الحصار يشتدّ على أطراف محور المقاومة… ما الردّ؟
د. عصام نعمان
لكلّ رئيس أميركي حربه الخاصة. جورج بوش الابن شنّ حرباً ضارية على أفغانستان وأخرى أشدّ هولاً على العراق. باراك أوباما شنّ حرباً ديبلوماسية طويلة أنجز خلالها الاتفاق النووي مع إيران، واتفاق باريس حول المناخ، والتطبيع مع كوبا. دونالد ترامب يشنّ، بلا هوادة، حرباً اقتصادية على العالم، تستهدف دولاً كبرى منافِسة كالصين وروسيا والاتحاد الأوروبي، وأخرى متوسطة وصغرى كإيران وسورية والمكسيك وفنزويلا وكوبا ونيكارغوا، وقبلها كوريا الشمالية التي كان أسلافه قد فرضوا عليها عقوبات اقتصادية لإكراهها على وقف تصنيع الأسلحة النووية.
الحصار والعقوبات الإقتصادية أبرزُ أسلحة ترامب في حربه المتصاعدة، وهي أسلحة مؤذية ومرهقة لأنّ استعمالها يتمّ عبر النظام المصرفي العالمي حيث للدولار الأميركي دور كبير ومهيمن، كما عبر شركات التأمين الكبرى، وامتثال معظم الدول المتحالفة مع الولايات المتحدة الى إملاءاتها.
إيران استطاعت تجاوز مفاعيل العقوبات المفروضة عليها منذ العام 1979. لولا نجاحها في ذلك لما اضطر أوباما الى التراجع عنها وتوقيع الاتفاق النووي معها. ترامب أدرك هذه الحصيلة، فقام بإخراج الولايات المتحدة من الاتفاق المذكور وعاود فرض عقوبات جائرة ومتصاعدة في قسوتها عليها.
سورية نالت هي الأخرى «نصيبها» من العقوبات الاقتصاديــة كُرمى لـِ «إسرائيل» من جهة وكُرهاً بإيران من جهة أخرى. هذه العقوبات فعلت فعلها، على ما يبدو، في الاقتصاد السوري، لا سيما في سوق الوقود، بدليل طوابير الأفراد والسيارات التي تحتشد لساعات قرب محطات البنزين والمازوت والغاز.
ما العمل؟
قيل إنّ دمشق طالبت موسكو أواخرَ العام الماضي بتسيير قوافل من ناقلات نفطها الى الموانئ السورية لمواجهة الضائقة. موسكو استمهلت لدرس الموضوع… وما زالت تدرس.
طهران سارعت الى محاولة سدّ النقص بتوجيه ناقلات نفطها، عبر قناة السويس، شطرَ الموانئ السورية. لكن السلطات المصرية رفضت الترخيص لها بالعبور.
ثمة من يعتقد في دمشق وطهران انّ تشديد الحصار الاقتصادي على سورية مؤشر الى تفاهم ضمني بين واشنطن وموسكو على ليّ ذراع دمشق لحملها على تليين مواقفها الصلّبة بشأن تطوير نظامها السياسي خلال محادثات أستانة المرتقبة أواخرَ الشهر الحالي.
بعض أصدقاء دمشق في بيروت كشفوا ما وصل إلى مسامعهم من معلومات وتسريبات. قالوا إنّ موسكو طلبت من دمشق الموافقة على إخلاء «الوجود الإيراني» من البلاد، وكذلك وجود حزب الله. دمشق رفضت، طبعاً، بدليل مسارعة الرئيس بشار الاسد إلى زيارة طهران وعقد محادثات ذات طابع استراتيجي مع قادتها السياسيين والعسكريين، وانّ زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الأخيرة الى دمشق كانت لاستكمال تلك المحادثات.
