وزير المال أمام معارك ثلاث: حماية الرواتب – المصارف – الأملاك البحريّة

محمد حمية

يُسجَل للنائب علي حسن خليل كأول وزير للمال منذ عقود يضع مشروع موازنة حقيقية وشفافة غير مضخمة أو مجزأة ومركبة تتضمن إجراءات في قاعدة الموازنة تطال القطاعين العام والخاص وتُحقق تخفيضاً للعجز يلامس 3 في المئة، ويُسجل له ايضاً جرأته في التوغل عميقاً في «مغاور» الحسابات المالية منذ 1993.

مهمتان كبيرتان في موقعين دقيقين تمكن وزير حركة أمل من ولوجهما بعد فشل وزراء المال السابقين، رغم أن موقعه لا يُحسد عليه، فهو قيادي في أمل ويمثل شريحة اجتماعية واسعة أغلبها من ذوي الدخلين المحدود والمتوسط، ومن جهة ثانية في موقع المسؤولية المالية المباشرة في دولة تجلُس على مشارف الانهيار المالي والاقتصادي. وبالتالي هو مسؤول أمام شعب لبنان وقواه السياسية والمجتمع الدولي «الناظر» للمشروع الموازناتي فضلاً عن مواجهة محتملة مع تكتلات رأس المال.

هناك انقسام حاد في مقاربة التخفيضات بين فريقين: الاول الرئيس نبيه بري وحزب الله والحزب الاشتراكي والثاني الرئيس سعد الحريري وتيار «لبنان القوي»، بالتوازي مع الضغط الدولي الذي ربط دعمه للبنان بتخفيض عجز الموازنة في الكهرباء ورواتب وتقاعد الموظفين.

هذا الواقع يضع «الذراع الأيمن» لرئيس مجلس النواب أمام معارك ثلاث: حماية رواتب وتقاعد الموظفين وأخرى مع المصارف – الشركات الكبرى والمصرف المركزي بدخوله الى «الجنة الضرائبية» لهذا المثلث، بحسب مصادر رسمية لـ«البناء». ومعركة ثالثة بتضمينه مشروع الموازنة رفع الضريبة على المداخيل المرتفعة وللمرة الأولى ضرائب على الأملاك المبنية والبحرية.

فهل ينتصر خليل في المعارك الثلاث وتثبت موازنة مختلفة عن سابقاتها تحظى بتوافق هذه التناقضات السياسية والمالية والدولية؟

يؤكد وزير المالية أن سلة التخفيضات في مشروع موازنة 2019 تشمل ثلاثة مكامن: الرواتب – الكهرباء وخدمة الدين وتعديل السلة الضرائبية.

في الرواتب يرفض خليل في جميع الاجتماعات المالية المسّ بحقوق الموظفين المكتسبة إن في سلسلة الرتب والرواتب أو معاشات التقاعد رغم أن الحريري اقترح بحسب ما علمت «البناء» تجميد 15 في المئة من الرواتب وتعديلات على نظام التقاعد، لكن خليل لم يدرجه لأنه لم يحظَ باتفاق سياسي ويرى أن معاشات التقاعد هي جزء من الامن الاجتماعي وبالتالي التلاعب بها يولد أزمات اجتماعية عدة، فطَرَحَ خليل اقتراح تجميد 25 من الرواتب التي تفوق 15 مليون ليرة لم يلق موافقة الحريري، فعاد وطرح تجميد 15 للرواتب التي تفوق 3 ملايين ليرة وجعل التقاعد ممكناً بعد 30 سنة خدمة بدلاً من 20 حالياً في الأسلاك العسكرية، اضافة الى الغاء احتساب «التدبير رقم 3» في التعويض والراتب التقاعدي و»تشحيلات» كبيرة في متممات الرواتب كالانفاق على الجمعيات والمهرجانات والاندية والعلاقات العامة والسفر والنقل والايجارات وغيرها، اضافة الى ضبط ازدواجية الرواتب، وفي هذا السياق، تكشف مصادر مالية رسمية لـ»البناء» عن هدر كبير في الوزارات والادارات والمؤسسات العامة، منها على سبيل المثال لا الحصر، موظفون يتقاضون راتبين وثلاثة وأكثر، فرئيس المجلس الاعلى للجمارك، يتقاضى راتب عميد متقاعد وراتب «رئيس» اضافة الى 21 مليون ليرة شهرياً رسوم جمركية، فيما يتقاضى الكثير من الموظفين الكبار بدلات عالية لعملهم في أكثر من لجنة. فيما يتقاضى موظفو أوجيرو ومصرف لبنان رواتب خيالية وسنة تقاعد تساوي 15 شهراً، وبحسب مصادر وزارة المال فهذه الإجراءات فقط تحقق تخفيضاً بقيمة 1500 مليار ل.ل.

