ألين الجردي: التربية الإعلامية تظهر التركيبات المخفيّة ولا بدّ من إدراجها كاختصاص جامعيّ وضمن المنهج الدراسيّ
حاورها: نبيل المقدّم
«التربية الإعلامية تظهر التركيبات المخفيّة» بهذا القول لـ» BULGER AND DAVISON « تبدأ الدكتورة ألين الجردي المتخصصة في التربية والتعليم والأستاذة الجامعيّة والمدرّبة الأكاديمية حديثها لـ»البناء» حول مفهوم التربية الإعلامية والذي هو مادة جديدة تعطي المتلقي القدرة على نقد المحتوى الإعلامي وتحليله وتقييمه. للتربية الإعلامية إيجابيات كثيرة أهمّها تنمّي القدرات الذهنية العليا عند المتلقي، خصوصاً عند الفئات العمريّة الصغيرة. وتجعل منهم أكثر قدرة على التحليل والتركيز والمشاركة في صنع القرار.
حول هذا التقت «البناء» الدكتورة ألين الجردي وكان هذا الحوار.
لنتعرف في البداية على مفهوم التربية الإعلامية.
ـ التربية الإعلامية هي نهج أكاديمي حديث. من خلال التربية الإعلامية يمكن للفرد ليس فقط مشاهدة المحتوى الإعلامي بل أيضاً نقده وتقييمه وتحليله. تكمن أهمية التربية الإعلامية في أنها تنمّي القدرات الفكرية العليا أولاً، والفكر النقدي ثانياً خصوصاً عند الطلاب. كما تنقلنا التربية الإعلامية من عملية تلقي المحتوى الإعلامي فقط الى مرحلة أكثر تطوراً وأهمية، وهي تشغيل القدرات الذهنية للمتلقي. وهذا من شأنه تخفيف الآثار السلبية لبعض المحتويات الإعلامية، وخاصة تلك التي تحتوي على مشاهد عنيفة، وكما هو معروف فإن المحتويات السلبية للإعلام من شأنها أن تأتي بالضرر على كل أفراد المجتمع خصوصاً الأطفال والمراهقين.
من خلال التربية الإعلامية أصبح بإمكاننا لفت نظر الأهل والمربّين والأكاديميّين في المدراس والجامعات إلى أهمية المنحى الإيجابيّ للطلاب، وكيفية الاستفادة منه من خلال الإعلام.
مَن هي الفئة التي يجب أن نتوجّه إليها من خلال التربية الإعلامية؟
ـ التربية الإعلامية ليست مقتصرة على فئة من أبناء المجتمع دون أخرى، فالجميع يحتاج التربية الإعلامية صغاراً أو كباراً. فالإعلام كما هو معروف مادة مهيمنة فرضت نفسها على مجريات هذا العصر. نحن كمتخصصين في التربية الإعلامية نركّز في عملنا على ثلاثة عناصر وهي: الأهل والتلاميذ والأساتذة. مع العلم أن التركيز مع كل عنصر من هذه العناصر يتم بطريقة مختلفة عن العنصر الآخر. أعطيك مثالاً: تعريف الأهل على التربية الإعلامية يرتكز حول كيفية التعاطي مع الأولاد من خلال الحوار والاشتراك سويّاً في تقييم المحتوى الإعلامي للمادة سواء كانت مرئية أو مكتوبة أو مسموعة، وهذا من شأنه تجنيب الأولاد آثاراً سلبية كثيرة. أما بالنسبة للمدراس فإن العمل يتم مع الأساتذة حول كيفية دمج التربية الإعلامية ضمن المناهج الدراسية. ولكن في النهاية الأهداف هي واحدة. لذلك نأمل ونسعى أن يصبح هناك في لبنان تخصّص جامعي اسمه «التربية الإعلامية»، وأن يتم دمج التربية الإعلامية في المناهج التربوية المدرسية. لا أنكر أن ثمة محاولات في هذا الصدد، ولكن هذه المحاولات ما زالت خجولة في المنطقة وتحتاج إلى تطوير.
هل هناك عمر معين يجب أن يبدأ فيه الطفل في التحوّل من مجرد متلقٍ إلى مشارك في صناعة المحتوى الإعلامي؟
ـ بحسب المعايير المحدّدة من قبل الأكاديمية الأميركية لطبّ الأطفال AAP فإن الاستهلاك الإعلامي لدى الأطفال يفضل أن يبدأ من عمر السنتين وما فوق، وأن يكون لوقت قصير وبمشاركة الأهل. ولكن بشكل عام، يتم تجاوز هذه القاعدة اذ يتم تعريض الأطفال للمحتوى الإعلامي في سنّ مبكّرة قد يبدأ من عمر الستة أشهر الأمر الذي تنتج عنه سلبيات كثيرة مستقبلاً. أنا أنصح دائماً بأن تبدأ التجربة الإعلامية للأطفال مع بدء قدرتهم على التواصل، وهذا الأمر يتفاوت بين طفل وآخر. لذا يفضّل رفع العمر إلى ثلاث سنوات والتأكيد على مشاركة الأهل وانتقاء محتوى ذي قيمة تربوية وتثقيفية.
لماذا لا نترك التربية الإعلامية لوسائل الإعلام، وما المانع في ذلك؟
ـ عادة تلجأ وسائل الإعلام الى تحديد الفئة العمرية لكلّ محتوى يتم عرضه على شاشتها، وهذا أمر مطلوب منها، ولكن بالرغم من ذلك نحن لا نستطيع أن نثق جداً بهذا التحديد.. مثلاً بعض الإعلانات التي يتم عرضها خلال البرامج والأفلام الخاصة بالأطفال تشكّل ضرراً عليهم، لذلك وعي الأهل هنا مهم جداً. وهذا لا يتم الا من خلال التربية الإعلامية. نحن لا نستطيع ترك الموضوع على عاتق وسائل الإعلام فقط.
هل ثمة مواد إعلامية محدّدة يجب التركيز عليها من خلال التربية الإعلامية أكثر من غيرها؟.
ـ كلّ المواد الإعلامية التي هي موجهة للأطفال والمراهقين والفئات العمرية الشابة يجب التركيز عليها، من الافلام والمسلسلات وصولاً إلى العروض التجارية والدعايات، وهناك أيضاً ألعاب إلكترونيةً يتم اليوم استهلاكها بشكل كبير من قبل الناشئة والاطفال. كما أن هناك المواد التي تحتوي على مشاهد عنيفة. آخر الإحصاءات الحديثة تقول إن نسبة الاستهلاك الإعلامي للأطفال والمراهقين تزيد عن خمس عشرة ساعة أسبوعياً. وهذا رقم كبير ومخيف. هذا عدا نسبة الاستهلاك لوسائل التواصل الاجتماعي.
ما الجديد الذي تقدّمه التربية الإعلامية؟
ـ الإعلام بتعريفه هو قناة تواصل، الأمر المميز بالتربية الإعلامية أنها لا تركّز على قناة تواصل واحدة أو محتوى واحد. قديماً كانت وسائل التواصل محصورة بالراديو والتلفزيون. أما اليوم فلقد تطورت وسائل التواصل، فأصبحت هناك الهواتف الذكية والانترنت يعني أنه أصبح هناك وسائل غنية ومتعددة، وكل هذه الوسائل تشملها التربية الإعلامية. لكون اليوم أصبح هناك في المجتمع وسائل إعلامية كثيرة. بالاضافة الى كون هذه التربية تحاكي اهتمامات هذا العصر، فمن شأنها أيضاً أن تحث المشاهد على تحليل وتقييم المواد الإعلامية.
مَن هو المستهدف بالتربية الإعلامية؟
ـ نحن اليوم نسعى للوصول إلى أكبر عدد ممكن من المؤسسات التربوية، ومن الأهالي أيضاً، وذلك بغية لفت نظرهم إلى أهمية التربية الإعلامية وهذا من شأنه تلافي السلبيات التي قد تنتج عن سوء استخدام وسائل الإعلام، ولكن في الوقت نفسه نحن لا نريد أن نتحدث فقط عن المشاكل نريد أيضاً الإضاءة على الحلّ. الحلّ الأمثل بنظري، ومن خلال التجربة والممارسة يتمثّل بالتربية الإعلامية وهذا يتطلّب ادخال التربية الإعلامية كمادة تدرس في المدارس أو تدمج في المنهج. هذا الأمر لن تكون إفادته فقط في إطار التربية الإعلامية بل هي ستشمل حتماً المواد الدراسية الأخرى، وذلك بعد أن أشارت العديد من الدراسات إلى أن التربية الإعلامية تنمّي القدرات الذهنية العليا عند الأفراد. وهذا الأمر له تأثير إيجابي على المواد الدراسية الأخرى. إذا نحن أمام خيار يؤمّن لنا جيلاً صاعداً مفكّراً ونقلة نوعية بالتعليم إضافةً إلى تربية إعلامية صحيحة.
عندما يكون الشخص فقط متلقياً هذا يعني أنه لا يفكر، ولا يحلّل. وهذا يعني أيضاً أنه لا يستخدم القدرات الفكرية والذهنية التي أشرنا إليها خلال الحديث، بحسب تصنيف «بلوم». فإن مستويات التفكير تبدأ من المعرفة ومن ثم الفهم وبعد ذلك يأتي التطبيق ومن ثم التحليل والتقييم والصنع. التربية الإعلامية تعمل على التحليل والتقييم والصنع. العمل يبدأ من الأدنى إلى الأعلى، والتربية الإعلامية تهدف إلى إيصال مستوى القدرات الذهنيّة إلى المستويات الثلاث العليا أي التحليل والتقييم والصنع، ومتى وصلنا إلى مرحلة الصنع هذا يعني أننا أصبحنا قادرين على المشاركة في صناعة المحتوى الإعلامي.
ما هو التأثير السلبي للإعلام الرديء؟
ـ التأثير للإعلام السلبي على الأشخاص ليس مسألة ثابتة، وهي تتغير بتغير الفئة العمرية ومستوى المحتوى الإعلامي والاستهلاك الإعلامي. تقول الدراسات في هذا المجال إن التأثير الإعلامي السلبي يؤثّر في السلوك العميق للأفراد والنمو الفكري والنفسي، وخاصة الفئات العمرية الصغيرة وبشكل خاص الذين هم دون الثلاث سنوات، كما قد يؤثر على قدرة الأفراد على التواصل مع الآخرين وعلى أفكارهم ومعرفتهم.
هل تمّت عمليات تقيييم للأشخاص الذين خضعوا لدورات في التربية الإعلامية، وما كانت النتائج؟
ـ أجرينا مقارنة على بعض الأشخاص الذين خضعوا لورشات عمل حول التربية الإعلامية، فوجدنا أن هناك فرقاً كبيراً بين قبل وبعد، خصوصاً لجهة ارتفاع المستوى التحليلي والنقدي عند الطلاب الذين خضعوا لهذه الدورات. كما لمسنا، في الندوات والدورات، أن هناك استمتاعاً وحماساً بهذه المادة خاصة عند الأهل، خصوصاً أن هذه التربية تعمل على المهارات الفكرية العليا التي تمكّن الأفراد من تقييم المادة الإعلامية التي يتعرضون لها، وهذا المشهد يدعو للتفاؤل!