ما من أمر لافت تكشّفت عنه محادثات طهران ودمشق الاستراتيجية سوى ما صدر عن قائد القوات البرية الإيرانية من تصريحات هجومية ضدّ الولايات المتحدة و»إسرائيل». غير انّ ظاهر الحال، كما المواقف الإيرانية والسورية المتشدّدة من سياسة أميركا المتواطئة مع الكيان الصهيوني، ماضياً وحاضراً، توحي كلها بأنّ أطراف محور المقاومة لن تكتفي بموقف الرفض للضغوط الأميركية والروسية؟ الاقتصادية والسياسية بل ستبادر الى إجراء ما هو أشدّ وأقسى. في هذا المنظور يستطيع المراقب المتابع ان يستشرف ويستنتج الآتي:
لا شك في انّ للقيادة العليا المشتركة لأطراف محور المقاومة أولويات للمدى القصير وأخرى للمدى الطويل في شتى ميادين المواجهة مع الولايات المتحدة و»إسرائيل». لعلّ أولى الأولويات تأمين استمرار إيران في إنتاج نفطها وتصديره. ذلك لأنّ واشنطن أعلنت اعتزامها فرض وجبة جديدة قاسية من العقوبات في مطلع شهر أيار/ مايو المقبل يكون من شأنها منع إيران من تصدير نفطها، وهو مصدر دخلها الرئيس، وذلك بقصد ضرب قدراتها وإحباط دعمها لحلفائها. طهران تحسّبت لهذا التحدي الخطير بمواقف خمسة:
التفاهم مع روسيا على نقل نفطها عبر بحر قزوين الى شتى أنحاء العالم.
التفاهم مع الصين، وهي أكبر مستوردي النفط الإيراني، على نقله بواسطة ناقلات صينية من موانئ التصدير الإيرانية على شاطئ الخليج الشرقي.
التفاهم مع مستوردي النفط الإيراني على تقاضي ثمنه بعملة غير الدولار الأميركي أو مقايضته بسلع وبضائع شتى.
تأمين حاجات سورية من الوقود بتسيير أسطول من صهاريج النفط والغاز من إيران إليها عبر العراق، والضغط على مصر لإعادة النظر بقرار منع مرور الناقلات الإيرانية المتجهة إلى سورية عبر قناة السويس كونه منافياً للقانون الدولي ولأحكام المعاهدة التي تنظّم الملاحة عبر القناة المذكورة.
الضغط على روسيا لاستجابة طلب سورية تسيير ناقلات نفط من موانئها على البحر الأسود الى الموانئ السورية على البحر المتوسط بغية تأمين حاجاتها النفطية والغازية.
ثانية الأولويات مواجهةُ التهديد الصهيوأميركي لأمن إيران وسورية القومي وللحصانة الأمنية لحزب الله كونه القوة الرادعة لـِ «اسرائيل» والمشارك في حماية كلٍّ من لبنان وسورية على حدودهما الجنوبية مع فلسطين المحتلة. ذلك كله يستوجب توسيع دائرة الاشتباك مع العدو الصهيوأميركي بمشاغلة القوات الأميركية في منطقة التنف على الحدود السورية – العراقية، وفي محافظتيّ الرقة والحسكة، وربما القوات «الإسرائيلية» في الجولان المحتلّ.
ثالثة الأولويات مواجهةُ ردود فعل أميركا و»إسرائيل» المحتملة على قيام أطراف محور المقاومة بتوسيع دائرة الإشتباك معهما وذلك باعتماد تحركات أمنية محسوبة، بعضها منظور وبعضها مستور، لإفهام العدو الصهيوأميركي بأنّ أيّ استهداف مباشر لإيران أو لسورية سيؤدّي إلى ردٍّ صاعق وشامل من أطراف محور المقاومة ضدّ قواعد أميركا العسكرية في غرب آسيا وللكيان الصهيوني بشكل مباشر وبالغ الشدّة.
رابعة الأولويات تعاونُ روسيا وإيران في مقاربة سياسية ضاغطة على تركيا لتجاوز حال الخصام الى حال الوئام مع سورية كونهما يواجهان تحدياً ومخططاً صهيوأميركياً يرمي الى إضعافهما وصولاً الى تفكيكهما عبر تمويل وتسليح جماعات اثنية متمرّدة على الحكم المركزي في دمشق وأنقرة، ناهيك عن وجود دول وشركات أميركية وأوروبية طامعة بمشاركة وحصة وازنتين في ثروات العراق النفطية، كما في فرص استثمار مكامن النفط والغاز البرية والبحرية في سورية.
خامسة الأولويات قيامُ الصين وروسيا وإيران و»مجموعة شنغهاي» بتنفيذ مشروع اعتماد عملة ثقيلة بديلة من الدولار الأميركي لأغراض التجارة الدولية، وإقامة مصرف عالمي للتمويل الإنمائي.
أخيراً وليس آخراً: لا داعي للخوف من ترامب وتهويلاته، لكن حذار الإستهانة به…
وزير سابق