دروس من الحرب التجارية بين الصين وأميركا
حميدي العبدالله
لم تتضح بعد نتائج الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، ولكن على الرغم من نقاط قوة الصين الكبيرة، وأبرزها سوقها الواسعة التي لا تستطيع أيّ دولة صناعية أن تستغني عنها إذا أرادت لاقتصادها أن يحافظ على معدل نمو مرتفع، والحصول على مستويات معيشية عالية، وسلعها الرخيصة أن يساعد الحصول عليها بأقلّ كلفة نتيجة لرخص المدخلات الصينية في الصناعة، تحسين مستوى معيشة سكان البلد الذي يستورد البضائع الصينية، إلا أنّ المعركة التجارية الحالية أظهرت نقاط ضعف قوية من جهة الصين، ونقاط قوة كبيرة للولايات المتحدة، ويعود ذلك بالدرجة الأولى، إلى الاعتبارات السياسية أكثر منها إلى الاعتبارات الاقتصادية.
نقطة ضعف الصين في الحرب التجارية في الولايات المتحدة تتمثل بالدرجة الأولى في أنّ جزءاً من الصناعات المتطورة الصينية تمّ بناؤها على شراكات مع الولايات المتحدة، شركات تبيّن أنّ الاستغناء عنها شبه مستحيل في ضوء المأزق الذي تواجهه هواوي عملاق الصناعات التكنولوجية الصينية، هواوي التي تجاوزت الآيفون وسامسونغ، تتراجع اليوم بقوة بفعل الضغوط الأميركية عليها، وربما تخسر ريادتها في السوق العالمي إذا لم يتمّ التوصل إلى تسوية تجارية مع الولايات المتحدة، وتتحوّل إلى منتج وطني بحت، وحتى ربما المستهلك الصيني يتخلى عنها إذا لم تكن قادرة على التفاعل عالمياً، وهو أمر يصعب تحقيقه إذا انسحبت الاندرويد القوة الأميركية المشغلة للهواتف الذكية لشركة هواوي.
وحتى نقطة قوة الصين المتمثلة بأنها المكتتب الأول في سندات الخزينة الأميركية، فهي تعكس تبعية مصالح متبادلة بين واشنطن وبكين، وليس ورقة قوة صينية بحتة.
أما ورقة قوة الولايات المتحدة، فهي هيمنتها على معظم الصناعات المتطوّرة على مستوى العالم، من خلال الشراكات بين الصناعات الأميركية وصناعات الدول الأخرى. واشنطن قادرة مثلاً على حرمان هواوي الصينية من الأسواق العالمية، وليس سوق الولايات المتحدة وحدها، وحتى لها تأثير على السوق الصينية ذاتها في ضوء اندماج الاقتصاد الصيني بالاقتصاد الدولي.
بنت الصين اقتصادها على الشراكة مع الاقتصاد الأميركي، واليوم لا تستطيع الفكاك من هذه الشراكة من دون دفع ثمن باهظ. الولايات المتحدة قبلت هذه الشراكة عندما كانت مكاسبها أعلى من مكاسب الصين، وعندما بلغت الصين مستوى من التطوّر يجعل المشاركة متكافئة، وربما متفوّقة، كما هو حال هواوي، انقلبت واشنطن على هذه الشراكة، وتريد من الصين إبقاء الوضع على ما كان عليه والتخلي عن نقاط تفوّقها، وهذا يضع الصين في مأزق حقيقي. صحيح أنّ الولايات المتحدة تتضرّر أيضاً لكن ضرر الصين أكبر من ضرر الولايات المتحدة، نظراً للعلاقة غير المتكافئة التي قبلتها الصينيين في فترات سابقة.