يوم الوساطة الروسية لإنجاز الاتفاق النووي لبنان بلا استقلال… وبلا عيد
كتب المحرر السياسي
إذا أردت أن تعرف ماذا سيجري في العالم فعليك أن تعرف ماذا يجري في فيينا، هكذا بدا العالم يحبس أنفاسه مع بيان البيت الأبيض عن خلافات جدية لا تزال عالقة في المفاوضات حول مستقبل الاتفاق حول الملف النووي الإيراني، لكن الأنباء اللاحقة عادت ونقلت عن مصادر متطابقة في فيينا، أنّ الوزيرين جون كيري ومحمد جواد ظريف توصلا إلى حلّ وسط يحتاج تشاوراً مع القيادة السياسية في كلّ من واشنطن وطهران، وراجت أنباء سرعان ما تبدّدت عن نية ظريف السفر إلى طهران لهذا الغرض، لتؤكد المصادر الإيرانية من فيينا أنّ ظريف باق على رأس الفريق المفاوض ولن يغادر فيينا إلى حين انتهاء المفاوضات.
الحل الوسط الذي صاغه كيري وظريف كان موضوع تداول مع حلفاء واشنطن في لندن وباريس، بينما بدا أنّ محاور الحلّ الوسط جاءت بعدما تعقدت المفاوضات بسبب العودة الأميركية إلى طرح قضية مفاعل ناطنز للبحث، انطلاقاً من كونه يعمل بالماء الثقيل، وكانت واشنطن تصرّ على استبداله لأنه ينتج مادة البلوتونيوم المشعّ المستخدمة بصورة فورية في تصنيع السلاح النووي، وعادت فقبلت التسليم ببقائه لتعود وتتراجع مجدّداً، فطرحت طهران في المقابل بقاء كامل أجهزة الطرد المركزي التي تشغلها ضمن سلة كاملة عنوانها، كل شيء في إيران لا صلة له ببعد عسكري للملف النووي، وهذه إفادة الوكالة الدولية للطاقة النووية، ولن نفاوض على تبديد أوهام، ولذلك لن نعدّل شيئاً من الموجود، من مفاعلات وأجهزة طرد مركزي.
يقول الخبراء إنّ إيران تشغل واحداً وعشرين ألفاً وخمسمئة جهاز طرد مركزي، وكانت قبلت بالاكتفاء بتشغيل عشرة آلاف وصولاً إلى سبعة آلاف وخمسمئة والصعود تدريجاً إلى العشرين ألفاً وخمسمئة خلال خمس سنوات، أيّ عام 2021 عندما تنتهي عقود تزويد روسيا لإيران بالوقود النووي لتشغيل مفاعلاتها.
مع تعقد الوضع، وتمسك الأميركيين والأوروبيين برفع تدريجي للعقوبات مقابل تخفيض إيراني تدريجي للقدرات ضمن خطة ثلاث سنوات، وهو ما رفضته إيران بالمطلق، مع تلميحات كيري بتدرّج رفع العقوبات بعد فقدان الرئيس أوباما غالبية الكونغرس، وتشدّدت إيران خصوصاً بعد تضمين مقترحات واشنطن منح مراقبي ومفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية صلاحيات جديدة، تتخطى مهامها التقليدية، مستوحاة من صلاحياتها في حالة تفكيك سلاح نووي وهو ليس الحالة الإيرانية، وهنا شعر الوفد الإيراني أنّ مشكلة واشنطن الداخلية هي السبب لضعف قدرة الرئيس الأميركي باراك أوباما على الوفاء بعهوده برفع العقوبات إذا تمّ توقيع الاتفاق.
تمّت المشاورات مع طهران وواشنطن، فعاد ظريف بخيار المغادرة إذا تجمّدت المفاوضات عند هذا الحدّ وصار فشلها محتوماً، ويبدو أنّ هذا هو مصدر الالتباس في الإشاعة حول سفر ظريف، بينما عاد كيري بالدعوة إلى خلوة ثنائية إيرانية أميركية، للبحث في تغيير قواعد البحث عن الحلول، وخرج الوزيران بما قالت مصادر أوروبية إنه تفاهم صاغه كيري وظريف لجدول مفاوضات يسهّل التوصل إلى التفاهم.
