من يافا إلى موريتانيا والأسد والأمل وقلق الأعداد وفلسفتها وكيف يكون الصباح للوطن
جال الصباح فوق غمامات الفجر تحجب المدن والقرى، ليقرّر أين يحطّ لجولته قبل الطلوع، فشاهد الجنود بآلياتهم يمسكون عقد التنفس بين الطرقات في فلسطين، ويخنقون مداخل محطّات القطارات والمطارات والشوارع الكبرى، فأراد أن يتعرّف إلى الحكاية، علّ هناك مجرماً يعين الجند على إمساكه، فصار يذهب إلى ما بعد ما بعد المدن. ولمّا وصل إلى حيفا سمع صوتاً يهدر في الفضاء ما بعد بعد حيفا، يترجع صداه منذ سنين. أرسل الصوت إلى المختبرات للتحليل، فإذ هو صوت سيد المقاومة من حرب تموز، فسأل غيمة شاردة عن مكانه، فقالت حيفا في فلسطين يا أيها الصباح الشارد. قال لها: وماذا سأجد خلف هذه الحشود؟ أجابته: كلّ ظلم الأرض هنا، وكلّ قذارة النفس البشرية في هؤلاء الممسكين بأحدث الآلات الفتّاكة، وكلّ القهر خلف خطوطهم بين ناس نزعت منهم ديارهم ومزّقت هويتهم، واليوم يمزَّق شبابهم وعمرهم وأمالهم، كلّ ما تراه العين وتلمسه اليد مُزِّق منذ زمن، وجاء دور ما لا يرى ولا تمسكه يدٌ كالعمر والأمل والحب والفرح والشباب والمستقبل.
فحمل بعض أسماله وأكمل المسير إلى بيوت الفقراء خلف شواهق أبراج المدن وفي القرى خلف الساحات وخطوط انتشار الجند، وسمع همس شباب لم يبلغوا العشرين، ورجال تجاوزا الخمسين، والهمس واحد، سنصطادهم بما لا تستطيع آلات التفتيش اكتشافه، نركب سياراتنا ونضع أرواحنا وقد شحذنا نصلها بأيدينا، ونندفع بلا هوادة ندهس وندهس وندهس ما تيسر منهم حتى تأتينا رصاصتهم فنرتفع شهداء.
قرّر أن يمنح روحه لهؤلاء يلتحفون بها، وقال أين هو صوت السيد، فجاءه المدد، السيد يقول: «سنجعلكم تحملون فرقكم الخمس على ظهوركم أشلاء»، فقال حسناً هذا شعار جيل كامل، فلنبدأ الخطوة الأولى، ومضى يمسك عجلات سيارة يقودها شابّ فلسطيني أو جرّافة يقودها كهل، أو عربة خضار تقودها امراة، ودعاهم إلى تنسيق يوم وساعة ليكون معهم في يوم الدهس المقدّس. وقال يوم تبلغ عمليات الدهس المقاوم ألفاً، ستعود لكم فلطسينكم ولا تنتظروا مال العرب وسلاحهم، تكفيكم كلمات السيّد ولحاف الصباح وافتراش الحقّ، وستصلون وترفعون علم فلطسين فوق بيت المقدس. صباحكم مقدسيّ وعطر ياسمين الشام… وعبق شهادة لا ينطفئ زيتها.
صباح القهوة الموريتانية والشعر 15-11-2014
في جولته على بلاد العرب، سأل الصباح عن موريتانيا، وأراد أن يكتشف بلاداً جديدة يهمل ذكرها وحفظ مكانتها أهل العرب الآخرون، ربما لشدّة فقرها أو لطيبة أهلها وابتعادهم عن التجارة، خصوصاً تجارة المواقف. فغالباً يجمّلونها مع البلدان التي يتساءلون عن جدّية هويتها العربية، ويظنّ بعضهم أنها بلد أفريقي لا يجيد أهله لغة الضادّ.
سمع الصباح أهل موريتانيا وشبابها وكهولها يحفظون القرآن والشعر العربي القديم عن ظهر قلب، ويتحدّثون غالباً بعربية فصحى لا أخطاء فيها، وتجمعهم قضايا العرب المحورية بدءاً من فلسطين، ويحتفظون بصوَر جمال عبد الناصر وحافظ الأسد في بيوتهم. وكثيرون من أبنائهم تعلّموا في جامعات القاهرة ودمشق في أيام العروبة الذهبية بِمِنح تعليمية منهما. وحاضراً يغزو جدران المنازل والقلوب سيد المقاومة، ويرونه سيد العرب والعروبة.
فشلت التنظيمات التكفيرية في تحويل موريتانيا وكراً لها، وفشل الموساد في جعلها نقطة ارتكاز، وفشل الخليجيون في جعلها إمارة لمتعهم. في موريتانيا سياسة وثقافة وحضارة وجامعات وشباب متعلّمون ومناضلون منذورون لفلسطين.
مرغ الصباح جبهته بتراب موريتانيا وجاء إلى بلاد الشام، ألقى الصباح على دمشق وخطف غرسة ياسمين ومضى بها يعيد لفّها بالتراب لتنمو هناك حيث بيادر العرب وصحاريهم بلا نفط، فأمّن أنه حيث النفط لا رجال وحيث الرجال لا نفط، وحيث النفط حسناوات شاعرات بتدفّق العطر والزهر، وحيث النفط شعر وحسن أقرب إلى الصناعة. فقال صباحكم ندى وياسمين وحبات رمل صحراوية من موريتانيا… هكذا لا تصاب العزّة والكرامة بجراثيم «داعشية»، ولا بلعنة وهابية، ولا يلفحها داء التثاؤب الذي يصيب الأمراء والملوك، فلا يرون الصباح ولا يسمعون فيروز. ومن في موريتانيا من أهل الصحراء العربية الحقة يحفظون فيروز لصباحاتهم، فهم أمراء الشعر والشهامة لا أمراء البراميل والقمامة… صباحكم قهوة موريتانية وياسمين دمشقي وسيد المقاومة يلقي صباح عباءته من مشرق العرب إلى مغربهم.
صباح برج الأسد 16-11-2014
في لحظة من اللحظات النادرة، صادف الصباح جنوداً يتحرّكون بصمتٍ وألياتٍ تنتشر، كما صادف ضبّاطاً يتهامسون. وعلى خلاف المرّات السابقة التي شهد فيها سورية مع العشرات من الحركات الانقلابية، شهد التنظيم والاتّساع على مساحة سورية كلّها، فأدرك أن هناك ما يستحق الانتظار. سأل ما كان يسأله الناس عادةً عن اسم قائد الانقلاب، فسمع بالهمس اسم حافظ الأسد، مع إضافة: «هلمرة مو متل كلّ مرة، هاد مشروع دولة مو مشروع سلطة»، قال ذلك أحد المفكّرين، وظلّ ذلك في أذن الصباح، ليعرف الفرق بين السلطة والدولة.
وفي بلاد الشرق يضيع المفهوم في الكلمات على رغم أنها أمّ اللغات، فراح يفتش ويسأل ويراقب سنة بعد سنة، وهو يتعلم الفرق، في الدولة تكون الأولوية لإنفاق المال على عمران المناطق النائية لا لرفاه أبناء الحاكم وبناته. وفي الدولة يدرس أبناء القائد في المدارس والجامعات ذاتها التي يدرس فيها أبناء الفلاحين والعمال. وفي الدولة الطبابة حق مكتسب للفقراء مثلهم مثل كل المواطنين. أفضل تقنيات الطبابة للجميع مجاناً. وأفضل الجامعات للجميع مجاناً. والسكن طريق متاح بما تيسّر من مال بسيط. والطرقات والكهرباء والماء والإنصالات خير عميم لا يعرف التمييز والتقسيم.
في السلطة كل شيء للخاصّة، وعلى العامّة تدبير رؤوسهم. يفتح أهل الخاصّة المدارس والجامعات والمستشفيات، ويدفع الناس أموالهم وأرزاقهم ويبيعون ما فوقهم وما تحتهم للتعليم والطبابة. وفي الدولة تستعد الجيوش للحروب نحو أعداء الخارج، وتنشط الدبلوماسية لشرح الحقوق. بينما في السلطة تنشط الجيوش لتسمين كروش قادتها وتكديس ثرواتهم بعمولات صفقات السلاح والدبلوماسية السرّية تقايض كرامة الوطن ببقاء الحاكم.
قال الصباح عندما كُسر أوّل تمثال يخلّد ذكرى حافظ الأسد، لقد كُسرت الدولة في سورية، وسيخرج من يبني الجامعات والمستشفيات ويبيع التعليم والطبابة للناس وسيخصخصون الماء والكهرباء والهاتف، فالحرب هي على الدولة والجيش والرئيس، كي لا تبقى دولة، حتى جاء حمد القطري يحمل الرسالة إلى الرئيس يقول كن كحاكم البحرين إفعل ببلدك ما تشاء ودَعْ «إسرائيل» والمقاومة. أي كُنْ سلطة لا دولة.