خدمة الدين: وتشير المصادر هنا الى أن البنك المركزي يكتتب في وزارة المال سندات بـ 38 الف مليار بفائدة بقيمة 3000 مليار، معفاة من الضريبة، بشكل غير قانوني منذ حكومة الرئيس فؤاد السنيورة.

وتشير مصادر الوزارة لــ«البناء» الى أن «الوزارة تصدر سندات خزينة بـ27 ألف مليار ليرة، وطلب خليل من المصارف والبنك المركزي الاكتتاب بـ 15 ألف مليار منها بفائدة 1 ، لكنها توضح أن «الإجراء الجديد لا يشمل فوائد الاصدارات السابقة بل الجديدة وبالتالي يتجنب بهذا التدبير المالي اعتراض المؤسسات المالية الدولية»، وتكشف أن «اتفاقاً مبدئياً حصل في هذا البند الذي يحقق وفراً 750 مليار ليرة على اكتتاب 8000 مليار ليرة إصدارات، والنقاش يجري بين الحريري وخليل حول رفع الاكتتاب الى 10 آلاف مليار وبالتالي رفع الوفر الى 10 مليارات خلال مدة عشر سنوات».

وتكشف مصادر «البناء» ايضاً «أن فرض ضريبة على المصارف 7 بموجب المادة 51 من قانون الموازنة السنة الماضية، أشعل صراعاً بين المصارف والبنك المركزي وبين وزير المال الذي دفع ثمناً شخصياً جراء ذلك، لكنه يصر على اعتبارها من أكثر الامور الاصلاحية منذ الستينيات، ويعمل الآن على تصحيح اضافي حقيقي للإجراءات الضريبية التي ستطال الطبقات العليا وبشكل تصاعدي. وأهمها ضريبة 25 في المئة على المداخيل التي تفوق 250 مليون ليرة للشركات والأشخاص اضافة الى استعادة الاملاك البحرية.

إلا أن مصادر نيابية ومصرفية ومالية ترفض تحميل حاكمية مصرف لبنان مسؤولية الوضع الحالي، وتوضح لـ«البناء» أن «الحاكم كان ينفذ قرارات الحكومات المتعاقبة بتثبيت سعر الصرف، ولم يتصرف بقرارات منفردة»، كما ترفض تعديل السياسات النقدية والمالية قبل معالجة الوضع الاقتصادي وتخفيض العجز حماية للاستقرار النقدي، كما تنتقد تحميل القطاع الخاص لا سيما المصارف مسؤولية الوضع الاقتصادي وبالتالي لن تقبل بتدفيعه ضرائب جديدة لأن ذلك سيؤدي الى تراجع الاستثمار والنشاط الاقتصادي.

وبحسب معلومات «البناء» فإن أحد بنود الموازنة سيفجّر مواجهة بين خليل والحريري، إذا يتحدث خليل عن تعدد الموازنات في الدولة، هناك موازنة عامة وموازنات ملحقة، كموازنة وزارة الاقتصاد والشمندر السكري واليانصيب، اضافة الى استقلالية موازنة وزارة الاتصالات التي تجري تلزيمات بـ 400 مليون دولار دون العودة الى مجلس الوزراء، فخليل يعتزم إلغاء الموازنات الملحقة والمستقلة وحصرها بموازنة واحدة للدولة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى