أميركا والإقليم… بين أوراق التفاوض واستراتيجيات الصراع!
فاديا مطر
– بعد تأمين الشريط الحدودي الجنوبي الغربي من مدينة البوكمال السورية الى محيط قاعدة الاحتلال الأميركي في التنف وبمساحة تقارب 230 كم، انتهت العملية الأمنية والعسكرية العراقية – السورية بنجاح في تمشيط جانبي الحدود بين البلدين من بقايا المجموعات الإرهابية الداعشية التي تعمل واشنطن والسعودية على تدويرها بطريقة «قطاع الطرق»، بعد الإعلان عن انتهاء تنظيم داعش في سورية والعراق، حيث إنّ تلك المجموعات اندمجت في جيوب محلية ما زالت ترتبط بالأجندة الأميركية التي ترعاها واشنطن في مخيم «الركبان» الحدودي. فالفكرة من هذا الذوبان هي إبقاء تأثير تلك المجموعات كورقة تعمل بها الاستخبارات الأميركية على قطع طريق بغداد – دمشق الى لبنان، ومحاولات القطع الأمني للمعابر الحدودية المغذية لشريانات اقتصادية تمد البلدين، في وقت ما زالت سياسة واشنطن تعتمد في سورية على طرفين أساسين تختصرهما في «الكرد والتنف» كمركز لإعادة تدوير بقايا داعش ودمجها في مجموعات لا ترقى الى مستوى ملاحقتها أو استهدافها عسكرياً من قبل الجيش السوري وحلفائه في باب محاربة الإرهاب.
لكن الاعتماد الأكثر وضوحاً تختزله واشنطن في المكوّن الكردي كمشروع استراتيجي ينضمّ إليه 400 حندي أميركي أبقت واشنطن عليهم بعد التراجع عن سحب قواتها من سورية، والغاية منهم الإبقاء على زعزعة الحدود السورية – العراقية والفصل بين مشروع «المنطقة العازلة» التركية والحزام «العربي» الذي تعمل عليه أنقرة في الشمال السوري من المجموعات الإرهابية وعائلاتهم التي تمركزت في إدلب، والتي تحاول فيه أنقرة أن يكون «نطاق حيطة» يقيها من الشريط الكردي الممتدّ من كردستان العراق الى البحر المتوسط، وهو مشروع أميركي – سعودي قديم جديد لانتزاع أوراق ضغط وإدارة صراع على كلّ من سورية وروسيا وتركيا على طاولات السياسة مستقبلاً.
فالضفة الموازية للتنسيق السوري – العراقي تعمل بشكل متناسق لإفشال مجموعات واشنطن وتركيا معاً في قطع طرق الإمداد من والى ميناءي اللاذقية وطرطوس، والتفرّغ الكامل لكسر حلقات الإحكام من عقوبات واشنطن في طريق روسيا – إيران إلى العراق وسورية، وهو ما تعمّدت فيه أنقرة المتشاركة مع «الناتو» الأميركي تهييجه في الأسابيع السابقة من استهداف مناطق شمال محافظة حماه وريف اللاذقية عبر مجموعاتها التي اعتبرتها كلّ من الدولة السورية وروسيا قد خرقت اتفاق «أستانة» في المنطقة المتفق عليها، وهو ما يزال ورقة تتشارك فيها أنقرة مع واشنطن في اللعب بهوامش مقرّرات كازخستان التي تعقد ضمن الدول الضامنة في موضوع سورية، لمحاولة الكسب المشترك في حال نجحت واشنطن في أي مفاوضات مقبلة مع موسكو في الموضوع السوري، وهي لعبة «اللعب على الحبلين» التي تمارسها تركيا في كلّ مؤتمرات أستانة التي انعقدت، فتصريح وزير الخارجيتين السوري والروسي منذ أيام عن «أنّ الانتشار الإرهابي في إدلب ليس مقبولاً» وتصريحات نائب وزير الخارجية السورية د. فيصل المقداد بأنّ «دمشق تؤكد أنها ستحرّر كامل أراضيها المحتلة» ما هي إلا إشارات لبدء تحضيرات عسكرية مشتركة لإعادة إدلب ضمن المعادلة السورية التي تراقبها أنقرة وواشنطن عن كثب في تشابك للمصالح التي ترعاها الأخيرة في سورية، لكن تحذير الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله العام في 2 أيار الحالي بمناسبة الذكرى السنوية للشهيد القائد مصطفى بدر الدين ليس مجرد تحذير استباقي، بل قراءة في العمق لمشروع واشنطن وحلفائها في المنطقة والتي تريد منه تضييق العقوبات التي فشلت في ضبط الصادرات النفطية الإيرانية والتأثير الجيوسياسي في معادلة صراعها في الإقليم لصالح الكيان الصهيوني، فالانتشار الإرهابي إنْ كان في طرفي الحدود الشرقية والشمالية لا يعدو كونه ورقة ضغط تفاوضي تأمل منه واشنطن وحلفاؤها إدارة الصراع في منطقة الشرق العربي الآسيوي ككلّ، وهو مشروع متجدد تحاول من خلاله واشنطن الحليفة لتركيا أن ترتب حدوده وخطوطه الحمراء في المعادلة الجديدة والتغيّرات التي تحركها في مشروع «الشرق الأوسط»، فماذا إنْ تغيّرت المعادلات فجأة في غير الصالح الأميركي؟ وهل ستبقي واشنطن على تحالفاتها في الإقليم كما هي..؟
– هو تغيير يتسطر جدياً في وجه واشنطن من قزوين الى الخليج الى المتوسط، وهو ما ستحمله تغيّرات إدلب والحدود الجنوبية التي ستغدو معبراً ينازع في مؤثراته الحصار البحري الذي تغذيه مجموعة واشنطن في أوراق التفاوض التي تدير صراعات المنطقة!