تحقّق الصباح من أن سورية تقاتل بشعبها وجيشها وراء رئيسها لأنه يرفض مقايضة الدولة بسلطة، فقال لا تردّدوا كلمة النظام وإسقاط النظام، لأن القضية إسقاط الدولة. وانحنى الصباح أمام ضريح حافظ الأسد ورمى وردة وتطلّع صوب قاسيون وقال: سورية الله حاميها… ما يدفعه بنوها دماً لحمايتها سيكون دماً يبكونه عليها إن لم يفعلوا… صباحكم نصر وعزّ وكرامة.
الصباح ورجال الدين وأربعة أرباع 17-11-2014
لبس الصباح ثوب رجل دين واختاره مسلماً هذه المرّة، ليجول بين الناس ورجال الدين، ويسمع ويفهم ويتعلم ويعلّم. فخاض غمار رحلة البحث عن أمثاله وماذا عساهم يفعلون قبيل الطلوع. وجد كثيرين منهم يتوضأون ويصلّون ويعودون إلى زوجاتهم يوقظونهن لإعداد الفطور، أو متحرشين، وبعضهم يواصل قراءة القرآن على سجادة الصلاة، وبعضهم يستعد للمغادرة إلى عمل تجاريّ، وكثيرون منهم يضعون شروط وجبة الغداء على أزواجهم، أن تكون دَسَماً مفرطاً قبل أن يغادروا. ومنهم من يعطي زوجه بعضاً قليلاً من مال وفير في جيوب ثوبه مدّعياً فقر الحال محاضراً في قواعد التوفير المنزلي.
صار يجول ويجول، فيجد من يذهب ويمضي نهاره في المسجد، ينتبه لأحوال المصلّين ويرشدهم لكيفية تلاوة القرآن وتجويده، أو أصول الصلاة، أو الوضوء ويجيب على أسئلتهم عن الحلال والحرام، والحيض والنفاس والاجتناب. حتى مرّ بقرية نائية فيها رجل متصوّف، يغسل الأواني لزوجه وأولاده وهم نيام ويعدّ لهم الفطور. أخذ يتأمله، وهو يتمتم آيات من القرآن، فلما صحت زوجه قبّل يديها، ولما صحا أولاده الكبار قبّل جبين كلّ منهم، أما الصغار من أحفاده فقد غسل أقدامهم وقبّلها. فسأل زوجه عنه همساً من يكون، فقالت إنه رجل دين متبحر في علوم الدين الإسلامي، ترك المدينة وهجرها ليلجأ هنا إلى الزراعة والفلاحة والقراءة وقد بلغ الثمانين. فألقى عليه تحية الصباح، طالباً مساعدته في فهم بعض الغموض. فقال اسأل وسأجيبك بما أعلم، وما لا أعلمه فأقول العلم عند الله، وهذا أول العلم وآخره. فقال الصباح من هم رجال الدين، فقال المتصوّف، أربعة أرباع: ربع لجسده وربع لجيبه، وربع للناس بحدود العلم والجهل والجهل أغلب، وربع لله. وربع الله أربعة أرباع: ربع جاهل، وربع متوهّم، وربع طريقه العبادة وهو بعيد عن النار، وربع طريقه الناس وباب الجنة فتح لأمثاله.
فقال وماذا عن الأحزاب الإسلامية، فقال المتصوّف: لا تحزب في الإسلام، ولو شاء لخلق الناس أمة واحدة، التحزّب فعل دنيا لا فعل دين، ومن استعان بالدين لحزبه واهم أو منافق. فسأله والجهاد، فقال المتصوّف: من تحزب بالله لجهاد في وجه غزو أو عدوان أصاب طريق الجنة. ومن تحزّب وجاهد لخلافهما ضل الطريق نحو النار، وكل نقطة دم تسيّلها يداه، تسكب ناراً في عينيه يوم القيامة. فسأله وماذا عن «داعش»، فقال كتلة أقفال معدنية يديرها مفتاح نحاسيّ صغير في جيب أمير، وسيد القطيع من صفر الروم وليس عربياً ولا مسلماً، وجد «الداعشيون» لتبقى «إسرائيل» فلا يقاتلها احد.
قال الصباح: و«النصرة»، فقال المتصوّف: للصلح مع «إسرائيل». قال الصباح: جاء وقت الرحيل. فقال المتصوّف: وزع العطر ولا تخف، فقد عرف أمثالهم الأسلاف وكالزبد مضوا، فما ينفع الناس يمكث في الأرض وأما الزبد فيذهب جفاءً… أغمض الصباح عينيه، وألقى التحية ونثرها بقعاً من الضوء لتعمّ المدن والأرياف، ومضى… صباحكم نور.
صباح الأمل بمنسوب القلق 18-11-2014
تساؤل يحمله الناس للصباح عن قلق من الآتي معه، فأصحاب الأرزاق يستفيقون بأمل أن يجلب الصباح الخير وقلق من ألا يحدث. والعشّاق مع الصباح يفتحون عيونهم على انتظارات يأملون بها وخشية ألا تقع. وأهل القضايا بسعي إلى أفكار ومبادئ وأهداف وثقة وقلق. فالصباح أمل يساوره القلق، والشعور بالأمان ثقة بما تضع من حسابات الأمل وتخفيضها وتوقع الأسوأ وبقائه آمناً فيتراجع القلق من دون أن يرتفع الأمل. لعبة القلق والأمل تشتدّ بهما معاً فتقسو وتحلو بارتفاعهما معاً. الأمل المرتفع حلاوة، لكنه لا يأتي بلا مصاحبة قلق مرتفع وما فيه من قساوة. أن تثق بما أعددت لأسئلة الامتحان وفقاً لكلّ التوقّعات، تكاد تنعدم لديك حالة القلق. لكن من يضمن عدم تعرّضك لحادث قبل دخول قاعة الامتحان، وربما حدوث ظرف يؤدّي لإلغاء الامتحان أو تأجيله، ولا ثقة لديك أن استعدادك سيكون نفسه حينئذٍ.
القلق مصاحب للمفاجآت والأمل مؤسّس على حدود التوقعات، ومهما كانت التوقعات مفتوحة على كل مدركات العقل ثمة مفاجأة تأتي من حيث لا تتوقع لأن مساحة الأمان كانت عالية وجاءت منها المفاجأة. فأنت ذاهب إلى موعد هام وقد أعددت كل شيء لتصل في الوقت المناسب. لكنك وثقت أن سيارتك في أتمّ جهوزية وفاجأتك خلافاً لعادتها بخلل صباحي طارئ. فاجأك مرض أحد أفراد الأسرة ومفاضلة بين موعدك ونقله إلى الطبيب. الصباح لا يصنع المفاجآت، بل تظهر معه، والصباح لا يصنع الآمال بل يضيء عليها. الصباح ملؤه آمال وملؤه قلق والمفاجآت هي من خارج حدود الإدراك والمتوقّع. كلما خفضنا سقف التوقعات مهما بلغت درجة الثقة، كان القلق أدنى وقسوة وقوع المفاجآت المؤلمة أقل، ووقع المفاجآت السارّة أعلى. وكلما كانت الآمال محكومة بفرضيات التعقيد والتأجيل، يصير الصبر لتحقيق الآمال دواء، والصبر على المفاجآت، مصل الرجاء، لكن كليهما يعني عند ارتباط الأمل والقلق بحليف في الحرب أو صديق في الحياة إضعافاً للثقة وفرح الحياة. لأجل الفرح نحبّ للثقة أن تكبر ولتكن المفاجآت، ولنبستم للدنيا مع الصباح، ففي الحرب يختلف الأمر عن الحياة، في الحرب لا نتوقع إلّا الأسوأ ولا ثقة إلا برصاص البنادق، لأننا نريد صباحاً يمحو عتمات الليالي. وفي الحياة نريد صباحاً يتلوه ليل جميل، والليل والصباح يتناوبان كالقلق والأمل، فليكن إذاً الليل للقلق والصباح للأمل ولتقع المفاجآت، المهم ألّا تنعدم الثقة خشية وقوعها… صباحكم أمل.
صباح الأرقام السعيدة 19-11-2014
تساءل الصباح عن حكاية الأرقام التي صاغ بها البشر معادلات الحياة وهم يصرّون على أن الخالق عالم رياضيات مولّع بها محكوم بحساباتها. فتوقف أمام معادلات القدماء التي سادت آلاف السنين والمعادلات الجديدة. فوجد أن القدماء اعتمدوا أرقاماً غير قابلة للقسمة هي: 3 و7 و13. وعليها بنوا لعبة الوقت وحركة الكواكب. بينما اعتمد المعاصرون أرقاماً قابلة للقسمة كـ: 12 و24 و60. وهي ضمناً مبنية على قاعدتَيْ: 3 و5. و2 دائماً حاضر، فـ:12 مصدرها 3، و60 مصدرها 12 مضروبة بـ3.
