دراما أيام زمان ودراما هذه الأيام..
بسام موسى
قدّمت لنا الدراما السورية أيام زمان في الستينيات من القرن الماضي جيلاً ذهبياً لا يعوّض، لأنه كان يبدع حباً في الفن وليس حباً في المال. رغم قلة الإمكانات قدم أعمالاً عمرها حتى اليوم 68 سنة، وهذه الأسماء النادرة التي أدخلت الضحك والابتسامة إلى كل منزل: دريد لحام ونهاد قلعي وأنور البابا وأديب شحادة وياسين بقوش وعبداللطيف فتحي ومحمود جبر وفهد كعيكاتي وناجي جبر. وبعض هؤلاء النجوم الكبار رحل وآخر ما زال على قيد الحياة إلى يومنا هذا. كان جيل أيام زمان يعطي ويبدع ويقدم أعمالاً تلفزيونية ينتظرها الناس بشغف، وعند عرضها تخلو الشوارع من المارة.
لا يمكن لنا أن ننسى أعمالاً حضرت في الذاكرة والبال وإلى اليوم تتابع عند عرضها مع أنّها أصبحت قديمة. تذكّروا هذه الأعمال: ملح وسكر، صح النوم، حمام الهنا.
الدراما السورية حالياً صارت تجارة لبعض الفنانين الذين يضعون شروطاً لعمل البطل، والبطلة تريد أن يكون هذا الكاتب هو مَن يكتب العمل أو هذا المخرج، وأن يكون التصوير في دول عربية عدّة، ولا مانع إذا كان في أوروبا منها سياحة ومنها شمة هوى.
إلى كل الفنانين السوريين والعرب، خصوصاً الشباب الجيل الجديد أقول لهم نصيحة مجانية، تواضعوا وتعلّموا من الجيل القديم لأن الحكمة تقول «مَن علّمني حرفاً كنت له عبداً»، وأتمنى أن تتعلموا من الكبار. هذا ليس عيباً.
النص والكاتب لأي مسلسل تلفزيوني إذا لم يتوافر له أساس النجاح فسيفشل: الكاتب، والمخرج، الموسيقا التصويرية، الإنتاج، الديكور، أبطال العمل.
لا شك أننا في سورية نملك عدداً مقبولاً من الكتاب الجيدين وأعمالهم تحكي عنهم، كذلك هو الحال نملك مخرجين بصموا بالدراما، لكن من سنوات عدّة أصبحنا نقرأ في الصحف أسماء كتّاب جدد قدّموا أعمالاً لم تحظَ بالمتابعة.
حالياً، نعاني غياب النص الجيد وسنستمر في المعاناة، علماً أن لدينا أفكاراً جيدة، لكن لم نر كاتباً وضع اليد على الجرح.
والدراما السورية في السابق قدّمت أعمالاً قوية، ولكن منذ سنوات دخلت النفق المظلم، وكل ما يقدم ويحضر لشهر رمضان لا يجذب الناس ولا يلقى المتابعة المطلوبة!!
هناك انحدار وهبوط في المستوى والنص والفكرة، على الرغم من حشد كبار النجوم وشركات الإنتاج الخاصة تصرف بسخاء على الأعمال. إذًا العلة فينا وعلينا إيجاد الدواء لهذا الداء وبعد مدة ستتراجع درامانا إذا لم نوظف أفكارنا في المكان الصحيح، لأن الكتابة فن وإبداع ومع احترامي وتقديري لكل من يكتب عن الدراما السورية، هناك كتّاب ترفع لهم القبعة احتراماً وهم يعدون على الأصابع، وهناك متطفلون على الكتابة لأنها أصبحت شغلة الذي لا شغلة له.
كانت الكوميديا السورية منذ أيام الثنائي الذهبي دريد ونهاد الأولى عربياً، وجاءت بعدها أعمال أخرى نجحت وبرزت في السنوات الماضية «مرايا أجزاء عدة، ضيعة ضايعة، سلسلة عيلة 5، 6، 7، 8 نجوم، يوميات مدير عام، أنت عمري، بقعة ضوء، شاميات، عربيات، بطل من هذا الزمان، مبروك». والقائمة تطول، لكن الغريب في الأمر أن ما قدّم منذ أربع سنوات كله هزل وغابت الابتسامة عند المشاهد حتى مرايا تراجعت وصارت تجارته في آخر جزء منها، لأن من دخل على خط الكتابة ليس كاتباً متخصّصاً في الكوميديا مثل المبدع ممدوح حمادة الذي له أيادٍ بيضاء في شهرة بعض الأعمال الكوميدية التي ضربت وذاع صيتها، وله فضل أيضاً في شهرة بعض النجوم، أما الأعمال اليوم فقد صار كل منها يقدّم ويكتب فكرة له على قياسه خاصة في مسلسل بقعة ضوء. وهذا أدى إلى تراجع العمل وصار سلبيا جداً. من هنا، سنرى أن الكوميديا السورية غائبة عن العرض في المحطات الفضائية، نعم نحن نعاني غياب النص والكاتب المختص.
صار المسرح والمسرحيات السورية في عالم النسيان، صحيح أنه قدّمت أعمال قوية لمحمد الماغوط الذي برز في مسرحيات مثل «غربة وضيعة تشرين وكاسك يا وطن»، وهناك أعمال مسرحية للراحل المبدع محمود جبر وأيضاً مسرح الشوك وغيرها، لكن المسرح السوري والعربي منذ سنوات صار في عالم الغياب والنسيان لأن ظهور المحطات الفضائية مع بداية القرن العشرين قضى على شيء اسمه مسرح، وهجرة الفنانين من المسرح إلى الدراما كان لها دور سلبي، لهذا هجر كبار أعمال المسرح إلى التلفزيون وأكبر مثل حالياً نجوم المسرح العرب في سورية ومصر ولبنان وغيرها اتجهوا نحو الدراما حالياً.
في كل الدول العربية لا يوجد مسرح مثل ما كان قبل 25 سنة، ومع هذا يبقى المسرح هو أبو الفنون والأب الروحي لأي فنان يدخل عالم التمثيل، ولا يمكن لنا أن ننكر دور المسرح في تقديم أسماء صارت اليوم نجوماً ومن الصف الأول ولها باع طويل.
يبقى الحنين إلى المسرح هاجساً لكل فنان، لأنه الطريق إلى الأضواء وعالم النجومية، كما لا بد من توجيه العتب إلى كتّاب المسرحيات ونسأل أين أنتم ولماذا غائبون عن الساحة الفنية؟
الكرة في ملعبكم، ننتظر منكم أعمالاً جديدة في الفترة المقبلة.