مزيد عن الأمين رجا المسالمة
الامين سليم سعدو سالم:
سابقاً كنا نشرنا نبذة عن الأمين رجا المسالمة. نقترح، لمن يرغب الاطلاع، الدخول إلى موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info في كتابه «حان الوقت» يورد الأمين سليم سعدو سالم هذهِ المأثرة عن الأمين المسالمة ننشرها لفائدة الاطلاع.
ل. ن.
« بعد يوم أو يومين بدأ التحقيق معنا وكـن يجري في مكتب مدير السّجن، واستدعيت مع اثنين آخرين أحدهما رفيقنا البطل رجا مسالمة، كان باب غرفة المحقق مفتوحًا على مصراعيه مما اتاح لنا في خارج الغرفة أن نرى ونسمع كل ما يجري ويقال في الداخل- ربما للتأثير على أعصابنا وإضعافنا بسبب الصراخ والشتائم الموجّهة لأي واحد منّا، المهم أن أٌدخل رجا مسالمة قبلي، وأنا انقل ما سمعتهُ وشاهدتهُ، اسئلة كثيرة طُرحت عليه ولكن أبرزها حين سألهُ المُحقق ماذا قال لكم انطون سعادة؟ وردّ مسالمة ببرود وهدوء: لا أعرف هذا الاسم، وكرر المحقق السؤال، وكرر رفيقنا الجواب نفسهُ، لا أعرف انطون سعادة، وأخيراً صرخ المحقق: ماذا قالَ لكم ياللي وزّع عليكم السلاح، فرد مسالمة بهدوء: آه، الزعيم، نعم، ورد المحقق غاضباً: إيه، الزعيم، هيك وهيك إلك وللزعيم… شو قال بعد أن وزّع عليكم السّلاح؟ وهنا كرر المحقق سؤالهِ مُرفقاً بكم قذر من الشّتائم، فشدَّ مسالمة كتفيه ونفخ صدرهِ كجندي يقفٌ في الطابور وقال: قال لنا الزّعيم: « أيُّها القوميون الاجتماعيون» نطقها رفيقنا بنبرة خُطابيّة واضحة, ثُمَّ سكتْ… التفت المحقق لكاتب المحضر يستعجله: سجل، اكتب: أيُّها القوميون الاجتماعيون، والتفت إلى مسالمة يستنطقهُ: ماذا بعد؟ شو قال بعدين؟… فرد مسالمة بهدوء كرجل ساذج تماماً: بعدين صار يحكي لبناني وما فهمت شو قال. وهنا انفجر المُحقق وراح يصرخ بكل ما في القاموس من شتائم، ولم يتم التحقيق مع رجا مسالمة وأُخرجَ من الغرفة.
رجا مسالمة أعرفهُ تماماً، شاب مُثقف، هادئ الطباع، عرف كيف يستثير المحقق ويتخلص من أسئلته بل ونجح في جعلهِ أُضحوكة ومُهرجًا بعد أن استثار أعصابهِ وأفقدهُ صوابه.
المحاكمات المهزلة
لا ضرورة للدخول في التفاصيل الّتي صارت معروفة، ماذا قال فلان وماذا قال علتان، ومعروف أيضاً الجو الإرهابي الّذي افتعلتهُ الحكومة اللّبنانيّة ولكن من الضروري الإضاءة على كيف كانت المُحاكمات.
وابدأ ما سُمّيَ محاكمة الزعيم، هل فعلًا كانت محكمة؟، وهل يصدق إنسان أن يتم القبض على سعادة بتلك الخديعة المعروفة الّتي قام بها حاكم سوريا آنذاك – حسني الزّعيم – وأن يُحاكم إنسان – مُطلق انسان وهو نصف نائم لشدّة النعاس وحرمانهِ من النوم لأكثر من 72 ساعة متواصلة عدا الإرهاق والقلق، وأن يتم التحايل بنصوص قانونيّة لحرمانهِ من توكيل محام يراجع ويدرس الملفات والتهم – بغض النظر عمّا تحويه تلك التهم، وأن يتم تنفيذ حُكم الاعدام الاغتيال، ثُمَّ يسمّون ذلك مُحاكمة.
نعم, بعد ست وستين سنة، لا تزال الصّورة محفورة في الذاكرة والوجدان، صحيح أن المشاعر قد تخف او تبهت، ثُمَّ تنزوي كالذكريات ليسَ أكثر، إلّا في حالة واحدة، فإنها تقوّى وتحفر عميقًا لتكون جُرحاً لا يندمل ويتحول الجرح إلى سؤال جمعي في الوجدان التاريخي للأمة، بل ومسألة أُمة ووطن، مسألة أجيال لم تعرف سعادة، ولم تتعرف عليه، إلا من خلال رجال رباهم ورعاهم وعلمهم حُبَّ سوريا، ومن خلال مبادئ سقاها دمهُ وتركها وديعة لأجيال لم تولد بعد.