«جمعية التخصص والتوجيه العلمي» في يوبيلها الذهبي تضيء على «دور مؤسسات المجتمع المدني في التنمية المستدامة»
عبير حمدان
اختار المنبر الثقافي في جمعية التخصص والتوجيه العلمي الاحتفاء باليوبيل الذهبي للجمعية بندوة تناقش دور مؤسّسات المجتمع المدني في التنمية المستدامة انطلاقاً من الدور الفاعل للجمعية في هذا الإطار.
وشارك في الندوة الدكتورة الهام كلاّب البساط، الشيخ الدكتور سامي أبي المنى، الدكتور أنطوان مسرة ممثلا بالمحامي ربيع قيس، وأدارها الدكتور زهير حطب.
تقدّم الحضور النائبان ابراهيم الموسوي ومحمد خواجه، والوزيران السابقان عدنان منصور وعلي عبدلله، رئيس تحرير جريدة «البناء» النائب السابق ناصر قنديل، نائب رئيس حركة أمل هيثم جمعة وفاعليات اجتماعية وثقافية وإعلامية.
استهلت الندوة بكلمة للدكتور حطب عرض فيها إنجازات الجمعية وسعيها الدؤوب في خدمة المجتمع منذ تأسيسها، وأشار إلى الدور الفاعل للمشاركين في الندوة في المجالات الفكرية والثقافية والاجتماعية والعلمية.
البساط: العلم خبز العقل
من جهتها توجّهت الدكتورة الهام كلاب البساط بالتهنئة للجمعية بمناسبة يوبيلها الذهبي وجاء في كلمتها: «لقد اختبرت العديد من الجمعيات التي تنوّعت آفاقها، من تربوية الى ثقافية فكرية، الى فنية وإنسانية وصحية ولملمت الكثير من الدروس والعبر وحصدت الكثير… وإذ أستذكرها اليوم فلأنّ ما أوحت لي جمعيتكم من التزام وتجدّد ومثابرة يؤكد لي قناعات تجذرت، ليس فقط من إيماني بالدور الوطني المبادر في التنمية الاجتماعية، بل في التفاعل الإنساني والعلاقات الخصبة الرحبة بين من يتلقى ومن يُعطي في تبادل التقدير والكرامة، وهي التي عايشت ومنذ تأسيسها سنة 1969 كلّ تعرّجات المجتمع اللبناني الذي عانى من تبدّلات جذرية، تألقاً وخفوتاً، بناء وهدماً، سلاماً وحرباً، هجرة ونزوحاً، وحروباً مقيمة وحروباً موازية».
أضافت: «بعد الحرب التي دامت وقادت اللبناني الى الانكفاء، لم يعد لبنان هذا البلد المكتنز وعوداً في مجال الترقي والتنمية والحداثة لم يعد هذا البلد الذي صدحت به فيروز وحلم به جيلنا.. عندها أيقظت الخدمة الاجتماعية ضمائر وإرادات ومفاهيم للمساندة والتنمية ليس فقط من خلال المساعدة التقليدية التي كانت تؤمّنها جمعيات خيرية أدّت دوراً استثنائياً خلال الحرب .. لقد بدأت جمعيتكم بتأمين العلم خبز العقل لكلّ طالب متفوّق غير ميسور فتجاوز العدد ثلاثة آلاف طالب في أفضل الجامعات، وتحوّلت الى سلسلة خصبة من المؤسسات، ثم وجهت اهتمامها نحو المسنّ، وعلى ضفة مقابلة احتضنت الطفولة التي قست عليها الأيام، أما المنبر الثقافي فقد حاول التأكيد على أهمية الثقافة في إيجاد مساحة حرة للحوار الثقافي والفني والفكري، وكان لي شخصياً فرصة اعتلاء هذا المنبر الكريم مرات عديدة».
وتابعت: «انها تجربة تنموية وطنية، لا بل خريطة طريق، خيّرة متجدّدة متطوّرة، تتكئ على تاريخها المضيء المستمرّ، وتفسح في المجال الى الاستنتاجات التالية:
أولاً: هذه الجمعيات هي المرصد المستمر الذي يتعرّف ويشير إلى حاجات الناس العاديين وتوقهم إلى تحقيقها، هي قياس النبض الحقيقي للمجتمع أو المعيار الأساسي الذي يبتدع حلوله ويشكل قوة ضاغطة للوصول الى الدولة المدنية العادلة.
ثانياً: انّ المجتمع المدني ليس الدولة ولا يقوم مقامها. فللدولة دور في المواطنة والمساواة، وللجمعيات الدور المساعد المكمّل المحفِّز والمحّذر، هو الضمير الذي ينبه ولو بإلحاح، إلى تقليدية الحكم وبطء المؤسسات.
ثالثاً: انّ المجتمع يصلح بأكمله أو يتتالى انحداره بأكمله، لذا تبدو أهمية عدم الاقتصار على أهلنا وجامعتنا، مما يولد مرارة عند البعض وعصبية عند الطرف الآخر، ولو أزهرت من حولها فهي تقود الى حدود ويباس.
رابعاً: انّ الجدية في إدارة المؤسسات، وفي التركيز على مهمة أساسية واحدة وترسيخها وتعميق الاهتمام بها، هو الطريق إلى تحقيقها ودوام هذا التحقق، وكي تتحوّل نتائجها الى تراكم معرفي يحوّلها الى مرجعية ..
خامساً: انّ العطاء ليس مهنة بل هو التزام، لا ننتظر في المقابل إلا ما يتحقق من خير للآخرين، والمفهوم العميق للمساعدة، لا ينحني من فوق على المحتاج، بل ينحني له باهتمام وخفر».
أبي المنى: التنمية قوامها العدالة الاجتماعية
بعدها كانت مداخلة لأمين عام مؤسسة العرفان التوحيدية في لبنان الدكتور سامي أبي المنى، جاء فيها: «انّ البنك الدولي يُعرّف المجتمع المدني بأنه عدد من المنظمات غير الربحية وغير الحكومية والتي تعتمد على النهوض بالاهتمامات والقيم الخاصة بالأشخاص المنضمّين إليها وتكون معتمدة على أسس أخلاقية او خيرية او دينية او ثقافية أو علمية، ومن تلك المنظمات الجماعات الخاص بالمجتمع المحلي أو المنظمات ذات الطابع غير الحكومي، أو الجماعات المكوّنة من سكان المنطقة الأصليين او المنظمات الخيرية أو النقابية، وملخص هذا التعريف أنها المؤسسات التي أُسِّست على يد أفراد أو جماعات ذات طابع إنساني كمؤسساتنا حيث تظهر أعمالها من خلال مقدرة أعضائها وإمكانياتهم، كما تتميّز هذه المؤسسات بأنها بعيدة عن السياسة الى حدّ كبير، ولا أعلم إذا كانت هذه الحالة تنطبق عليها في لبنان، وهي مستقلة أيضاً عن السطات الحكومية، وفي لبنان هي ليست مستقلة تماماً لأنّ المجتمع اللبناني يقضي ببعض التداخل. المجتمع المدني اذا هو الوسيط بين الشعب والدولة وهو الذراع الأيمن للحكومات في عملية التنمية، هكذا يكون تعريفه، بحيث يساعد بتعريف الأشخاص بحقوقهم وحرياتهم والدفاع عنها ويساهم في عملية التنمية من خلال منظماته التطوعية وغير الربحية التي تلعب دوراً مهماً بين المجتمع من جهة والدولة من جهة أخرى».
أضاف: «لا يمكن فصل المجتمع المدني عن الوطن والدولة، ولا يجوز بالمجتمع المدني التخلي عن المسؤولية، كما لا يجوز للدولة احتكار المسؤولية، وإذا كانت هي المسؤولة الأولى في التوجه والتنمية والمراقبة فمؤسّسات المجتمع تتحمّل المسؤولية كذلك، ولا بدّ من اشتراكها او إشراكها في المهمة التنموية .. يجب أن يكون تعاون كامل وتنسيق بين الدولة والمجتمع المدني والقطاع الخاص ومن غير هذا التعاون لا تكون العملية التنموية كاملة ويصعب أن يُكتب لها النجاح».
وتابع: «هذه الجمعيات لا تلغي دور الدولة إنما تكمله وتدعمه، فقد باتت مؤسسات المجتمع المدني أساسية لتقديم الخدمات الاجتماعية وتنفيذ برامج التنمية كمكمّل للعمل الحكومي وليس كبديل عنه. يتمحور دور المجتمع المدني حول مهمّتين كبيرتين هما: الأولى تحقيق التنمية الشاملة عن طريق التكامل مع الدولة والقطاع الخاص من أجل تحقيق التنمية المستدامة، والمهمة الثانية هي الرقابة لإصلاح الخلل».