أراد الصباح مجاراة الفريقين في اعتماد فكرة الخالق عالم رياضيات، وتساءل أيّ التقسيمات أدقّ أو أسهل أو أجمل، فوجد أن السبعة بقيت مهيمنة في المرحلتين ففيها أيام الأسبوع، التي ما تخطتها معادلات التغيير، لكنها كرقم أضعف من تفسير كل الظواهر، فمتوسط نبض القلب عند البشر هو 60، ومنه اشتقاق طبيعي للتوقيت، وأساس منطقي للدقيقة والساعة عبرها، وتوزيعهما على الليل والنهار بأربع وعشرين مجموعة أو باقة. نجح في احتواء حركة طبيعية لتعاقب الليل والنهار، فقال إنها الثلاثة والخمسة إذن، لكنه وجد لـ13 مكاناً لا غنى عنه في الحسابات، ففائض أيام السنة الـ360 وهو 5، يتجمّع في ستّ سنوات ليصنع شهراً، وتصير سنة كل 6 بـ13 شهراً قسّمها الناس خمسة أيام لكل سنة للتلاؤم مع دورة الشمس الكاملة لتعود إلى موضعها في تعاقب الفصول. وتوقف أمام الفصول، فإذ هي أربعة. فقال إذن الـ12 هو 4 بـ 3 ولا لزوم لـ2، فالفصل ثلاثة شهور والسنة أربعة فصول، والحساب أصله ثلاثة أربعة خمسة، وتأتي السبعة والثلاثة عشر تتمّات، خمسة أيام عمل هو الأسبوع، ويومان للراحة، وبدأ يفاضل بين الثلاثة والأربعة والخمسة ليعرف أيها الأصل، فوجد مرة ثلاثة أبعاد الطول والعرض والعمق، ومرّة أربعة فوق وتحت ويمين ويسار، وشرق وغرب وشمال وجنوب، لكن الأربعة هي الثلاثة، وأحياناً إثنين من الثلاثة فقط مفصلاً، فهي أبعاد الطول والعرض، أو العرض والعمق، فوصل إلى معادلة آينشتاين الوزن والسرعة والزمن، أساس الطاقة، فاعتمد الثلاثة، لأن الأربعة هي إثنين مفصل بقوة العين يميناً ويساراً، حتى البوصلة هي شمال والطبيعة شرق وغرب، والجنوب هو امتداد الشمال ونهايته، فالأبعاد هي خطّ الشمس أيّ الشروق والغروب، وخط الجذب المغناطيسي أي البوصلة المتجهة نحو القطب الشمالي وخط الحركة أي الطاقة لتبادل الأيام والفصول بالنسبة إلى الأرض، والثلاثة هي الأساس، والإثنين هو صانع الطاقة، السالب والموجب، الحق والباطل والخير والشر، الأبيض والأسود، الليل والنهار. والثلاثة للأبعاد من رأس وجسم وأطراف، ومقدّمة وشرح ومعالجة واستنتاج، وفطور وغداء وعشاء، والمعدة ثلث ماء وثلث هواء وثلث كلام أو طعام، وأحبهم لقلبي ثلاثة، المرأة والطيب وقرة عيني الصلاة، وأحب أولادي ثلاثة مريضهم حتى يشفى، وصغيرهم حتى يكبر، وغائبهم حتى يعود. كل معادلات المنطق والطاقة ترسو على ثلاثة، وكل معادلات الحركة والزمن تبنى على إثنين.
قال الصباح، العاطفة والمشاعر قاعدتهما إثنان كالإيمان والحب والوطن والشهادة، حياة وموت وعاشقان، وطن ومواطن. وكل معادلات العقل على ثلاثة، فنظموا حياتكم على تشكيل هو حاصلها، وأوقاتكم من جمع وضرب بينهما، ولما تريدون للراحة أضيفوا إثنين إلى الثلاثة مع إثنين تصير خمسة فسبعة، وكل فائض انصبوا له خيمة الثلاثة عشر وأعيدوا توزيعها كي لا تضيعوا في التخمة… صباحكم نور وطيب، ونهاركم حبّ وخير وجمال.
صباحٌ للصباح من الوطن 20-11-2014
عندما أراد الصباح أن يعرف قيمته في عيون محبّيه، فرض عليهم سهرة حتى الطلوع وناداهم، وقال لهم بإمكانكم الآن أن تناموا، فقد جئت وأطمأنيتم لوجودي. وصحيح أنكم كنتم تمرحون مع الليل حبّاً به، لكنني أقدّر لكم انتظاركم حضوري ولو أنّ بعض الساهرين لا ينتبه أنه وقتي لشدة انغماسه في السهر وفرحه بشراكته. لكنني فرحٌ أن ألتقيكم تنتظرون أو تشهدون طلوعي.
قبل بعض الساهرين الذهاب إلى النوم، فعلم أنّ قيمته عندهم عندما يكونون هم على توقيتهم وليسوا مستعدين لمنحه ولو دقائق مجاملة احتفال الحضور. ولما أصاب القلق واحداً منهم علم أن ضميره حيّ لا قلبه، لذلك يتألم لأنه مدرك كم سبّب من جرح للصباح فيغالب نعاسه ويستيقظ ويغفو، فخفق له قلبه حناناً وساعده لينام لتحية ضميره. ومن ناموا بلا قلق ترك الندى يبلل أطرافهم علّهم يستيقظون لأعمالهم لأنهم محبّو نوم عندما يشبعون من التسلية في غفلة من الصباح ويظهرون له إبتسامة تنظفئ مع ظهوره كترحيب تاكسي المطار بالمسافرين العائدين.
ومن بين مَن بقي مع الصباح، مَن كانت تسليتهم قد انتهت وأصرّوا على الانتظار لأنّهم عشاق، وينتظرون اكتمال فرحهم بالضوء بعد متعة العتمة. بارك الصباح عشقهم لكنّه تجاهلهم كي لا يحرج قبلة عاشق وغضّ بصره عنهم. وبلع بِريقه ومضى يستكشف أحوال الباقين من المنتظرين، فوجد من بقي يدرس أو يكتب أو يستعدّ للذهاب إلى العمل. قال هؤلاء معذورون أن يفرحوا بحضوري ولو كانوا في صفوف منتظري طلوعي. أما من حمل إبريق السقاية لورود الدار، وصوت فيروز من حوله، فقد وضعهم في دائرة المقرّبين الذين يكتمل بهم ومعهم طلوع الصباح. ومع شعاع الضوء الأول يكون لهم النهار وينتهي حضور الصباح على المشتاقين.
الصباح خفيف الظل وليس معطلاً عن نوم ولا عن درس أو عمل. هو ساعة وتمضي، لمن يحبها ويلاقيها بفرح الضوء حتى نهاية النهار، بقي واحد من المنتظرين يتأمل وجه الصباح ويسعى إلى ملامسة وجنتيه، ويكتب له الشعر، حتى صار وقت رحيل الصباح يودّعه. فعرف الصباح حبيبه، وميّزه بكمشة عطر نثرها على جبينه وأخذ بيده إلى من كان قلقاً بين المنتظرين، ونام ينازعه ضميره لجرحه صدفة التلاقي بالصباح وإدارة ظهره لها. وقال له كن ضنيناً بهذا فهو أكثرهم ضميراً، ونصحه بأن يجد عملاً معه، لأنه جدّيّ في كل شيء وضميره حيّ، أما الذين ناموا من لحظة الطلوع فقال دعهم لفوضاهم يعمهون. والذين ذهبوا إلى دراسة وأعمال، قال له هؤلاء أهل ثقة فلا تخشاهم لأنهم يحسنون استثمار أوقاتهم ولا يضيع عليهم الاهتمام بصديق أو حبيب ولو كانت أعمالهم هي أولوياتهم. أما سقاة الورود ومحبّو فيروز مع الصباح، فهم الأصدقاء الذين يعرفون فرحاً لا يعرفه الذين ناموا من دون مجاملة ولا حرج. أما أنت فستبقى معذباً مثلي لأنك تقيم لكل شيء حساب.
ولما مضى الصباح، حمل حبّه وصيته فعرف أنها عن الوطن لا عن الصباح، بين من ناموا عن ندائه ومن أنّبه ضميره للنوم، ومن مضوا إلى أعمالهم مع ملاقاة الوطن، وظلّوا مخلصين مجدين، ومن أدّوا للوطن فرح الشهادة ورداً وغناء، ومن بقي حارس الوطن الأمين… صباحكم وطن.