واشنطن تضغط لعدم خسارة تركيا
د. هدى رزق
يعقد ممثلون من روسيا وتركيا وإيران الجولة الثانية عشرة من المحادثات في أستانا عاصمة كازاخستان بشأن سورية، بحضور مراقبين من الأردن والأمم المتحدة. وتعمل كلّ من روسيا وإيران على تفادي ايّ هجوم تركي على الأكراد في سورية، حيث أتت زيارة ظريف وزير الخارجية الإيراني الى تركيا في هذا الإطار بعد زيارته سورية واجتماعه بالرئيس الأسد ووزير الخارجية السوري وليد المعلم، اعتبر انّ أفضل وسيلة لحماية أمن جميع دول المنطقة هي نشر الجيش السوري على الحدود مع تركيا وضمان منع أيّ تحرك إرهابي ضدّ الحكومة التركية وشعبها من سورية. وكان بوتين قد صرّح انّ أردوغان بعد آخر اجتماع له قد وافق على معالجة خطوات للتوصل إلى تسوية سياسية في سورية، بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2254 وبالتنسيق مع الحكومة السورية. تسعى إيران إلى إقناع تركيا بعدم الإقدام على عملية عسكرية جديدة وتوسيع المنطقة الخاضعة لسيطرتها في سورية والحدّ من النفوذ الأميركي في المنطقة من خلال مساعدة الحكومة السورية على تثبيت سلطتها على المناطق الشرقية والشمالية الشرقية من سورية.
أما الولايات المتحدة فهي وعلى لسان مبعوثها جيمس جيفري قالت إنها مستعدة لدراسة منطقة آمنة داخل سورية على الحدود التركية تشمل عدداً محدوداً من القوات التركية وتكون خالية من وحدات حماية الشعب، وسوف يذهب جيفري إلى تركيا لمحاولة تحديد تفاصيل اقتراح المنطقة الآمنة محاولاً تجنّب، هجوم تركي على حلفاء واشنطن الأكراد. تقف إدارة ترامب، بوجه الاتجاهات المؤدّية إلى تسوية في نهاية المطاف بين أنقرة ودمشق، أـما تركيا من جهتها فهي تظهر مخاوف جدية من الأكراد السوريين، الذين تمّ الاعتراف بهم من قبل وزير الدفاع بالوكالة باتريك شاناهان في 23 آذار/ مارس وترى أنّ الولايات المتحدة بحاجة إلى تغيير المسار. من جهتها ترى وحدات الحماية الكردية انّ وجود القوات التركية في منطقة تواجدها في سورية سيؤدّي الى مشكلة صعبة وفي هذه الحالة تفضل ان تحلّ القوات الروسية أو السورية بدلاً من القوات التركية في منبج وتحاول اللعب على مخاوف الأميركيين مع انّ هناك بالفعل محادثات بين الدولة السورية ووحدات حماية الشعب الكردية. يؤكد دايفيد ساترفيلد نائب وزير الخارجية الأميركي مخاوف واشنطن ويعرب عن قلق الولايات المتحدة من الفراع الذي سيحدثه الانسحاب في شمال شرق سورية، والذي يمكن ان تملأه قوات النظام الروسية والإيرانية والسورية. تقود الأزمة الناشئة مع أنقرة حول شراء «أس 400» كبار المشرعّين الأميركيين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي إلى بحث تغيير محوري محتمل لنهج واشنطن تجاه شرق البحر الأبيض المتوسط، بهدف استبعاد النفوذ الروسي هناك، ويهدف تشريع قانون جديد قديم لمجلس الشيوخ، يهدف إلى إعادة تشكيل السياسة الأميركية، وذلك بفضل اكتشافات الطاقة الكبيرة والمغامرات العسكرية الروسية والتناقض التركي. هذا المشروع لا يحمل أفكاراً جديدة إنما يساعد في تسريع تطوير موارد الغاز الطبيعي في المنطقة والتشدّد تجاه تركيا، وهو خطوة رمزية لإقناع تركيا بالعودة وتحديداً عن علاقتها مع موسكو حيث بدأت الاقتراحات بالتحوّل عن تركيا، وهذا يعني، بالتأكيد، التحوّل نحو الجهات الفاعلة الأخرى في شرق البحر الأبيض المتوسط. يعزز هذا القانون المقترح التعاون العسكري مع قبرص واليونان. وتسريع استغلال وتصدير اكتشافات الطاقة الكبيرة في المنطقة كذلك تدعيم التحالف بين الولايات المتحدة واليونان و»إسرائيل» وقبرص ومحاولة إجبار تركيا على الخروج من أحضان روسيا. كذلك تعزيز تطوير اكتشافات كبيرة للغاز الطبيعي قبالة سواحل فلسطين المحتلة ومصر وقبرص ويأمل المسؤولون الأميركيون أن تصبح مصدراً بديلاً للطاقة لأوروبا، التي تعتمد اعتماداً كبيراً على واردات الغاز الطبيعي الروسي.
تركيا تحاول بعد الانتخابات المحلية التي ادّت الى خسارة حزب العدالة والتنمية المدن الكبرى والأساسية الى بداية عهد جديد من محاولات التفاهم الداخلي لحلّ المشاكل الاقتصادية والخلاف المستمرّ بين تركيا والولايات المتحدة حول خططها لنشر أنظمة الصواريخ الروسية المضادة للصواريخ الباليستية على أرضها. المحادثات والمشاورات بين المسؤولين الأتراك والأميركيين تبعت حضور وزير الخارجية جاويش أوغلو اجتماعاً لحلف الناتو في واشنطن ولقاءه بنظيره الأميركي مايك بومبيو مع فريق رفيع المستوى انضمّ إلى مؤتمر المجلس الأميركي التركي في العاصمة الأميركية.
التقى بعدها وزير المالية والخزانة برات البيرق مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب وجاريد كوشنر إلى جانب وزير الدفاع خلوصي أكار، ودار اللقاء حول الـ «أس 400» ومشكلة استيراد الـ «أف 35». ردّد خلوصي آكار خلال الاجتماع ما سبق أن اقترحته تركيا ايّ بعض الصيغ لحلّ المشكلة مع التشديد على أنّ تركيا لن ترغب أبداً في إلحاق أيّ ضرر بأيّ معدات عسكرية لحلف الناتو بنشر أسلحة مختلفة. ودعت مرة أخرى الناتو إلى إجراء تقييم تقني بشأن المخاطر المحتملة لنشر طائرات «أس 400» في نفس الوقت باستخدام طائرات «أف 35». لا يبدو انّ التعويل على العلاقات الشخصية بين ترامب وأردوغان والتي يراهن عليها هذا الأخير يمكنها حلّ هذه المشكلة، وما زال الوقت مبكراً للتوصل إلى استنتاج حول كيفية حلها…