إيران تقلب الطاولة… 60 يوماً
روزانا رمّال
في الوقت الذي كان يتوقع العالم فيه المزيد من التصعيد الغربي حيال إيران بعد التطوّر الأميركي المتمثل بالحشد العسكري البحري وبالمزيد من العقوبات الأميركية عليها والذي يحمل وراءه مزيداً من الضغط السياسي بطبيعة الحال، قلبت طهران الطاولة وحرفت الأنظار نحوها وصار المجتمع الدولي مشغولاً ومترقباً انسحابها من الاتفاق النووي الذي التزمت به مع الدول الكبرى من عدمه لا بل المسارعة الدبلوماسية الدولية لبذل الجهد لمفاوضتها من أجل العدول عن هذا القرار الذي اعلن عبر الرئيس حسن روحاني الذي وضع العالم أمام مهلة 60 يوماً لالتزام الدول بالاتفاق. فوضعت إيران الأميركيين في موقف جديد جعلهم يتقدّمون نحو الاستفسار عبر قنوات دبلوماسية من اجل التفاوض، إضافة وصولاً الى اعلان ترامب برغبته اللقاء بالمسؤولين الإيرانيين «يوماً ما» من اجل التفاوض وهو امر ليس مستغرباً عن رئيس أميركي تتحكم بمواقفه السياسية حسابات خارج التكهن او التوقع رغبة منه بكسر التقليد والجلوس مع خصومه وما المشهد الأميركي الكوري الشمالي إلا دليل…
كان من المفترض أو «المتوقع» تلقائياً أو طبيعياً «خضوع» إيران او على الأقل الكشف عن بعض «التراجع» في مواقفها السياسية بأكثر من ملف حساس بالمنطقة بعد عقوبات شديدة القسوة هذه المرة لتأتي المفارقة بتصعيد إيراني مفاجئ وللمرة الأولى بالتهديد بالانسحاب من التزاماتها النووية.
عام واحد مرّ على الانسحاب الأميركي من الاتفاق أخذ إيران اليوم نحو التحرك، لكن القيادة الإيرانية لم تتخذ قراراً متسرعاً بطبيعة الحال في وقت سابق نظراً لما لذلك من تأثير على باقي الملفات لأن حلفاء إيران بالمنطقة ليسوا بمنأى عن أي موقف منها..
حلفاؤها يعني السؤال عن وضعهم في كل من فلسطين ولبنان والعراق واليمن قبل اتخاذ أي قرار.. ليتبين أن:
المقاومة الفلسطينية قدّمت نموذجاً حاسماً في أول ايام شهر رمضان عن امتلاكها قدرات عسكرية أكبر، أدّت الى التسريع بالوساطات لوقف إطلاق النار بعد ان طال القصف الفلسطيني مناطق إسرائيلية حيوية تقول جهات فلسطينية مقاومة إن هذا يعود الى دعم الحلفاء وأبرزهم إيران التي تمرر السلاح على طريقتها الى فلسطين عبر قوى مسلحة فلسطينية تؤيدها وتمولها منها الجهاد الاسلامي وغيرها بعيداً عن شكل العلاقة مع حماس وتاريخها ومحاذيرها.
اما في لبنان، فيبدو أن حزب الله في مرحلة ارتياح أكبر من أي وقت مضى بعد ان تكفل الإجماع الوطني بإدارة العملية السياسية وتقاسم الهم المعيشي بجعله أولوية الجميع وإبعاد المناكفات السياسية الامر المرتبط بتغيير الموازين المحلية بعد الانتخابات النيابية الأخيرة التي أتت الى صالحه إضافة الى ارتياح حزب الله الى انطلاق العهد أي إطلاق عجلة العهد الذي يشكل الرئيس ميشال عون وهو «حليفه» الرئيسي خطته مع تسوية رئاسية تبدو «متينة» مع الحريري وعدم ممانعة سعودية.
