عرب المقاومة عاودوا النهوض «صفقة القرن» تتهاوى…

عصام نعمان

بعد أقلّ من شهرين على انتهاء الانتخابات الأخيرة في «إسرائيل» وجد بنيامين نتنياهو نفسه مضطراً الى إجراء انتخابات جديدة في 17 أيلول/ سبتمبر المقبل. السببُ المباشر عجزه وحزبه المنتصر في الانتخابات الأخيرة 35 مقعداً عن تأليف حكومةٍ جديدة، ما حمله وحلفاؤه من أحزاب اليمين على حلّ الكنيست. لماذا لم يلجأوا الى طرائق أخرى؟

لثلاثة أسباب: أوّلها، لأنّ نتنياهو لا يطيق ان تُشكَّلَ حكومة لا يكون هو رئيسها بعدما أصبح في التاسعة والستين، وقد لا يترأس حكومة غير الحاليّة مرةً أخرى. ثانيها، انه أخفق في تأمين كتلة نيابية بديلة من كتلة حزب «إسرائيل بيتنا» بزعامة غريمه أفيغدور ليبرمان، ترضى بالإشتراك معه في الحكومة لتأمين الأكثرية اللازمة 61 صوتاً في الكنيست لنيل الثقة. ثالثها، لأنه ما زال يؤمّل، وهو رئيسٌ لحكومةٍ انتقالية، بأن يبقى لديه من السلطة والنفوذ ما يمكّنه من تفادي توجيه إتهامٍ له بالفساد وقبول الرشوة في قضايا عدّة ما زالت قيد التحقيق.

فشل نتنياهو المدوّي لن ينعكس على مستقبله السياسي الشخصي فحسب بل يترك تداعيات سلبية أيضاً على مكانة «اسرائيل» ودورها إقليمياً ودولياً. أيُّ جدّية تبقى لـِ «صفقة القرن» بعدما أصبحت «إسرائيل» من دون حكومة قادرة على التفاوض والالتزام مع أطرافٍ أنداد؟ بل أيّ مستقبل لصفقة القرن وللمؤتمر الإقتصادي الممهّد لها المزمع عقده أواخرَ الشهر الجاري في البحرين بعدما رفضت السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير برئاسة محمود عباس وجميع فصائل المقاومة حضورَ المؤتمر المرتجل والمهتزّ أصلاً والمرشح الآن لمزيد من الإهتزاز وربما التأجيل؟

تداعيات فشل نتنياهو لن تترك آثارها على بعض الدول العربية المنخرطة في أنشطة تطبيعية معه فحسب بل ستنعكس أيضاً على حليفه الأثير دونالد ترامب الذي كان يعوّل على إنجاح «صفقة القرن» وقيدها في سجل أرباحه السياسية قبل الخريف القادم ليترسمل عليها في حملته السياسية والإعلامية للفوز بولاية رئاسية ثانية.

إلى خسارة ترامب الماثلة، ثمة خسارة إضافية ستتكبّدها كلّ من واشنطن وتل أبيب اللتين تراهنان على إجراء مفاوضات مع لبنان حول ما يُسمّى «ترسيم» الحدود البرية والحدود البحرية معه. نتنياهو كان يعوّل على جني أرباح من هذه المفاوضات المزمع إجراؤها برعاية الأمم المتحدة وبحضور ممثل للولايات المتحدة كوسيط مقبول من الطرفين.

حتى قبل فشل نتنياهو في تأليف حكومة جديدة، لم يكن القادة اللبنانيون المسؤولون عن حماية حقوق لبنان «الحدودية» في البر والبحر في صدد القبول بما يعتزم نتنياهو وفريقه تقديمه من اقتراحات وآليات. ذلك انّ لبنان كان وما زال يتمسك بمبدأ التفاوض في إطار اتفاقية الهدنة للعام 1949 كونه ما زال في حالة حرب مع «إسرائيل» الأمر الذي ترفضه دولة العدو وتحاول إطلاق المفاوضات في ضوء سلسلة من «حقائق الأمر الواقع» نشأت بعد قيام «إسرائيل»، لا سيما نتيجةَ حرب 1967 وحرب 1982. فوق ذلك، يرفض لبنان تكريس «الخط الأزرق» الذي جرى اعتماده نتيجةَ قرار مجلس الأمن الدولي 1701 الصادر بعد حرب «إسرائيل» الفاشلة على لبنان والمقاومة حزب الله العام 2006. فالخط الأزرق لا يتطابق مع خط الحدود الدولية المعترف بها منذ العام 1924 بموجب اتفاق «بولي- نيوكاب» بين فرنسا المنتَدَبَة على لبنان وبريطانيا المنتَدَبَة على فلسطين آنذاك. وعليه، يتمسك لبنان بالحدود الدولية كي يحمي منطقته الإقتصادية الخالصة في البحر الأبيض المتوسط المحاذية للمياه الإقليمية لفلسطين المحتلة حيث أقامت «إسرائيل» منشآت نفطية وغازية وترغب في قضم المزيد من أراضي لبنان الحدودية وترجمة ذلك لصالحها في ترسيم الحدود البحرية.

إلى ذلك، يزداد رفض الفلسطينيين لصفقة القرن ولمؤتمر البحرين الاقتصادي تصلّباً ورسوخاً. ففي غزة، ولمناسبة «يوم القدس العالمي»، تبارى قادة «حماس» والجهاد الإسلامي وسائر فصائل المقاومة الناشطة في القطاع المحاصَر بشجب الصفقة والتنديد بالدول والأطراف العربية السائرة في خط قطارها الصهيوأميركي. أكثر من ذلك، توعّد يحيى السنوار، قائد «حماس» في غزة، كما الأمين العام للجهاد الإسلامي زياد نخاله، بإمطار «إسرائيل» بصواريخ أكثر عدداً وأشدّ فعالية من تلك التي أطلقت في حرب العام 2014، رافعين معادلة جديدة لافتة: «قصف تل ابيب مقابل قصف غزة».

الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله حيّا في المناسبة عينها يوم القدس العالمي تصميم قادة المقاومة في غزة على ردّ الصاع صاعين على أيّ عدوان إسرائيلي. مجّد مقاومة شعب اليمن الساطعة للعدوان الأميركي -السعودي. نوّه بدعم إيران السخي، سياسياً ومالياً وعسكرياً، لقوى المقاومة العربية في وجه الولايات المتحدة والكيان الصهيوني. توعّد بإقامة صناعة للصواريخ الدقيقة في لبنان ردّاً على تغوّل أميركا في دعم العدوان الصهيوني على الأمة كافةً.

كلّ هذه التطورات توحي بأنّ أطراف محور المقاومة انتقلت من حال الدفاع الى حال الهجوم ضدّ العدوان الصهيوأميركي، وانّ سياسة إدارة ترامب المعروفة بإسم «صفقة القرن» آخذة بالتهاوي، وانّ مؤتمر البحرين الإقتصادي مرشح للتأجيل في غمرة رفض الفلسطينيين القاطع المشاركة فيه.

حال الأمة ليست سيئة بقدْر ما يظّن الأعداء. فالعرب الأحياء، أيّ عرب المقاومة، عاودوا النهوض والفعل، والنتائج المتراكمة لافتة وتنعكس إيجاباً على موازين القوى المتغيّرة في شتّى الميادين والساحات.

وزير سابق

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى