مبادرة سلام من صنعاء عبد الملك الحوثي والذين معه
إبراهيم سنجاب
في حواره الأول مع فضائية عربية ذهب السيد عبد الملك الحوثي بعقول متابعيه في اليمن وفي المحيط العربي والإقليمي والعالمي، وبعث برسائله للداخل والخارج ببساطة ووضوح، كما هي عادته – لا تنظير ولا تقعير وكما هو مظهره في كل مرة .
قد لا يلمح الكثيرون مبادرة السلام التي أطلقها بين طيّات حواره، وقد لا يلمح البعض أنه وضع أسس التعامل مع دول الجوار التحالف في مرحلة مقبلة سواء استمرت المواجهات المسلحة أو توقفت في أي وقت من الأوقات. لكن كل من تابع الحوار سمع ورأى وتأكد وتعلم أن هناك مشروعاً وطنياً بأسس واضحة للتعامل مع شركاء الوطن وفقاً للمبادئ الثلاثة التي يقوم عليها مجتمع قبلي ما زال محافظاً كاليمن، الوطن والدين والقبيلة .
القائد عبد الملك الذي تنسي طلته على محبيه قسوة آلامهم بسبب الجوع والمرض والحصار، وتزيح عنهم آثار ما ترتكبته أجهزة مخابرات العالم التي لا ترحم من جرائم ممنهجة تستهدف تدمير نفسية اليمني وضرب مبادئه ومعتقداته ونمط معيشته، بينما تواصل وسائل الإعلام حول العالم حملاتها التي لا تهدأ عبثاً في عقول اليمنيين الصامدين حتى الذين مع العدوان سواء من المنافقين أو الخونة أو المغرر بهم. أما مرتزقة العواصم فقل فيهم ما شئت فهم عملاء لمخابرات العالم ووجوه مظلمة على شاشات فضائياته، يقولون ما لا يفعلون ويحرّضون على الموت مقابل دراهم معدودة، يعتقدون أنهم ناجون !
حتى عندما يحدث التوافق على مخرج مهما كان ضيقاً للأزمة اليمنية، وعندما يعود الأبطال من الجبهات وسيعودون، لن يكون الغد كالأمس. وعندما تخمد نيران الحقد والاستكبار وستخمد، لن يكون من شارك في الصبر كمن تاجر به. باختصار لن يكون من باع كمن اشترى. باختصار لن يكون من أوقد النار كمن ضحّى بحياته لإطفائها. ويكفي الخونة والمنافقين والمرتزقة والعملاء والمغرر بهم ما لحقهم من عار الترحيب بالأجنبي أياً ما يكون لون بشرته، وأياً ما تكون أهدافه وغاياته، وأياً ما يكون مستوى تصنيف جرائمه الأخلاقية ضد الإنسانية .
ظهر زعيم الأنصار هادئاً لبقاً متكلماً متحدثاً محدداً لأهدافه من الحوار، ورغم تعدد المحاور التي طافت بعقول متابعيه، إلا أنه من وجهة نظري كان حواراً من أجل طرح مبادرة سلام مكتملة، فيها ما يقبله اليمنيون لإنهاء الحرب وما سيقبلونه مستقبلاً، وفيه إشارة لسقف التنازلات التي يمكن التفاوض بشأنها والأوراق التي لا يمكن التخلي عنها مطلقاً حتى لو بلغت الحرب مداها سواء الزمني أو المادي والمعنوي. إذن نحن الآن أمام موقف واضح على المستوى المحلي بالرغبة في إنهاء الأعمال القتالية والجلوس حول مائدة تفاوض على مبدأ الشراكة، ونحن الآن أمام موقف أوضح من الحفاظ على حقوق الجوار الإقليمي سواء مع السعودية أو الإمارات أو على مستوى دول حوض البحر الأحمر العربية .
في كلامه عن علاقة أميركا بـ»إسرائيل»، وأميركا و»إسرائيل» بالأنظمة العربية، كان زعيم الأنصار أكثر وضوحاً، هم أحرار في علاقاتهم، ولكن لن يفرضوا هذه العلاقة على اليمن، أما إيران فقد كان كلامه تنكيتاً وتبكيتاً للعرب، كيف تخلّوا عن قضية فلسطين التي زعموا أنها قضيتهم المركزية منذ نكبة 48 بحيث تظهر إيران وكأنها المدافع الأول إن لم يكن الوحيد عن الحق الفلسطيني؟! ومن هنا جاء تأييده بوضوح لموقف إيران من العداء الأميركي الذي يرتدي ثوباً عربياً، ومن حزب الله الذي يدافع عن لبنان وفلسطين معاً.
ومن هنا نلمح أنه جرت مفاوضات لا يعلم هادي منصور ولا حركات الجنوب عنها شيئاً، وغير تلك المفاوضات التي يقودها المبعوث الدولي مارتن جريفت، مفاوضات ليست على الحديدة ومطار صنعاء والحصار فقط، ولكن مفاوضات حول شكل ودور الدولة اليمنية إذا توقف العدوان بأوامر أميركية، وفي الحوار أراد سيد الأنصار أن يلمح إليها ويؤكد على نقاط معينة أثيرت وما زالت مفتوحة ربما للتفاوض وربما لاستئناف القتال بشكل أكبر وأوسع لأسباب لا تتعلق باليمن فقط، ولكن تتعلق بترتيبات محلية يمنية وإقليمية عربية ودولية .
نائب رئيس تحرير صحيفة «الأهرام» المصرية