدما عجز مع حلفائه عن تخطّي عتبة الـ 10 من الناخبين.
– قد لا تحظى الحصيلة بالدرس والتدقيق وسط قرع طبول الانتصار والاحتفال بما يسمّونه ثلاثة أرباع الأصوات، بدلاً من الانصراف لقراءة معنى الـ 7 من الناخبين، فطرابلس ليست استثناء بين المناطق اللبنانية، ونسبة الـ 7 ليست اختصاصاً حصرياً بتيار المستقبل، فهذه النسبة سيسهل الحصول عليها في تمثيل كل الأحزاب القيادية الكبرى في طوائفها ومناطقها، في كل المناطق عندما تغيب القضية أو تغيب العصبية، وسيكون ممكناً للأحزاب رفع نسبة المشاركة وتالياً نسبة الفوز والمصوّتين للوائحها بقوة قضية أو عصبية، وحيث لا تنفع تحالفات ولا تجدي وعود إذا غابت القضية والعصبية معاً.
– الجديد الذي قالته طرابلس أمس، هو أن العصبية فقدت قدرتها على تحشيد الناخبين، فقد اكتشف اللبنانيون أن العصبية التي تتم دعوتهم للانتخاب على أساسها، وربما الموت من أجلها، ليس إلا آلهة تمر يصنعها جاهليّو السياسة اللبنانية تحت شعار عبادتها، لكنهم يأكلونها علناً عندما يجوعون في مآدب التسويات، التي تضمن وحدها مغانم الحكم وجنته بدلاً من عبادة آلهة التمر، ولا يحق لأحد ادعاء أنه يخسر بسبب لغة التسوية التي ينتهجها، وأنه يدفع ثمن لغته السياسية المعتدلة وسعيه للتوافق، وأنه لو اعتمد التصعيد لكسب الانتخابات كما قال تيار المستقبل بعد خسارته البلدية قبل أعوام، لأن الحقيقة أن خطاب التسوية هو خطاب السعي لقطاف مغانم الحكم، وليس التضحية المنذورة لمصالح الوطن، وقد اكتشفها الناس، كما اكتشفوا أن لغة التصعيد ضحك على لحاهم، يعرف أصحابها أن الذهاب بها إلى نهاياتها فوق طاقتهم، ونتائجه وبال عليهم قبل أن تكون مجلبة خراب على البلد.
– سقطت العصبية كآلة تحشيد، رغم سيولة خطابها وسهولة استحضارها، فلم تفلح هذه المرة، وشعار محاربة الفرس وإسقاط المشروع الإيراني من طرابلس، صار مضحكة ومسخرة للناس، رغم انضمام وزير الحرب أشرف ريفي على طريقة أفيغدور ليبرمان في بيانات الحرب الضروس ضد الفرس والمجوس، قال الطرابلسيون إنهم سينتخبون لقضية، بالأكثري أو بالنسبي، وإنهم يعرفون خدعة الانتخابات، ونتائجها، ولا يهمهم ما فعله المجلس الدستوري، وأرادوا أن يردّوا بالأفعال بالمختصر المفيد، هاتوا قضية وخذوا انتخابات، وهذا ما قالته الانتخابات النيابية التي منحت حزب الله أعلى حاصل انتخابي بين الأحزاب اللبنانية، حيث تحضر القضية يحضر التصويت، وتحضر مهابة الأرقام.
– حزب الله كسائر الأحزاب أدرك المعادلة، وأدرك أن قضية المقاومة التي يدرك اللبنانيون صدق التزامه بها، لا تبرّر له الانكفاء عن أم المعارك وهي مكافحة الفساد والنهوض بالاقتصاد، وتأمين لقمة العيش الكريمة، التي لا تنفصل فيها كرامة المواطن عن كرامة الوطن، فأطلق وعده الانتخابي تحت هذه العناوين، فصارت القضية التي سيحاسب عليها الناخبون كل الناخبين، قيادات الأحزاب، كل الأحزاب، في صناديق الغد الانتخابي غير البعيد، قضية بناء الدولة، بعيداً عن صفقات مؤقتة لتسيير الحال، سينتظر اللبنانيون وينظرون في شأن قانون الانتخاب الجديد، والسير بما لم يطبق من اتفاق الطائف، وإعادة النازحين، وتأمين الكهرباء، والعلاقة بسورية، وتحسين ظروف العيش، وتقديم مقاربة سياسية اقتصادية تقول إن الصوت الذي يُشترى بجرة غاز لا يغيّر اتجاه التصويت.
– حسناً فعل النائب فيصل كرامي والمرشح طه ناجي بتسليط الأضواء، عبر الانسحاب، على هذه الحقيقة الفضائحية، علّ القيادات تقرأ بعقلها بدلاً من أن تصفق بأقدامها.