عبد العزيز سويدان لـ«البناء»: خدمات الجمعية على مساحة الوطن وعابرة للمناطق والطوائف

حاورته ـ عبير حمدان

يرتبط الأستاذ عبد العزيز سويدان بشكل وثيق بالعمل العام وهو الخبير في كلّ التفاصيل، بحيث لم تتفوّق كلّ الألقاب التي حصدها على حسّه بالانتماء المجتمعي، ويعبّر عن ذلك بكونه عضواً في جمعية التخصص والتوجيه العلمي التي احتفلت بيوبيلها الذهبي هذا العام.

سويدان الذي يشغل اليوم منصب أمين السرّ العام للجمعية، تختزن ذاكرته الكثير من المحطات على مدى سنوات من العمل في سبيل خدمة المجتمع الذي أنهكته المشاكل المتراكمة في ظلّ تقصير الجهات المعنية بالشأن العام، ولعلّ الغاية من تأسيس الجمعية التي بدأت نشاطها بتأمين فرص التخصّص للطلاب المتفوّقين غير الميسورين، إيماناً منها بأنّ الاستثمار في الإنسان هو الأهمّ… لتتحوّل مع مرور الزمن إلى مؤسسة فاعلة وقدوة ومثال بين أقرانها من مؤسسات المجتمع الأهلي.

تحدث سويدان لـ «البناء» عن مسيرة حافلة من الإنجازات الاجتماعية والثقافية والإنمائية التي تحققت بالكثير من الجهد والإصرار.

نبدأ من الجمعية وبداية التأسيس، فيقول: «في البداية أحب أن أرحب بـ «البناء» التي نعتبرها منا ولنا، أما الحديث عن الجمعية فيعود بنا إلى العام 1969، في أوائل ذلك الصيف أُعلنت نتائج البكالوريا القسم الثاني، وفاز بالمرتبة الأولى في حينه الطالب رمال رمال وحصل على معدل 19.5 على 20 في مادتي الرياضيات والعلوم، وكانت نتائجة باهرة مما حدا بمدير عام التربية آنذاك أن يعلن، كما درجت عادة وزارة التربية، عن إيفاد رمال إلى فرنسا لإكمال تحصيله العلمي، لكن هذا الوعد تبخر، عندها تداعت مجموعة من الغيارى الذين دفعهم التساؤل لماذا حُرِم رمال من المنحة، وهذا ما دفعهم لجمع مبلغ من المال لإيفاده، وإذ بالمبلغ يساهم بإيفاد ثلاثة طلاب آخرين مع رمال رمال، ومن هنا بدأت المسيرة. بمعنى أوضح فقد تحوّلت فكرة إرسال رمال إلى جمعية».

ويتابع سويدان في نفس الإطار: «بدأنا بأربعة طلاب وفي العام 1982 أصبح العدد أضعافاً مضاعفة حيث تمّ إرسال 400 طالب رغم كلّ الأحداث التي كانت تعصف بلبنان جراء الحروب، واليوم الجمعية في عامها الخمسين وبلغ عدد الطلاب الذين أوفدتهم إلى الخارج 3300 طالباً.

النمو مستمرّ

هذه الجمعية أخذت تنمو وتنمو… وأمام المشكلات الاجتماعية الموجودة انبثقت عنها مؤسسات تُعنى بالشأن الاجتماعي خاصة في العام 1982 والاجتياح الذي حصل مما دفع بالقيّمين على الجمعية إلى إنشاء مؤسسة «سنابل لرعاية الأيتام» في العام 1984 وما زالت قائمة حتى الآن ويبلغ عدد من رعتهم هذه المؤسسة نحو 13300 يتيماً».

من هنا يظهر أنّ الاستنسابية في التعاطي مع المواطنين هي التي جعلتهم يبحثون عن بديل للجهات المعنية في الدولة، وعن ذلك يقول سويدان: فعلاً هناك تعاط استنسابي، لذلك أصبح الشأن الاجتماعي همّاً من هموم الجمعية، وإلى جانب رعاية اليتيم أنشأت الجمعية مؤسسة لرعاية المسنين وأطلقت عليها أسم «مؤسسة علي حجازي» لأنّ السيد علي حجازي تبرّع بالمبنى في بلدة كفرفيلا ليصبح واحة لرعاية المسنين الذين نستقبلهم صباحاً ونعيدهم في المساء إلى بيوتهم، وهذه الواحة جذبت الكثيرين لشعورهم بالراحة، وحالياً ترعى المؤسسة أكثر من 70 مسنّ، وهناك طلبات تفوق هذا العدد ونعمل على تلبيتها وفق ظروفنا وإمكانياتنا».

أما في ما يتصل بالشأن الثقافي فيقول سويدان: «كذلك أنشأت الجمعية نادياً ثقافياً أسمته «المنبر الثقافي للجمعية» وهو عبارة عن مساحة ثقافية مفتوحة للرأي والرأي الآخر، وأحبّ أن أشير هنا إلى أنّ الجمعية تستقبل الطلاب انطلاقاً من شعار «المنحة للأكثر تفوّقاً وللأشدّ حاجة» دون النظر إلى منطقته أو طائفته أو مذهبه، طلاب الجمعية من كلّ لبنان ومن كلّ الطوائف، نحن جمعية عابرة للمناطق والطوائف.

كما أحب أن أشير إلى أنّ مؤسسة «طموح» وكانت تُسمّى «الهيئة الشبابية» هي عبارة عن مجموعة من الشبان والشابات المندفعين للعمل تحت عنوان التنمية المستدامة وتحت عنوان تنمية المجتمع، ونحن نعلق الآمال الكبيرة على إمكانيات الشباب الذين سيحملون الراية ويكملون مسيرة الجمعية، إضافة إلى وجود نادٍ للخريجين يعمل على إيجاد مساحة تلاق تجمع خرّيجي الجمعية باستمرار. من هنا يمكن القول إنّ للجمعية لديها خمس مؤسسات وهي التي ذكرناها آنفاً».

الجانب الإنساني

وفي إطار متصل يضيف سويدان: «إلى جانب كلّ ما ذُكِر ولجت الجمعية الجانب الإنساني، خاصة عندما تعرّضت المناضلة الأممية راشيل كوري للدهس في فلسطين المحتلة من قِبل جرافة إسرائيلية، حيث قامت الجمعية بإنشاء منحة أسمتها «منحة راشيل كوري» وتحت عنوان القضية الفلسطينية، وكذلك أعلنت الجمعية في حينه عن مسابقة في الفنون أسمتها «مسابقة راشيل كوري»… إذن هذه هي الجمعية التي نحتفل هذه الأيام بمرور خمسين عاماً على تأسيسها ما زالت متمسكة بخدمة المجتمع».

لكن هل سبب نشوء هذه الجمعيات يعود إلى الخلل في أداء الدولة؟ يجيب سويدان: «الأكيد أنّ هناك تقصيراً من الدولة ولكن نحن لسنا بديلاً عنها، بل عندما يحصل التقصير من واجباتنا كجمعيات أهلية ومدنية القيام بدورنا في خدمة المجتمع، لذلك نحن مددنا يد المساعدة وفق الإمكانيات المتاحة. وفي الإجمال هناك قسم كبير من خرّيجي الجمعية يعمل في لبنان ومنهم من لديه مؤسّسات وبالتالي يساهم في مساعدة الطلاب الجدد الذين تعلمهم الجمعية، وقسم آخر يعمل خارج لبنان».

تحية للمقاومين في عيد التحرير

وفي ما يتصل بذكرى التحرير ورمزية شهر أيار، يقول سويدان: «في شهر التحرير نتوجه بالتحية إلى كلّ المقاومين وتضحياتهم التي لولاها لما كنا نجلس هنا اليوم ونجري هذا الحوار، لأنهم يعطون بصمت دون أيّ مِنّة، والمؤسف أن نصل في الحياة إلى زمن يصبح هناك سجال على كيفية ذكر المقاومة في البيان الوزاري، بحيث يتمّ ذكرها بخجل، رغم أنّ وجودنا بفضل المقاومة وتضحياتها».

اليوم وبعد 19 عاماً من التحرير هل استطعنا الحفاظ على ثقافة المقاومة؟ يجيب سويدان: «للأسف نحن اليوم نعيش في الزمن العربي الرديء، ونستذكر جمال عبد الناصر ونستذكر العروبة، وهل نشكو العروبة أم نشكو العرب؟ أكيد نشكو العرب لأنّ الذين يدّعون العروبة هم أعراب وليسوا عرباً وهم الذين أوصلونا إلى هذا الدرك. عندما تتعرّض غزة الى حرب يومية ويستشهد فيها خلال يوم واحد عشرون شهيد ومئات الجرحى لم نسمع صوتاً معترضاً أو صوتاً يدين هذا العدوان على الأقلّ…! أين هم العرب الذين يتسابقون على «صفقة القرن»؟

ثقافة المقاومة لن تزول

من هنا فإنّ ثقافة المقاومة المزروعة في نفوسنا لن تزول ولن تذهب، قد تخبو في بعض الأماكن نتيجة ظروف عربية معينة، ولكن لا حلّ لنا خارج العروبة وخارج هذا النهج، وفي هذا الشهر أتوجه بالتحية إلى المقاومة وكلّ المقاومين الذين ساروا على طريق الكفاح المسلح والذين بقيت فلسطين هي قبلتهم، مع كلّ الأمل أن يبقى الطريق إلى فلسطين هو طريقنا».

وعن كيفية الدفاع عن المقاومة ونهجها وثقافتها، يقول: «يجب أن يبقى صوت المقاومة صارخاً، ونهجها باقياً، وهذا الصوت موجود قبل الشرق الأوسط الجديد الذي اشارت إليه كونداليزا رايس وقبل صفقة القرن، وسوف ينتصر، وكما وعد سيد المقاومة بالنصر سننتصر، تجمعنا مع فلسطين سماء واحدة وسيأتي يوم نذهب فيه إليها..»

الصحافة المكتوبة هي المرجع

وفي ما يتصل بدور الإعلام وتأثيره على الواقع السياسي والثقافي والاجتماعي في ظلّ التطوّر التكنولوجي الذي يؤثر كثيراً على الصحافة الورقية، يقول سويدان: «هناك مؤسسات إعلامية تستحق كلّ التقدير لجهودها ودورها الفاعل في دعم نهج وثقافة المقاومة، منها جريدة «البناء» التي نقدّرها ونكن لها كلّ الاحترام لأنها ثابتة على خطها السياسي الواضح، وبرأيي أنّ التطوّر لا يلغي أهمية النص لأنّ الأرشيف والتاريخ لا يمكن الغاؤه أو اختصاره بصورة وتقرير ووسائل إعلام حديثة، ومن موقعي أعتبر أنّ المرجع الأول والأخير هو الكتاب والنصوص المكتوبة».

ويختم سويدان بالتأكيد أنه لا بدّ لمؤسسات المجتمع المدني من أن تأخذ دورها، لأنّ الدولة لا تقوم بدورها بالكـــامل، ولكــن هذا لا يمنع إيجاد فرص للتنسيق بين الجمعــيات المدنية والقطاع العام كما فعلت الجمعية مع وزارة الشؤون الإجتماعية، مشيراً إلى الأمل بالشباب القادرين على التغيير.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى