الحرب التجارية الأميركية الصينية: دلائل وتداعيات…
زياد حافظ
العلاقات الأميركية الصينية لا تختلف عن العلاقات مع روسيا من ناحية العداء والتوتّر. فالولايات المتحدة على وشك أن تصبح دولة كبيرة ولكن من الدرجة الثانية، هذا إذا ما بقيت! فالإخفاقات في سياستها الخارجية هي قمة الجليد الذي يرسم الوضع المترنّح للنظام السياسي والاقتصادي القائم، بل حتى النظام القيمي الذي يحكم سلوك النخب الحاكمة. والنتائج السيئة التي تحصدها الولايات المتحدة في نموذجها الاقتصادي يعود في المرتبة الأولى إلى القرارات المفصلية التي اتخذتها منذ بداية السبعينات في التحوّل من مجتمع صناعي كان مصدر السلع الأساسي للعالم إلى مجتمع ما بعد الصناعة. وهذا بحث منفصل عما يهمّنا في هذه المقاربة وهي الدلائل والتداعيات للحرب التجارية التي شنّتها الولايات المتحدة على الصين وحتى الاتحاد الأوروبي واليابان، غير أننا سنركّز على الصين لضيق المساحة.
لكن لا بدّ من عرض الوقائع الأساسية لحالة العلاقات الاقتصادية الأميركية الصينية بعد وصول الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في كانون الثاني/ يناير 2017. هنا نذكّر أنه خلال حملته الانتخابية لم يتوان عن مهاجمة الصين والفائض في الميزان التجاري لصالح الصين و«الغش» في سلوك الصين عبر دعم المؤسسات الاقتصادية. في المقابل، سردية الصين مختلفة كلّيا كما جاء في برنامج تلفزيوني لمحطّة صينية ناطقة باللغة الإنكليزية تضع واقع الحرب التجارية القائمة في سياق تطوّر العلاقات بين الدولتين. وخلاصة السردية هي أنّ التوتّر الحاصل الآن بعد عقود طويلة منذ أواخر السبعينيات من القرن الماضي من التعاون المثمر يعود إلى خلل بنيوي في كلّ من الولايات المتحدة والصين. هذه المرّة الأولى التي نجد الصين تعترف بخلل بنيوي سبّب التوتر. ذلك الخلل يعود إلى أنّ الصين أنتجت أكثر مما يجب بينما الولايات المتحدة استهلكت أكثر مما يسمح لها دخلها. في كلا الحالتين شيء من الحقيقة ولكن القصّة في رأينا أبعد من ذلك.
فما تقوم به الإدارة الحالية الأميركية لا يختلف كثيراً عما كانت تقوم بها الإدارات السابقة في ما يتعلّق بالعلاقة مع الصين. الفرق هو أنّ إدارة ترامب خلعت قناع اللباقة ورمت الدبلوماسية في سلّة المهملات وأصبحت تتصرّف وفقا لما تعتقده تفوّقها العسكري والاقتصادي والمالي. فهي تريد القضاء على أيّ منافسة لها وخاصة شركة هوا واي التكنولوجية كما صرّح المستشار الاستراتيجي السابق ستيف بانون وفقاً لصحيفة «ساوث شاينا مورنيغ بوست». فالولايات المتحدة تشعر بتراجعها الاستراتيجي وتتخبّط في محاولات متعدّدة لاسترجاع ريادتها وتفوّقها الاستراتيجي غير أنّ مكوّنات ذلك التفوّق لم تعد قائمة كما شرحناه في مقالات وأبحاث عديدة. أما اليوم فنشهد فصلاً جديداً من تلك المحاولات في ما يُسمّى بالحروب التجارية التي هي شكل من الحروب غير الدموية ولكن لا تختلف عن جوهر الحروب التقليدية. فهذه الحروب قد تكون باردة كما هو الحال مع كلّ من روسيا وكوريا الشمالية والجمهورية الإسلامية في إيران وفنزويلا والصين أو ساخنة بالوكالة كما يحصل في سورية أو مباشرة كما يحصل في أفغانستان. فالولايات المتحدة بلاد الحروب الدائمة وهي منذ نشأتها منذ 243 سنة في حروب دائمة باستثناء حقبة الثلاثينات من القرن الماضي.
العجز التجاري…!
المشكلة كما صوّرها الرئيس الأميركي هو العجز التجاري لصالح الصين والعائد للغش كما يزعمه. فما هو حجم العجز التجاري بين الولايات المتحدة والصين الذي يشكّل قاعدة الحرب التجارية التي بدأها ترامب؟ عام 1985 كان العجز فقط 6 مليون دولار بينما وصل العجز عام 2018 إلى 420 مليار دولار! إجمالي صادرات الصين للولايات المتحدة هو 540 مليار دولار بينما أجمالي الصادرات الأميركية للصين 120 مليار دولار. أبرز الصادرات الصينية للولايات المتحدة هي في آليات الحاسوب 77 مليار دولار في الهاتف الجوّال 70 مليار دولار وفي الملبوسات والأحذية 54 مليار دولار . وأبرز الصادرات الولايات المتحدة للصين هي في الطائرات 16 مليار دولار ، في فول الفاصوليا 12 مليار دولار ، وفي السيّارات 10 مليار دولار .
أما أسباب العجز فتعود أصلاً إلى انخفاض كلفة الإنتاج للسلع في الصين. ويعود ذلك إلى تدنّي مستوى المعيشة في الصين مقارنة مع الولايات المتحدة ما مكّن الشركات الصينية دفع أجور أقلّ بكثير عما يُدفع في الولايات المتحدة. كما أنّ الاستثمار في البنى التحتية والمعدّات ركيزة أساسية في سياسة الدولة والشركات في الصين بينما هناك إهمال مزمن لذلك النوع من الاستثمار في الولايات المتحدة. والسبب الثاني هو ثبوت سعر صرف اليوان تجاه الدولار. لسنا في وارد تحليل البنى الاقتصادية لكلّ من الولايات المتحدة والصين وإن كانت ضرورية لفهم ما يحصل وذلك لضيق المساحة المتاحة في هذه المقاربة. فلا يجب أن ننسى أن الولايات المتحدة قرّرت منذ السبعينات إعادة توطين قاعدتها الإنتاجية الصناعية خارج الولايات المتحدة والتركيز على قطاع الخدمات للتحوّل إلى مجتمع ما بعد الصناعة. بينما الصين اتبعت سياسة مختلفة هدفها نشل 600 مليون صيني من مستوى الفقر إلى مستوى الطبقة الوسطى على أن يصبح السوق الصيني بحلول 2030 أكبر سوق استهلاكي في العالم مع متوسّط للدخل الفردي بقيمة 25 ألف دولار سنوياً. والمقارنة بين البلدين تستوجب بحثاً منفصلاً ومطوّلاً لا يمكننا الآن الخوض فيه. لكن من الواضح أنّ البنى المختلفة والسياسات المتبعة بين البلدين من أسباب النمو الكبير في الاقتصاد الصيني والتراجع في الاقتصاد الأميركي.
التعريفات الجمركية هدفها الأول حماية الصناعات المحلّية من المنافسات الخارجية التي قد تكون مشروعة أو غير مشروعة. أما الهدف الثاني فهو معاقبة الطرف الذي تٌفرض عليه التعريفات الجمركية كما هو الحال مع الصين، بل نعتقد أنّ الهدف غير المعلن هو ليس لتصحيح اللاتوازن في الميزان التجاري بين الولايات المتحدة بل لتدمير في الحدّ الأقصى البنية الاقتصادية الصينية أو في الحدّ الأدنى عرقلة النمو النموذجي الذي أوجدته الصين منذ عدّة عقود بينما تراجع النموذج الأميركي. فالعقوبات هي ترجمة فعلية للأفق المسدود الاقتصادي الأميركي في التنافس الدولي بينما هو في الحقيقة نتيجة لقرار واع اتخذته النخب الحاكمة الأميركية منذ أربعة عقود في إعادة توطين قاعدتها الصناعية خارج الولايات المتحدة. هذا الموضوع يفتح باب النقاش حول النموذج الاقتصادي الذي تتبعه الولايات المتحدة بعد قرارها الانتقال من الحالة الصناعية الأولى في العالم إلى الحالة مع بعد الصناعة.
فما هو مسلسل الأحداث منذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض؟ في مطلع شهر آذار/ مارس 2018 أعلن الرئيس الأميركي فرض تعرفة جمركية على استيراد الصلب والفولاذ الصيني بنسبة 25 بالمائة و10 بالمائة على الصادرات الصينية للولايات المتحدة للألمنيوم. قيمة التعرفة الجمركية وصلت إلى 34 مليار دولار. ردّت الصين عبر إلغاء كافة عقود الاستيراد من فول الصويا الضرورية لتغذية الماشية عندها. فقبل العقوبات والتعرفة الجمركية هي في هذا السياق عقوبة كانت تستورد الصين من الولايات المتحدة ما يوازي 33 مليون طن من فول الصويا بينما في نهاية 2018 هبطت إلى 16،6 مليون طن، أيّ النصف. تداعيات تلك حرب التجارة مع الصين انعكست على فول الصويا فكانت مدمّرة على المزارعين الأميركيين الذين صوّتوا بأغلبية لدونالد ترامب عام 2016! وتفادياً للانعكاسات السلبية على فرص فوزه عام 2020 أعلنت الإدارة تخصيص 60 مليار دولار لمساعدة المزارعين المتضرّرين من تلك الحروب!
التعرفة الجمركية على الصلب والفولاذ والألمنيوم لم تفرض فقط على الصين بل على جميع حلفاء الولايات المتحدة الذين يورّدون تلك السلع للولايات المتحدة، أيّ الاتحاد الأوروبي واليابان. كان هدف الرئيس الأميركي دفع الصناعة الأميركية للصلب والفولاذ والألمنيوم للمزيد من الإنتاج في ظلّ الحماية الجمركية وبذلك استرجاع الوظائف المفقودة وبالتالي تحقيق وعوده الانتخابية. غير أنّ ذلك لم يتحقق حتى الآن وليس هناك في الأفق القريب أو البعيد ما يدلّ على إمكانية تحقيقه. بل العكس أقدمت الإدارة في مطلع هذا الشهر على فرض تعرفة جمركية بنسبة 25 بالمائة على ما يوازي 200 مليار دولار من الصادرات الصينية للولايات المتحدة مع تهديد لزيادة التعرفة على ما يوازي 325 مليار دولار. والحبل على الجرار.
إجراءات عدوانية
وفي نفس السياق أقدمت الإدارة الأميركية على سلسلة من الإجراءات العدوانية على أكبر شركة صينية بل في العالم المنتجة لأجهزة الجوّال أيّ شركة هوا واي. أولى هذه الإجراءات هو تلفيق اتهامات متعدّدة لابنة الرئيس المؤسس للشركة ورئيسة الإدارة المالية للشركة بخرق قوانين أميركية تمّ توقيفها في كندا بناء على طلب أميركي. لم يكتف الرئيس الأميركي بذلك بل أمَر منع التعامل المطلق مع الشركة بسبب الخطر الذي تشكّله على الأمن القومي الأميركي على حدّ زعمه، ما جعل شركة غوغل توقف التعامل مع الشركة المذكورة. وبغضّ النظر عن أحقية الموقف الأميركي أو لا إلاّ أنّ بلطجية السلوك الأميركي مفادها عدم الاكتراث لأيّ قانون غير القانون الأميركي. فالمسؤولة الصينية ليست مواطنة أميركية وليست موجودة في الولايات المتحدة بل كانت في زيارة إلى المكسيك من هونغ كونغ مع وقفة في كندا حيث تمّ توقيفها بناء على الطلب الأميركي. رضوخ الدولة الكندية والقضاء الكندي للمشيئة الأميركية غير القانونية من دلائل التبعية الكندية المطلقة للولايات المتحدة مع حكومة جوستات ترودو. والمسلسل مستمرّ عند تحرير هذا المقال.
فما هي نتائج ذلك العمل تجاه شركة هوا واي وبشكل أشمل العقوبات المفروضة على الصين وحتى حلفاء الولايات المتحدة؟ في ما يتعلّق بالرئيس الأميركي فيعتبر الإجراءات بحق الشركة «ورقة» يمكن استعمالها في المفاوضات بين الولايات المتحدة والصين. توقفت تلك المفاوضات لأنّ الولايات المتحدة اعتبرت أنّ الصين أخلّت بالتزاماتها. فالولايات المتحدة تطلب من الصين قوانين صارمة وآليات تنفيذ منها السماح لمفتّشين أميركيين الدخول إلى المؤسسات والشركات الكبرى للتأكد من التزام الصين. أما الأخيرة فلا تقبل أيّ إجراء يُشكّل انتهاكاً لسيادتها. الصين أعربت عن قبولها زيادة استيراد السلع من الولايات المتحدة غير انّ الحقيقة المرّة هي أن لم يعد لدى الولايات المتحدة ما يمكن تقديمه للصين من سلع لا تنتجها هي بشكل أفضل وبسعر أرخص. فما تقدّمه الولايات المتحدة هو في مجال المواد الأولية ومنتوجات الغذاء.
إضافة إلى ذلك تطلب الإدارة الأميركية من الحكومة الصينية وقف دعمها للشركات الصينية المصدّرة حيث أصبح التنافس معها غير ممكن. كما أنها تطلب من الحكومة الصينية رفع قيمة الصرف للعملة الصينية كي تصبح سعر البضاعة الصينية أغلى وذلك لمصلحة المنافسين الأميركيين وغير الأميركيين.
هناك تضارب في آراء المحلّلين والمراقبين الأميركيين حول جدوى ونتائج سياسات التعريفات الجمركية تجاه السلع الصينية. فما وجدناه من كتابات وتعليقات يعكس في الدرجة الأولى التوجّهات السياسية لصاحبيها وإنْ كان بعض ما يقولونه صحيحاً. فمن يؤّيد الإدارة الأميركية يشيد بجدوى السياسة المتبعة كدافيد مظاهري المحلّل الاقتصادي والشريك المدير لعدد من شركات الاستثمار. ويعتبر مظاهري أنّ الولايات ربحت الجولة الأولى حيث أربكت القيادة الصينية. وبالفعل، أعلنت الحكومة الصينية أن توقّعاتها في معدّل النمو الاقتصادي السنوي سيتراجع بنسبة 0،3 بالمائة. لكن يضيف مظاهري أنّ المكسب غير المعلن للولايات المتحدة هو دفع القيادة الصينية إلى اتباع سياسة اقتصادية أكثر نيو ليبرالية مما هي عليه وهذا شيء يفيد الولايات المتحدة حيث ستفقد الحكومة الصينية السيطرة على مجريات الأمور عبر تخفيض القيود الناظمة والسماح للتنافس الخارجي.
في المقابل يعتبر جوشوا ملتزر كبير المحلّلين الاقتصاديين في معهد بروكنز أنّ ترامب أخطأ في استراتيجيته في فرض التعريفات دون أن يحدّد ما هو مطلوب من الصين على صعيد تخفيض الدعم للشركات الصينية المملوكة من الدولة الصينية. كما أنه يندّد بقرار ترامب من الانسحاب من منظمة المشاركة عبر المحيط الهادي تي بي بي التي مهمتها محاصرة الصين. هذه المشاركة كانت لتسمح للمزارع الأميركي الاستفادة من التسهيلات التفضيلية في العديد من الأسواق الآسيوية التي يستفيد منها منافسو الولايات المتحدة في كلّ من كندا وأستراليا.
أما شركة غولدمان ساكس فاعتبرت أنّ الإجراءات الأميركية ضرّت وستضرّ المستهلك الأميركي الذي سيتحمّل وزر ارتفاع الأسعار. والصندوق النقد الدولي اعتبر أنّ الحرب التجارية ستضّر بالنمو العالمي وليس فقط بنمو الدولتين. فالحرب التجارية تمتدّ إلى ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة. البعض يعتبر أنّ الانكماش الاقتصادي المرتقب عن تلك الحرب التجارية سيضرّ أكثر الصين من الحرب التجارية القائمة مع الولايات المتحدة.
منع التعامل مع شركة هوا واي بسبب «الخطر على الأمن القومي الأميركي» قد يكون سلبياً في المدى القريب للشركة على مبيعاتها في العالم خاصة بعد قرار شركة غوغل بقطع العلاقات معها. هذا سيجعل الهواتف التي تصنّعها هوا واي عاجزة عن استعمال العديد من التطبيقات المعروفة بآبس التي تنتجها كاليوتيوب مثلا. لكن قد تشكّل فرصة لشركة هوا واي لتطوير تطبيقاتها التي ستنافس تطبيقات شركة غوغل. لكن تفاقم الصراع بين الحكومة الأميركية والشركة قد يمتدّ إلى العديد من الشراكات التكنولوجية حيث التكامل بين المنتوجات الأميركية والصينية في تلك الشركات كبير جدّاً. وبالفعل كان الارتداد سلبياً على أسعار شركات التكنولوجيا في البورصة الأميركية حيث خسرت الشركات التكنولوجيا عند إعلام المنع بالتعامل مع هوا واي.
تشخيص خاطئ…
من المبكر في رأينا إصدار الحكم على القرارات التي اتخذتها الإدارة الأميركية وإن كنّا نميل إلى تقدير سلبيتها أكثر من ايجابياتها. فتشخيص المشكلة للاقتصاد الأميركي تشخيص خاطئ. فهو يقارب الظاهرة، أي العجز في الميزان التجاري، دون ان يقارب ويراجع بنية الاقتصاد الأميركي والسياسات التي اتبعت على مدى ما يقارب أربعة عقود. المشكلة بنيوية وليست عائدة للعجز في الميزان التجاري. فالعجز بحدّ ذاته ليس سلبياً إذا كان فائض الاستيراد لدعم الاستثمار الداخلي. أما إذا كان فقط لإشباع الاستهلاك فهذا يعني أنّ الطاقة الإنتاجية المحلّية غير كافية لسدّ الطلب. من جهة أخرى، فإنّ سياسة فرض التعرفة الجمركية ليست سلبية كما يدّعي مروّجو السياسات النيوليبرالية. فإذا كانت تلك السياسة لحماية الصناعة المحلّية وفقاً لخطّة مدروسة للوصول إلى التنافس الدولي بالقدرات الذاتية فهذا شيء مقبول. هذا ما فعلته الهند منذ الحصول على استقلالها عام 1947. وهذا ما فعلته الدول المتقدّمة إلى أن سيطرت على الاقتصاد العالمي فسمحت لنفسها رفع القيود لأنها كانت واثقة من إمكانية التحكّم بآليات الأسواق الدولية.
انّ استمرار الحرب التجارية قد تكون لها عواقب على الجميع وخاصة على الولايات المتحدة التي لا تستطيع المنافسة. فالصين تملك أوراقاً هامة جدّاً كحملها لسندات الخزينة بقيمة 1،28 تريليون دولار أيّ ما يوازي 28 بالمائة من الدين الخارجي الأميركي. فإذا قرّرت الصين التخلّي عن حمل تلك السندات فستضطر الولايات المتحدة إلى طبع المزيد من النقد ما سيؤّدّي إلى انهيار قيمة صرف الدولار وتعميق العجز في الميزان التجاري والمدفوعات والموازنة الداخلية. من جهة أخرى، الصين تنتج وتكرّر المعادن الأرضية النادرة التي تعتمد عليها الصناعات التكنولوجية الحديثة والمرتقبة بما فيها شركات التسليح الأميركية ما يجعل الولايات المتحدة تحت رحمة المشيئة الصينية. فالصين وكوريا الشمالية وجمهورية الكونغو الديمقراطية من أهمّ منتجي تلك المعادن. من جهة أخرى، تستطيع الصين الصمود أكثر من الولايات المتحدة لأنّ الدولة بقيادة الحزب الشيوع تسيطر على كلّ شيء.
شروع الولايات المتحدة في الحروب التجارية في الحالة التي هي عليها اليوم دليل ساطع على أنها فقدت زمام المبادرة. فهي تقود حرب خلفية لتأخير النتيجة الحتمية لأفولها إنْ لم نقل لخروجها من المشهد الدولي ضمن فترة قد لا تتجاوز العقدين من الزمن.
العقوبات هي ترجمة فعلية للأفق المسدود الاقتصادي الأميركي في التنافس الدولي بينما هو في الحقيقة نتيجة لقرار واع اتخذته النخب الحاكمة الأميركية منذ أربعة عقود في إعادة توطين قاعدتها الصناعية خارج الولايات المتحدة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كاتب وباحث اقتصادي وسياسي والأمين العام السابق للمؤتمر القومي العربي