أين القنابل الموقوتة في لبنان؟.. ومن يهدّد النسيج اللبناني؟.. وما هو سبب خسائر لبنان الاقتصادية؟
جودي يعقوب
نعود بذاكرتنا إلى الأمس القريب إبان حرب تموز 2006، ونستذكر وفوداً وأفواجاً من اللبنانيين الذين سلكوا طريق الشام، وكيف وقف السوريون إلى جانب إخوانهم اللبنانيين بحفاوة كبيرة، وكيف كانوا يتسابقون بين بعضهم البعض لفتح أبواب منازلهم لاستقبال إخوتهم الذين غادروا بيوتهم وقراهم ومدنهم بفعل القصف الهمجي للعدو الصهيوني على لبنان، وكيف بفضل سواعدهم أعيد بناء بلدات لبنان التي دمّرها العدوان بوحشيته، هذا من غير ذكر الدماء التي روت التراب الطاهر للبنان باعتبار أنه واجب وطني مقدس.
اليوم وبعد أن بدأت رحلة النزوح السوري بأقصى فصولها وأشكالها، دعونا نستذكر كيف تعامل لبنان حكومة وشعباً مع قضية النازحين السوريين ليس كواجبات وطنية وقومية فقط إنما كمسؤوليات إنسانية وأخلاقية؟
وكيف أصبح بين الأمس واليوم وللأسف الخطاب العنصري يتصدّر وبشكل متعمّد ومقصود وواضح ضدّ النازحين السوريين في لبنان، حيث بدأت بعض وسائل الإعلام اللبنانية بنشر مقالات وبث برامج وفيديوات عنصرية تحمّل السوريين في لبنان مسؤولية تردّي الوضع الاقتصادي والمعيشي للبنانيين.
حيث أصبح السوري من خلال طرحهم وراء كلّ الأزمات التي تصيب لبنان، فهو من أكل البلد، وهو سبّب مرض السرطان، وهو من تسبّب في ثقب الأوزون، وهو من اتفق مع عدد من الأعاصير لتقوم بضرب لبنان من أجل تعطيل الحياة فيه، متجاهلين الكثير والكثير من الأزمات التي كان وما زال لبنان يعاني منها حتى اليوم كأزمة النفايات والكهرباء والدين العام والتلوّث وغيرها.
هذا بالإضافة إلى تصريحات عدد كبير من المسؤولين والنواب اللبنانيين الذين دأبوا على تحميل كلّ شاردة وواردة لديهم على السوريين، في بلد وصلت ديونه إلى نحو 90 مليار دولار، وتستمرّ في التصاعد منذ انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية، أيّ قبل أزمة النزوح السوري بكثير.
لكن… وبعد أن أثبتت المعطيات والأرقام كيف حمل هذا النزوح معه فوائد اقتصادية تحصل عليها الحكومة اللبنانية نتيجة استقبالها لهم، بحسب ما أكده ديفيد بيزلي المدير التنفيذي لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة الذي كان قد تحدّث عن دور وفوائد اللاجئين بدعم الاقتصاد المحلي في الدول التي يعيشون فيها وخاصة النازحين في لبنان.
دفعنا هذا إلى طرح تساؤلات عديدة، منها مثلاً ما هو مصير الأموال الواردة من الجهات المانحة؟ وهل بالفعل تصل هذه المساعدات إلى من يحتاجها؟ وكيف يتمّ توزيعها عليهم؟ ومِن قبل مَن؟
فلربما تجعلنا هذه التساؤلات نرى بشكل أوضح من خلال عين الحقيقة كيف أصبح النزوح اليوم أشبه بالشماعة التي وجدها المعنيون والمتهمون بالفشل الاقتصادي حلاً لتعليق فشلهم عليها، متعمّدين عبر بعض وسائل إعلامهم ذاتها التي لا تضيّع أيّة فرصة لاتهام النازحين بأنهم سبب كلّ شيء في لبنان بعدم تسليط الضوء أيضاً على اللبنانيين الحقيقيين الذين أظهروا سخاءً لافتاً وحسن ضيافة وصموداً اجتماعياً، والذين قدّموا الكثير لإخوتهم السوريين في بيئة لبنانية حقيقية اتسمت بالسلم والتحضّر المعهود.
ولأنّ بيروت هي ست الدنيا يجدر بنا اليوم أن نبحث عمّن يقف خلف هذا الخطاب العنصري؟ ومعرفة مَن المستفيد الحقيقي مِن وراء مواجهة النازحين في هذه الأيام للعنصرية في لبنان الحضارة، لبنان الكرامة والشعب العنيد؟
حتى جعل من لبنان قطعة السماء وسويسرا الشرق أن تحتلّ المرتبة الثانية في تصنيف الدول الأكثر عنصرية في العالم وفق موقع «إنسايدر مونكي» الأميركي، حيث جاء لبنان ثانياً بعد الهند ولكنه كان الأول عربياً.
ولننظر بتأمّل مشهد الوحش البشري الذي لوّح بالسكين في وجه الأطفال الثلاثة، والذي قام بتخويفهم بالذبح، ربما نستطيع أن نوقن من خلاله أنّ داعش ما تزال منتشرة بأكثر من شكل ولون ودين، لعلنا نستطيع أن نعرف من هي؟ ومن يدعمها ويقف وراءها في لبنان؟
ولنضع نصب أعيننا السؤال الأكثر أهمية وهو:
هل كلّ النازحين الموجودين في لبنان هم سوريون حقيقيون؟
وهنا لا أقصد السوريين الذين يحملون جواز الجمهورية العربية السورية، وإنما أقصد السوري الحقيقي الذي يحمل جواز العزة والكرامة والذي يموت من أجل أن تحيا سورية.
فلو كان الجميع ممن يملكون جواز العزة والكرامة فهم في أرضهم ووطنهم وبين اخوتهم، وهم من ترفع لهم القبعات وهم الفخر أينما حلوا.
لأنّ السوريين الحقيقيين هم الذين يبنون الإنسان والمجتمع بعقولهم قبل سواعدهم من أجل أن تزهر سوريانا، وهم من تتنازع عليهم دول عديدة من أجل استضافتهم من خلال يقينها التامّ بالعقل السوري الخلاق.
وباعتبار أننا لا نستطيع إخفاء الشمس بإصبعنا يجب أن نسأل وبصوت عال من هم إذن الذين يفتعلون المشاكل ويتقصّدون تحويل لبنان إلى ساحة صراع طائفي، ويمارسون القتل والسرقة والإجرام حتى يحوّلوا صورة السوريين الحقيقية إلى صورة مليئة بالدم والتخريب والتدمير، حتى تضطر بعض البلديات في لبنان لفرض إجراءات صارمة على كلّ من يحمل جواز الجمهورية العربية السورية بعد الشكاوى الكثيرة التي تصلهم بسبب بعض الممارسات الغير الأخلاقية، والذي يجعل من شعب لبنان موضع اتهام بالعنصرية أمام الرأي العام.
فهؤلاء من المستحيل أن يكونوا سوريين حقيقيين، فمن هم؟ ومن يدعمهم؟ ومن يحرص على الاحتفاظ بهم في لبنان؟
لأنّ مثل هذا النوع من المخلوقات المدمّرة لا يحق لهم العيش في أيّ كيان من كيانات سوريانا العظيمة، فهم لا يستحقون جواز الكرامة والعزة والحضارة والإنسانية، بل يجب علينا أن نكون يداً واحدة من أجل العمل على طردهم ليس فقط من لبنان، وإنما من جميع كيانات سوريانا والإسراع في إعادتهم إلى الدول التي حرّضت ودفعت المليارات من أجل برمجة عقولهم على التخريب والإجرام، فالبلاد التي تموّلهم هي أوْلى بهم من غيرها…!