إدلب: موقف روسي حازم
حميدي العبدالله
عندما كانت موسكو، وبالتالي دمشق، تمنح أنقرة المزيد من الوقت لتطبيق اتفاق سوتشي، نظراً لحسابات سياسية تتعلق بمجمل الأوضاع في سورية، لا سيما الوضع في منطقة شرق الفرات، اعتقد كثيرون أنّ تأخر إطلاق عملية عسكرية في إدلب يأتي في سياق تقديم روسيا مصالحها الخاصة مع تركيا على حساب مصلحة سورية. واستغلّ كثير من المشككين، بعضهم من الجهات المعادية لسورية وروسيا والتي أرادت دقّ إسفين في العلاقة بين البلدين، وبعضها جهات صديقة عجزت عن الإحاطة بالأسباب التي دفعت موسكو ودمشق لتمديد المهل الممنوحة لتركيا، لدرجة أنّ بعض السوريين، وهم من مؤيّدي الدولة بات يخشى أن يكون مصير إدلب يشبه مصير لواء اسكندرون ووصل الأمر إلى حدّ أنّ أحد أعضاء مجلس الشعب السوري عبّر عن قلقه هذا في أحد جلسات مجس الشعب.
اليوم بعد انطلاق العملية العسكرية لتحرير إدلب تبدّد الكثير من سوء الفهم لموقف روسيا من الوضع في إدلب، لا سيما أنّ المساهمة العسكرية الروسية في عمليات تحرير إدلب، وتحديداً مساهمة سلاح الجوّ الروسي، لم تقلّ عن مساهمة روسيا السابقة في تحرير المناطق التي كانت تخضع لسيطرة داعش، وأسفرت هذه العملية حتى الآن عن تحرير مواقع استراتيجية، مثل قلعة المضيق وكفر نبودة وعشرات القرى التي أقامت فيها التنظيمات الإرهابية خط دفاعها الأول تحت حماية نظام نقاط الرقابة التركية التي كان يتوجّب عليها أن تخلي هذه المنطقة من الإرهابيين والسلاح الثقيل تبعاً لما ينص عليه اتفاق سوتشي الذي وقعه وزير الدفاع التركي نيابةً عن الدولة التركية.
ومعروف أنّ الجزء الأكبر من المعركة لتحرير أيّ منطقة يتمّ من خلال معارك تدمير خط التحصينات الذي يشكل خط الدفاع الأول عن المناطق التي تسيطر عليها المجموعات الإرهابية، وما أن يتحقق ذلك حتى تتحرّر المنطقة بسرعة بعد ذلك عسكرياً أو عبر المصالحة، وهذا ما سوف تشهده منطقة إدلب في غضون فترة قريبة.
لكن ما لا يقلّ أهمية عن مشاركة روسيا إلى جانب الجيش السوري في المعارك العسكرية الجارية في إدلب ومحيطها الموقف السياسي الحازم لروسيا الذي عبّر عنه وزير الخارجية الروسي في المؤتمر الصحافي المشترك مع وزير خارجية مالي الذي قال حرفياً «إنّ الإرهابيين في محافظة إدلب يواصلون استفزازاتهم بتحريض من الدول الغربية» مضيفاً بلغة واضحة لا غموض فيها «سيلقون رداً ساحقاً من الجيش السوري وروسيا». أيّ أكد التزام روسيا بمشاركة الجيش السوري في معركة إدلب بوضوح قاطع. أضاف لافروف مشدّداً على «ضرورة تطبيق اتفاق سوتشي حول إدلب والقضاء على التنظيمات الإرهابية في المحافظة ومنعها من استهداف المناطق السكنية ومواقع الجيش السوري وقاعدة حميميم» مطالباً أنقرة «بتنفيذ التزاماتها بهذا الخصوص بأسرع وقت» وختم لافروف وفقاً لما نقلته عنه وكالة سبوتنك الروسية «سيتمّ حسم الوضع دون أيّ تنازلات للإرهابيين» لأنه «وفقاً لمذكرة سوتشي تمّ التوصل إلى اتفاق بشأن الحاجة إلى فصل المعارضة المسلحة عن الإرهابيين وينبغي أن تقوم تركيا بالدور الرئيسي في هذا الأمر وفقاً للاتفاق الذي أبرم بين الرئيسين الروسي والتركي».
لا شك أنّ هذه المواقف الواضحة والحازمة وضعت النقاط على الحروف ولم يعد ثمة مبرّر للتشكيك في صدق التزام روسيا إزاء سورية.