بالنسبة للعراق لا تزال إيران حاضرة بقوة عبر حلفائها الذين جيّرت لهم قتال الإرهاب وسهلت دعمهم، بينهم الحشد الشعبي الذي جعل من الموقف السياسي العراقي واقعاً ضمن التوازن الإقليمي فلا يمكن للعراق أن يحكم بدون مراعاة وضع الجيران وتحديداً سورية التي تبدو على أكمل تنسيق مع السلطات العراقية أمنياً وسياسياً وتجارياً اضافة الى تراجع اعتبار العراق ملاذاً عسكرياً أميركياً طويلاً فترامب الذي ينفذ خططه بالانسحاب من العراق وأفغانستان في اول وعوده الانتخابية بدأ منذ اليوم حملته لدورة ثانية تمنعه من أي تطور او تراجع بهذا الاطار. كل ذلك يضاف إليه موقفه المسيء للمملكة العربية السعودية، وهو انتخابي بحت أصرّ فيه على تذكير الشعب الأميركي بالعلاقة «المصلحية» مع السعوديين، خصوصاً الفئة التي تعتبر أن المملكة موضوع عليها نقاط سود لتورطها بحروب عبثية أدت إلى تململ بالأمم المتحدة أكثر من مرة حيال تجاوز الخطوط الحمر وشرعات حقوق الانسان خصوصاً باليمن. وهنا تكاد تكون الرياض بالنسبة لجزء لا يُستهان به من الشعب الأميركي شبيهة بإيران المتهمة بقيام بحروب ودعم مجموعات «إرهابية»، برأيهم من هنا يكشف ترامب طبيعة ما يجمعه بدول المنطقة بشكل شفاف.
اليمن بدوره الذي لم يستطع فيه ترامب تقديم اكثر مما تقدم لحلفائه لحسم الموقف بعد اكثر من 5 سنوات لا انتصار ولا تراجع وهو يعتبر عجزاً واضحاً من قبل المعنيين ما اعطى للحوثيين فرصة التفوق بمجرد الحديث عن «صمود او استمرارية» مقارنة بمواجهة بين مجموعات قتالية وجيش دولة او اكثر من دولة مشاركة الأمر الذي اعطى لإيران مكانة نافذة في تلك الساحة.
من اجل كل هذا صار وضع أي تحرك يراني اليوم او تصعيد أكثر زخماً وتأثيراً وربما هي لحظة مناسبة أتت على مشارف إعلان خطة صفقة القرن رسمياً التي يفيد التذكير بأهمية دلائل نتائج حرب الأيام القليلة الأخيرة على غزة ما سيرفع الحذر الاسرائيلي من مغبة أي حرب يأخذ تبني الصفقة اليها.
كان من المفترض أن تعلن إيران بعض الليونة في مواقفها او حتى تمرير بعض التنازلات في كافة الملفات المطروحة إقليمياً للتفاوض أبرزها الشأن السوري «الجنوب» تحديداً والملف اليمني خصوصاً وأن أحد أبرز ما عرقل التوصل الى اتفاق نووي بالسنوات الماضية هو أن واشنطن كانت قد وضعت شرطاً أساسياً وهو التفاوض على كل الملفات لترفض إيران ذلك بالكامل وتنجح بربط التفاوض فقط بالملف النووي الإيراني قبل أن تنسحب اميركا منه منذ سنة بالتحديد.
أطلقت إيران اليوم اول تهديداتها للتنفيذ بتعليق التزاماتها بما يتعلق باليورانيوم المخصب والماء الثقيل المتضمنة بالاتفاق النووي فيينا 2015 والآتي قد يكون جدياً: الانسحاب من اتفاق الحدّ من السلاح النووي بعد ستين يوماً فهل تنجح الدبلوماسية الدولية بإنقاذ المنطقة؟
الأكيد أن طهران قلبت الطاولة فعلاً..