أستانا وسوتشي من الماضي والجيش السوري إلى التحرير سرّ!
محمد ح. الحاج
فشلت تركيا أو هي تظاهرت بالفشل في تطبيق اتفاقات سوتشي التي نصّت على منطقة عازلة وخفض التوتر وإبعاد العصابات عنها، وعزل النصرة المصنّفة إرهابية، ليس مهماً التحليل أو معرفة الحقيقة، لكن اللافت أنّ بعض مصادر المسلحين أوردت أخباراً عن انسحاب عاجل للجيش التركي من مواقع المراقبة بما يعني أنّ تركيا تخلّت عنهم، في الوقت الذي تفيد آخر الأخبار أنّ عصابات ما يعرف بـ «الجيش الحر» أطلقت النار على مواقع للجيش التركي! فهل يكون ذلك احتجاجا على الانسحاب أم توريطاً لهذا الجيش؟
على جبهة أخرى حاول المسلحون التسلّل الى مواقع الجيش السوري فوقعوا في كمائن وحوصروا، وعندما بادرت القوات التركية لمحاولة نجدتهم وقعت في حقل للألغام، إذن… نجحت عملية التوريط وبدأت المواجهة مع الجيش السوري وإنْ لم تكن شاملة، هنا لا بدّ من الاشارة إلى أنّ تركيا لا تستطيع طلب العون والنجدة من حلف الناتو الذي يلتزم بالدفاع عن تركيا إذا هوجمت أراضيها من أيّ طرف، الواقع الحالي هو وجود القوات التركية على أراضي دولة مجاورة دون مسوغ قانوني، وأنّ الدولة صاحبة العلاقة طالبتها مراراً بإخراج هذه القوات.
تتحمّل القوات التركية مسؤولية المخالفات والجرائم التي ارتكبتها وترتكبها العصابات الإرهابية على محيط تواجدها، كما تتحمّل نتائج انخراطها في المشاركة الميدانية من سقوط لقتلى وجرحى في صفوف قواتها لأنّ ما يقوم به الجيش السوري من عمليات هي شرعية بكلّ القوانين والأعراف، ولقد كان صبر الجيش السوري طويلاً عبر الأشهر الماضية من مماطلة الجانب التركي وتسويفه في تنفيذ الاتفاقيات المعقودة مع الجانبين الروسي والإيراني، الجيش السوري تحمّل خسائر عديدة ما كانت لتسقط لولا تواطؤ القيادة التركية مع العصابات وتشجيعها لها ومراهنتها على سلوكها ونتائجه وجنوحها إلى أحلام يقظة ضمّ المزيد من الأرض السورية.
بالأمس تحرك مجلس الأمن لإقرار وقف النار حماية للمسلحين، فلماذا لم يتحرك لوقف اعتداءاتهم على مواقع الجيش والمدنيين، وتصدّى أمين عام الأمم المتحدة مطالباً بتجريد حزب الله من السلاح، فلماذا لم يطالب بتجريد عصابات مصنّفة إرهابية من السلاح أم أنّ كلّ التحركات لا بدّ أن تكون في خدمة الكيان الصهيوني، ما عدا ذلك يجب أن يظلّ قيد التعتيم والإهمال، الأمم المتحدة كمنظمة معنية بالأمن والسلام الدوليين تؤكد أنها معنية فقط بأمن وسلامة وليدها غير الشرعي الكيان الصهيوني – خطاب المنظمة الدولية لا يختلف عن خطاب الإدارة الأميركية وأتباعها في العالم ومنهم عالم الأعراب وجميعهم «صوت سيده».
الأوراق تختلط من جديد…
المشاركة الروسية في قصف مواقع العصابات المسلحة على مساحة المنطقة الخارجة على الدولة هو الترجمة العملية لما قاله وزير الخارجية الروسي لافروف من أنّ استمرار وجود الإرهاب في إدلب أمر مرفوض ولا يجب أن يبقى طويلاً، وفي آخر الأخبار أنّ وساطة روسية وافق عليها الجانب السوري لسحب جرحى الجيش التركي، وتقول المصادر الأمنية السورية إنّ كلّ التحركات تحت الرقابة وهذا معناه أنّ انسحاب القوات التركية بموجب نصيحة روسية يجب أن يتمّ، وليس الزجّ بمزيد من القوات إلا أن تعلن تركيا الحرب بشكل رسمي وهذا لن يكون مقبولاً أيضاً من الجانبين الروسي والإيراني، الأهمّ أنه سيلقى رداً مناسباً وعنيفاً من الجيش السوري الذي يعمل على تحرير أراضيه من ربقة الإرهاب وداعميه ولو كان الجيش التركي ذاته، وإذا كانت تركيا مهتمّة للعدد الكبير من النازحين الذين عملت عصاباتها وحكومتها على استدراجهم فالحلّ هو في دفعهم إلى العودة وفتح المعابر تحت إشراف دولي وتحميل الحكومة السورية مسؤولية أمنهم ورعايتهم، تركيا ليست أكثر حرصاً عليهم وهم السوريون وأرضهم سورية، أما من تريد حمايتهم على أنهم من العرق التركماني، الذين لا يؤمنون بغير عرقيتهم، فمبروك عليها استعادتهم بعد قرن حافظوا فيه على عثمانيتهم.
قد يوافق الجيش السوري على وقف النار حالة إنسانية – لأجل محدود، وفي مكان محدود، لكن قرار عملية التحرير صدر ولا يحتمل التراجع عنه تحت أيّ نوع من الضغوط، المحلية أو الدولية، وليس من حق أحد حتى الحلفاء أن يفرض على الدولة السورية وقف تحرير أراضيها وإلا فقدت ثقة وتأييد مواطنيها الذين وقفوا وما زالوا مع الدفاع عن كرامة الوطن، أرضاً وشعباً، التضحيات التي سيقدّمها الجيش في عمليات التحرير أسهل وأقلّ تكلفة من استمرار عمليات الاستنزاف وقصف المدنيين ومنع الاستقرار في مناطق المواجهة، ومنها ضرب البنية التحتية ومنع الأهالي من جني محاصيلهم الاستراتيجية بطبيعة الحال الحبوب .
الاحتمال الراجح من خلال قراءة للعقلية التركية أن ترفض حكومتها الانسحاب والإصرار على ما تسمّيه حماية المدنيين في المنطقة المحاذية لما تحتله من أراض سورية وأقصد بها القديمة منذ 1920 ، هذا يدفع إلى التساؤل عن الموقفين الروسي والإيراني، ولا نشك بالموقف السوري المصمّم على استعادة آخر شبر من الأرض، بما فيها اللواء السليب فهي اللحظة المناسبة لاستعادته.
هل تختلط الأوراق ويُعاد النظر بالتحالفات لتعود تركيا وتتوقف عن لعب دور المعادي للموقف الأميركي، المتفاهم مع الروسي، وقد تكون عملية واسعة ومتشعّبة المواقف على الصعيدين الدولي والعربي… إنْ حصلت! من يدري؟
المواقف العربية على قلة أهميتها للجانب السوري كونها متقلبة ومحكومة بمصالح آنية وعلاقات متذبذبة في ما بينها، فالسعودي والخليجي والمصري يقفان ضدّ التركي بخجل، ولكن، بعد أن كان تحالفاً جذرياً، قطر تتحالف مع التركي نكاية بالموقف الخليجي الذي يحاصرها، ويبدو أن لا أمل بموقف عربي متضامن فعلاً مع الحق السوري طالما بقي الموقف الأميركي محكوماً للمصالح الصهيونية الراغبة بدوام الحرب والاستنزاف على كلّ الجبهات على أن لا يربح طرف ويخسر الآخر.
الإدارة الأميركية التي تخسر حروبها بمتوالية متسارعة، تشيع أنّ داعش سيعود ثانية إلى المنطقة في الشام والعراق، ذلك ما يفرضه واقع الخسارة وخوف الانحسار عن العراق وهو الأهمّ بالنسبة لها، وحدات داعش موجودة في أمكنة آمنة بعد أن نقلتها القيادة الأميركية على أجنحتها، ويدرك العالم كله وباعتراف أميركي أنها أداتها، وأنّ البغدادي تحت حمايتها ولم يحن وقت التضحية به، إذ لم تنته مهمته كسابقه بن لادن، ما يشغل البال كوطنيين على الساحتين العراقية والشامية هو التساؤلذ: هل هناك من يرى ضرورة قيام وحدة عسكرية راسخة تخدم عملية الدفاع عن البلدين وتحصّنهما، وكم هو وزن الراغبين بها على الساحة وتأثيرهم على المستويين السياسي والعسكري؟
لا شكّ أبدا أنّ هذا التفكير مشروع ومعقول وله أنصار لم نسمع أصواتهم ولم تعل ربما بسبب الخوف من ردة الفعل المعادية والانتقام المنتظر من الأميركي الذي ما زال جاثماً على صدر المنطقة، وأدواته كثيرة.
لا بدّ من الانتظار ولكن ليس طويلاً لنحتفل بعودة إدلب، والقضاء على الإرهاب، وخروج المحتلّ التركي، وبعدها شرق الفرات مع خروج الأميركي وهرب العملاء إلى حيث النهاية الذليلة كمن سبقهم… بعدها نتحدث بصوت واحد ومرتفع عن أولوياتنا الثلاث: القضاء على الفساد، التوازن الحياتي لكافة أبناء الشعب، وإعادة إعمار ما خرّبه الإرهاب والأعداء.