أضاف: «يبقى الإنسان هو الغاية في نهاية المطاف وقضاياه كثيرة ومتشعبة ومتداخله والإنسان واحد مهما كان دينه ومذهبه وفكره، وأول تلك القضايا يتعلق بجوهره الإنساني وكيفية تربيته وحثه على الصبر والتحمّل والوقوف الى جانبه في سعيه الدائم لحفظ إنسانيته. وجميعنا معنيون في العمل لأجل الوصول الى الدولة العدالة الجامعة والبداية تكون بالتربية العلمية والدينية والأخلاقية والمواطنة الحاضنة للتنوّع، وهذه مهمة إنسانية تقع على عاتق الأهل والمؤسسة التربوية والمجتمع الأهلي والنُخب الواعية، لا يمكن أن تكون تربية مستدامة ما لم يكن هناك احترام بين مكونات المجتمع وتعاون وتعاضد، لا يمكن أن تتحقق التنمية بدون عدالة اجتماعية واستقرار وإرساء أسس السلام الحقيقي، ومؤسسات المجتمع المدني جزء من تحقيق هذه العدالة الاجتماعية ضمن القوانين والأنظمة وبالتنسيق مع الدولة بعيداً عن المحاصصة والمتاريس الحزبية والسياسية».
مسرّة: التكامل بين المجتمع المدني ووظائف الدولة
والقى المحامي ربيع قيس كلمة الدكتور أنطوان مسرة، وجاء فيها: «انّ جمعية التخصص والتوجه العلمي هي نموذج عن عمل المجتمع المدني في لبنان كونها ساهمت طيلة نصف قرن في نهضة لبنان وتقدّمه وفي دعم ما يقارب ثلاثة آلاف طالب تخرّجوا من أرقى الجامعات في لبنان والخارج وفي رعاية الأيتام والمسنّين واهتمّت بالأجيال الشابة وساهمت في نشر الثقافة والأدب والفنون، انها نموذج لفاعلية المجتمع المدني في لبنان، هذا المجتمع الذي يشمل كلّ المؤسسات والهيئات المهنية والنوادي والروابط والمجتمعات المستقلة عن الجهاز الحكومي خارج التنافس السياسي والصراع على النفوذ».
أضاف: «قد يبادر البعض الى السؤال: هل المجتمع المدني بديل عن الدولة؟ ويعبّر ذلك عن إدراك سلطوي للحكم، لا أحد بديل عن أحد، ولكن لكلّ طرف وظيفته ليحصل التكامل بين المجتمع المدني والوظائف الأخرى للدولة في ممارسة الشأن العام».
وتابع: «ما الذي يجعل المجتمع المدني مدنياً؟ ثلاثة عناصر وهي الانطلاق من القانون بصفته ناظماً للحياة العامة والمساهمة في مصلحة عامة والانطلاق من قضايا الناس الحياتية اليومية، وأيضاً الإنطلاق من القضايا الكبرى، ولكن من منظور المفاعيل على الناس، وليس من منطلق علاقات سلطة ونفوذ. وبالتالي يتميّز المجتمع المدني عن المعارضة السياسية التي نراها مشروعة وضرورية إلا أنّ منهجية عملها مختلفة وتدخل في علاقات سلطة ونفوذ. الخلاصة أنّ المجتمع المدني يلجأ الى وسائل الضغط والتعاون والمساعدة والدعم على الجهاز الحكومي في سبيل التغيير».
وختم: «في مجتمع تعدّدي تمتدّ تنظيمات دينية وثقافية وتربوية وصحية واستشفائية ورياضية ويمكن لهذه التنظيمات ان تكون عنصر انغلاق وتنافس مع السلطة المركزية، ويمكن أن تكون عنصر تنمية من الداخل في المجتمع على غرار مؤسسات المجتمع المدني في لبنان، واليوم وبعد دخول المجتمع المدني في متاهات السوق ما السبيل للعمل على تأصيل هذا المجتمع؟ يبقى هذا موضوع واسع يتطلب أكثر من ندوة ولقاء».
تصوير: أكرم عبد الخالق