لبنان في قمة البحرين شريكٌ وهميٌّ خاسر
د. وفيق إبراهيم
تحضرُ الدولة اللبنانية قمة البحرين في أواخر حزيران المقبل للترابط العميق بين جدول أعمالها وموضوع الفلسطينيين اللاجئين الى أراضيها منذ 1948.
هناك بالطبع اسباب اخرى، وهي ارضاء الرعاة الأميركيين والسعوديين للمؤتمر وضرورة الانسجام معهم في التخطيط الاستراتيجي الكبير.
هنا لا أحد يمانعُ تأسيس علاقات سياسية واقتصادية للبنان مع أطراف وازنة في الاقليم، على المبادئ الأساسية للبنان مع شيء من البراغماتية تتناسب أحياناً مع امكانات الدول الضعيفة.
لكن قمة البحرين تشكل اختراقاً لمبادئ جامعة الدول العربية التي لا تزال ترفض «نظرياً» تشريع لقاءات عربية كبرى بحضور إسرائيلي سياسي وقمة البحرين نموذج لما تأباه جامعة «ابو الغيظ»، لأن وزير المال الاسرائيلي من بين الحضور الوازن والاستراتيجي فيها.
وهي تنعقد للبحث في جذب استثمارات عربية لأراضٍ فلسطينية وتدرس في العمق سبل التعويض على مصر والأردن ولبنان لتوطين اللاجئين على أراضي الدول الثلاث، انها اذاً صفقة القرن بكل ملامحها الفلسطينية والعربية والإسرائيلية وابعادها الاستراتيجية لجهة تحول الصراع العربي الاسرائيلي حلفاً في خدمة الاميركيين.
لذلك، فالسؤال الاول المطروح بإلحاح هو كيف يحضر لبنان قمة لتمويل الاستثمار في «أراضٍ فلسطينية» والمنظمات الفلسطينية والسلطة ايضاً أعلنت انها لن تحضر قمة البحرين ودعت الى مقاطعتها؟
فإذا كان الفلسطينيون هم السبب الأساسي لانعقاد القمة، واذا كانت هذه القمة ذاهبة باتجاه التعامل مع «أراض فلسطينية» فهذا يعني أن لا دولة للفلسطينيين في مجريات صفقة القرن وقد يتوزعون بين الاستيطان في لبنان والأردن ومصر السيسي الذي اعطى موافقة للأميركيين بتوطين كميات كثيفة من الفلسطينيين مقابل «رز وافر» لطالما وعد به المصريون وهي بالطبع عشرات مليارات الدولارات.
فماذا يخسر السيسي إذا أعطى مليون فلسطيني الجنسية المصرية وأضافهم الى 75 من المصريين الفقراء والذين تحت خط الفقر فيصبحون 76 مليون نسمة بدلاً من 75 مليوناً، نظرياً لا توجد مأساة افريقية في هذا البلد وانما مجرد رفع لمستوى البلاد أقل من نصف في المئة.
لذلك لا يحق للبنان المشاركة في قمة عنوانها أراض فلسطينية وترفض كل الاتجاهات الفلسطينية حضورها وتعمل على إجهاضها.
هناك ايضاً اسباب لبنانية وسورية تشجع على مقاطعتها، وعلى رأسها مزارع شبعا وكفرشوبا واراضي العديسة والحدود البرية والبحرية التي تعتدي عليها «إسرائيل» والقسم اللبناني من قرية الغجر المحتلة.
هذا الى جانب محاولات «إسرائيل» السطو على ثروات من الغاز اللبناني موجودة عند الحدود البحرية مع فلسطين المحتلة بمساحة تزيد عن 860 كيلومتراً مربعاً.
لعل هذه الاعتبارات بمفردها اكثر من كافية ليمتنع لبنان عن حضور قمة الانهيار في مملكة الانحطاط.
أما لجهة سورية التي دعمت لبنان في حروب مجابهة «إسرائيل» منذ 1982 وحتى 2006 وتربطها به علاقات تاريخية وسياسية واقتصادية فأراضيها المحتلة في الجولان منذ 1967، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن تقديمها لـ»إسرائيل»؟
وهو لا يستطيع ان يفعل ذلك حتى بأراضي بلاده، التي يمنعهُ دستورها عن التصرف بأراضيها او حتى ضم اراضي بلدان اخرى من دون الموافقة المسبقة للكونغرس الاميركي.
لذلك وبالحد الادنى يجب على لبنان ان يستشير السوريين قبل إعلانه عن حضور القمة، فإذا كان التاريخ «مطموساً» بالتيارات الانعزالية المسعودة فإن الحدود المشتركة الوحيدة التي تنقل لبنان الى الخليج هي الحدود السورية.
كل هذه الأمور وضعتها الحكومة اللبنانية جانباً ولم تلتفت اليها حين قررت حضور قمة البحرين وذلك بحركة استجابة لإيماءات اميركية سعودية، وربما أكثر وقد يتذرع حكام لبنان أن لبنان عضو في منظمات دولية يشارك فيها ممثلوه الى جانب مندوبي «إسرائيل»، ولكن هذا كلام خفيف لان البحرين بلد عربي وليس منظمة إقليمية او أممية.
الواضح حتى الآن ان سر هذا الانجذاب اللبناني الى مداولات البحرين سببه وصول مساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد ساترفيلد الى لبنان وتنقله منه الى «إسرائيل» مرات عدة في خمسة ايام متواصلة، وذلك للتوصل لتسوية للخلاف حول استثمار الغاز قرب الحدود البحرية مع فلسطين المحتلة.
ومقابله نقله صورة إيجابية عن موافقة «إسرائيل» على لقاء في بلدة الناقورة يجمعها بعسكريين لبنانيين وفريق من الأمم المتحدة برعاية أميركية لحل النزاع البحري بينهما بتحكيم أممي، طلب ساترفيلد من اللبنانيين تجميد البحث في المطالبات اللبنانية بتحرير أراضيه المحتلة بما فيها تسوية اختراقات «إسرائيل» للحدود.
هذا العرض مغرٍ من جهة ويشكل كميناً إسرائيلياً من جهة ثانية مليئاً بالخبث الرامي الى تفجير الأوضاع الداخلية في لبنان.
هو مغرٍ لأنه وجهة نظر الامم المتحدة في النزاع البحري أقرب الى الرأي اللبناني الذي يعتبر أن مساحة 860 كيلومتراً مربعاً في اعماق حدود لبنان البحرية هي لبنانية بالكامل وتحتوي على كميات وازنة من الغاز.
أما الخبيث، فإن طلب تجميد البحث بموضوع الأراضي اللبنانية المحتلة مترافقة مع ايحاءات من ساترفيلد بأن المفاوضات على هذا الموضوع ترتبط بتعهد رسمي لبناني بوقف كل أعمال المقاومات.
وهناك همسات بأن ساترفيلد غمز لتحالفات بلاده السياسية في لبنان بضرورة ترسيم الحدود البحرية الشمالية مع سورية، لأن هناك خلافاً حول ألف كيلومتر مربع تحتوي على كميات من الغاز.
فهل تنفجر العلاقات بين القوى الرسمية في لبنان؟
يعمل ساترفيلد على ذلك وسط ارتفاع اصوات ناشزة تزعم أن سورية تحتل هذه المنطقة البحرية وتُصرُ تالياً على مساواتها بالاحتلال الإسرائيلي البري والبحري في الجنوب.
لكن للأطراف الوطنية اللبنانية أساليب رادعة تقنع الجميع أن الغاز لبناني والمقاومة ضرورة استراتيجية وسورية هي قلب المنطقة النابض.