رهان أميركي خاطئ على شرق الفرات
حميدي العبدالله
قرار الولايات المتحدة الإبقاء على جزء من قواتها في منطقتي التنف وشرق الفرات ينطلق من حسابات تشدّد على أنّ بقاء هذه القوات يمنع سورية وحلفاءها من الاقتراب من المنطقة، وبالتالي حماية خيار إقامة كيان ذاتي شرق الفرات يقود إلى نشوء وضع يشبه الوضع القائم في شمال العراق منذ عقود طويلة.
لكن هذا الرهان الأميركي على هذه المنطقة هو رهانٌ خاطئ، أولاً، لأنّ منطقة شرق الفرات تختلف عن شمال العراق. في شمال العراق الأكراد يمثلون حوالي 90 وأكثر من سكان تلك المنطقة، في حين أنّ الأكراد لا يمثلون أكثر من 30 من سكان منطقة شرق الفرات، ومعروف أنّ السيطرة الأميركية على شرق الفرات ترتكز الآن على وجود وحدات الحماية الكردية، التي تمثل أقليةٍ ضئيلة في المنطقة، ويقود هذا الاعتماد على الأقلية وتمكنها من السيطرة إلى ردود فعلٍ لدى الغالبية، ويجري التعبير عن ردود الفعل بعشرات العمليات المسلحة التي تستهدف «قوات سورية الديمقراطية» والاحتجاجات الشعبية المتواصلة ضدّ وجود هذه الجماعات، الأمر الذي يجعل المنطقة رمالاً متحركة ولا تمثل بيئة حاضنة للوجود الأميركي على غرار الوضع القائم في شمال العراق.
ثانياً، الولايات المتحدة تنطلق من تجربة السنوات الأخيرة، حيث لم تُستَهدف من قبل الجيش والشعب السوري وحلفائهما لأنّ أولويات سورية كانت تتجه لتحرير المناطق الأكثر خطورة مثل محيط دمشق وأحياء حلب الشرقية والمنطقة الجنوبية، حيث كان العدو «الإسرائيلي» يسعى إلى إقامة جدار عازل في الجولان، وأيضاً الأولوية لتحرير دير الزور ومدنها الكبرى، لأن من دون ذلك يصعب إطلاق معركة تحرير المناطق الخاضعة لسيطرة ميليشيات «قسد» المدعومة من القوات الأميركية.
اليوم، وبعد أن أنجزت الدولة والجيش السوري وحلفائهما تحرير المناطق التي كانت لها الأولوية، لم يبق سوى منطقتين خارج سيطرة الدولة، منطقة إدلب ومحيطها، التي تخضع العملية العسكرية لتحريرها لحسابات مرتبطة بعلاقات تركيا مع الولايات المتحدة وموقفها من الكيان الانفصالي الذي تسعى واشنطن لإقامته يشكل تهديداً للأمن القومي التركي.
والمنطقة الثانية الخارجة عن سيطرة الدولة السورية هي منطقة شرق الفرات والتنف، التي باتت لها الأولوية، وعندما تبدأ معركة تحريرها بمعزل عن طبيعة هذه المعركة، وما إذا كانت حرباً نظامية، أم حرباً تشبه الحرب التي رعتها سورية وإيران في لبنان ضدّ قوات الأطلسي عام 1983، فإنّ الحسابات الأميركية سوف تختلف جذرياً عن الحسابات الحالية، عندها أمام الولايات المتحدة خيارَين لا ثالث لهما، إما الغوص في مستنقع حربٍ ثالثة في المنطقة أوسع وأكثر كلفة من حروب الولايات المتحدة والناتو في أفغانستان والعراق، وإما إعادة النظر في الحسابات الخاطئة والانسحاب من سورية على قاعدة ما ردّده ترامب وسفير الولايات المتحدة السابق في سورية روبرت فورد، أنها في سورية لا مصالح كبرى اقتصادية تبرّر التورّط بحربٍ مكلفة وطويلة الأجل وتحتاج عشرات آلاف الجنود.