اتصل كيري بنظيره الروسي سيرغي لافروف، طالباً المعونة لإنقاذ فرص التفاهم، وجرت اتصالات إيرانية روسية وأميركية روسية مكثفة متواصلة، سيختمها لافروف بالسفر اليوم إلى فيينا للوقوف على رأس وفد روسيا في إدارة المفاوضات وتقديم الحلول التي يعتقد الروس بحصيلة تشاورهم مع الفريقين الأميركي والإيراني أنها قابلة لتشكيل قاعدة التفاهم، والأهمّ لمنح الضمانات التي يريدها كلّ من الفريقين لالتزامات الفريق الآخر من جهة ولعدم إساءة استخدام التزاماته من جهة أخرى، ووفقاً لمصادر وثيقة الصلة بالمفاوضات، يبدو أنّ لافروف سيقدم لإيران ضمان موسكو لعدم تعرّض أدائها النووي لأيّ تحرش مفتعل تحت عنوان وكالة الطاقة الذرية طالما تلتزم بنود الاتفاق، مقابل ضمانته لأميركا أنّ رفع العقوبات عن إيران لن يطلق يدها لاستثمارات متصاعدة في الملف النووي لخلق أمر واقع جديد، ويبقى وفقاً للمصادر المتابعة ملف العقوبات وآلية رفعها، في ضوء الارتباك الأميركي والإصرار الإيراني.
اليوم كلّ العالم عيونه على فيينا لترقب كلّ خطوة وكلّ كلمة، وفي بيروت عيون حزينة لاستقبال عيد استقلال باهت، فلبنان يتحقق من فقدانه للاستقلال مع شغور سدة رئاسة الجمهورية بقرار خارجي واضح، بوضع الفيتو السعودي على المرشح الرئاسي الأبرز العماد ميشال عون، كما تأكد من تراجع تيار المستقبل عن التفاهمات التي كانت قد قطعت شوطاً مهماً حول الملف الرئاسي قبل الفيتو السعودي.
لبنان الفاقد للاستقلال صار اليوم بلا عيد رسمياً، وتمرّ المناسبة بلا احتفالات، تحت شعار الظروف الراهنة الحرجة والدقيقة، واللبنانيون يسألون: متى لم نسمع كلمة الظروف الحرجة والدقيقة؟تحل اليوم الذكرى الـ71 لعيد الاستقلال من دون احتفال رسمي كما كانت العادة كل عام، في القصر الجمهوري في بعبدا بسبب شغور رئاسة الجمهورية منذ 6 أشهر ونيف، وإصدار رئيس الحكومة تمام سلام تعميماً قضى بإلغاء الاحتفالات الرسمية للمناسبة في ظل الأوضاع الراهنة».
ومع ذلك، لم تبرز معطيات تشي بإمكان انتخاب رئيس في المدى المنظور، لارتباط هذا الاستحقاق بالتطورات الإقليمية أكثر من العوامل الداخلية، فيما المنطقة تشهد لقاءات واجتماعات كثيفة تسعى إلى التوصل إلى تسويات كبرى يشكل لبنان جزءاً تفصيلياً فيها.
وبالمناسبة وجه الرئيس الأميركي رسالة إلى الشعب اللبناني، أعرب فيها عن أسفه أن تمر ذكرى الاستقلال في لبنان «من دون وجود رئيس منتخب للجمهورية، وهو رمز مهم لوحدة الأمة وعامل رئيسي في تعزيز سيادة واستقرار لبنان»، معتبراً أنه «يجب أن يكون انتخاب الرئيس قراراً لبنانياً بحتاً، ولكنه قرار يجب أن يتخذ لصالح الشعب اللبناني». وقال: «نحن أيضاً فخورون بعلاقتنا الطويلة الأمد مع الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي، وبمساهماتنا لتطوير مؤسسات الدولة هذه التي لها وحدها الشرعية والمسؤولية في الدفاع عن حدود لبنان وحماية مواطنيه، وهي مسؤولة تجاه جميع اللبنانيين». وأكد أن بلاده «ستواصل الوقوف مع شركائها اللبنانيين في مواجهة التهديدات التي يشكلها المتطرفون لبلدينا وللعالم».
قهوجي: سنقاتل الإرهابيين
حتى اقتلاع جذورهم من لبنان
وبالمناسبة أيضاً، تناول قائد الجيش العماد جان قهوجي في «أمر اليوم» للعسكريين، موضوع الحرب على الإرهاب وقضية العسكريين المخطوفين من دون إغفال الجبهة الجنوبية. وأكد «أنّ الحرب ضدّ الإرهاب مستمرة،
فلا هوادة ولا استكانة في قتال الإرهابيين، حتى اقتلاع جذورهم من لبنان»، ولفت إلى أنّ «القيادة ستواصل بذل أقصى الجهود ولن تدخر وسيلة، في سبيل تحرير العسكريين المخطوفين لدى هذا الإرهاب». ورأى أنّ «وحدة العسكريين وإيمانهم برسالتهم والتفاف اللبنانيين حولهم، أثبتت ألا مستحيل أمام الجيش».
وأضاف: «أيها العسكريون، في موازاة مواجهتكم البطولية للإرهاب، كونوا على أتمّ الاستعداد لمواجهة العدو الإسرائيلي الذي يعمل على استغلال الظروف الإقليمية للإمعان في خروقاته واعتداءاته، واحرصوا على التزام القرار 1701 ومندرجاته بالتنسيق والتعاون مع القوات الدولية، وحماية المياه الإقليمية من محاولة هذا العدو استحداث منطقة بحرية عازلة».
قاسم قتل في الأيام الأولى لمعركة عرسال
وفي السياق، برز تطور مأسوي في ملف العسكريين المخطوفين إذ أعلنت عائلة الجندي علي قاسم من المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم أن ابنها استشهد، بعدما كانت تعتقد أنه من بين الجنود المخطوفين، ليتبين لاحقاً أنه استشهد خلال المعارك في عرسال. وتجري الآن مفاوضات لتسليم الجثة.
لكن مصادر مطلعة قالت لـ»البناء» إن قاسم قتل من قبل المسلحين الإرهابيين في الأيام الأولى من المواجهة في 2 آب الماضي، إلا أن المصادر لم تؤكد طريقة قتله، إن كانت أثناء المعارك، أم فور أسره من قبل الإرهابيين، لا سيما أنه كان في موقع عسكري اشتبك مع المسلحين في الميدان. من جهة أخرى انتهت قضية المخطوفين من آل الحجيري في تعنايل بإطلاق مصطفى الحجيري وهو كان آخر المحتجزين.
حزب الله ينتظر توضيحات للموقف السعودي «الشاذ»
سياسياً، لا يزال وصف المندوب السعودي في مجلس الأمن حزب الله بالتنظيم الإرهابي وطلب إدراج ما سمي «الجناح العسكري» للحزب على لائحة الإرهاب يتفاعل لبنانياً بعيداً من الأضواء، فيما حاول تيار «المستقبل» التخفيف من آثاره مدعياً استقلالية قراره عن الرياض.
وأكدت مصادر حزب الله لـ»البناء» أن الموقف السعودي ترك انطباعات سيئة للغاية ومؤشرات سلبية، وأشارت إلى «أننا ننتظر التوضيحات التي ستعطى ليبنى على الشيء مقتضاه»، معتبرة أن من مسؤولية المعنيين محاصرة هذا الموقف الشاذ».
وأكدت «أن حزب الله أنجز من حيث المبدأ جدول أعمال الحوار مع تيار المستقبل، والذي يتضمن عدداً من الملفات لا سيما الخطر التكفيري الذي يشكل خطراً على لبنان أمنياً ثقافياً واجتماعياً، وتفعيل عمل المجلس والانتخابات الرئاسية، لافتة إلى «أن الحزب لا يبدي أي تحفظ على أي موضوع، فنحن نريد مناقشة كل الموضوعات الخلافية»، وأوضحت «أن جدول الأعمال وضع بناء على رغبة الطرفين».
في حين اعتبرت مصادر مطلعة لـ»البناء» أن الموقف السعودي بمثابة رفع الإحراج عن تيار المستقبل بعدما أعلن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الاستعداد للحوار من دون شروط بينما الرياض لا تزال غير جاهزة لأي حوار.
وعلق عضو كتلة «المستقبل» النائب أحمد فتفت على الحوار بين حزب الله و»تيار المستقبل» بعد طلب السعودية من مجلس الأمن إدراج الحزب على لائحة الإرهاب، بالقول: «لو كان رئيس المجلس النيابي نبيه بري سينعي شيئاً لنعى الحكومة، وبالتالي لا يمكن أن نربط الأمور ببعضها بهذا الشكل». وقال: «السعودية لم تفرض ولا أي مرة علينا موقفاً في الداخل». وأضاف: «الأمر مرتبط بحزب الله إذا كان يريد مناقشة موضوع رئاسة الجمهورية أم سيقول ناقشوا العماد ميشال عون، وما هي النقطة الثانية على جدول الأعمال، لا يوجد حتى الآن وهناك أيضاً موضوع بناء الثقة، وعلى حزب الله إعادة بنائها». وختم: «الجلوس مع الحزب في حكومة لوجود مصلحة وطنية عليا، فالحزب يمثل في الداخل شريحة عريضة من الشعب اللبناني لا يمكننا وضعها جانباً».
«المستقبل» يتخلى عن الجميل
وعلى خط آخر، أكدت مصادر واسعة الإطلاع مقربة من «14 آذار» لـ «البناء» أن الرئيس سعد الحريري أبلغ رئيس حزب الكتائب أمين الجميل أنه مرشح من مرشحي «14 آذار» الذين يتم التداول في أسمائهم فور سحب ترشيح رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الذي لا يزال مرشحاً حتى الساعة».
وإذ رأت المصادر أن كلام العماد عون عن حصر المرشحين به وبجعجع، استفز الجميل رئيس حزب الكتائب الذي اعتبر الأمر بمثابة ضربة كبيرة له في هذا الظرف، أكدت «أن وعود «المستقبل» لـ الجميل باتت ضعيفة جداً بعد معارضته التمديد للمجلس النيابي، وأن الوعود التي تحدث عنها أول من أمس، حصل عليها قبل التمديد للمجلس، واليوم باتت منتفية الصلاحية».
أما في ما يتعلق بالطعن بالتمديد فقد عقد المجلس الدستوري جلسته الأولى في هذا الشأن أمس من دون إصدار أي قرار.
امتناع المتهمين بتفجير عين علق عن حضور المحاكمة
إلى ذلك، أعلن المكتب الإعلامي لمجلس القضاء الأعلى تمنع المتهمين الثمانية في تفجير عين علق المثول أمام المجلس العدلي الذي عقد جلسة أمس لمتابعة النظر في هذه القضية. وعليه أرجأ المجلس الجلسة إلى 19 كانون الثاني المقبل، «مع التوضيح إلى القوة المولجة بحراسة السجن بوجوب تنفيذ قرار السوق بحرفيته تحت طائلة المسؤولية، ما لم يقم مبرر قانوني يحول دون السوق، وتسطير كتاب إلى حضرة النائب العام لدى محكمة التمييز لإجراء المقتضى بهذا الخصوص، حرصاً على حسن سير العدالة ومنعاً للتأخير في المحاكمة». كما أرجأ المجلس النظر في ما تبقى من قضايا متفرعة عن ملف الاعتداء على أمن الدولة في منطقة مخيم نهر البارد، إلى التاريخ المذكور أيضاً بسبب تقديم أحد المتهمين معذرة طبية.