الرسوم على المستوردات احتيالية
ناصر قنديل
– في كل دول العالم تُفرض رسوم على المستوردات، لكن ليس من دولة يمكن تسميتها بالدولة الحقيقية تفرض رسوماً متساوية وشاملة على كل المستوردات، وعندما تكون الرسوم على المستوردات من حجم الـ 2 . وفي سياق الحديث عن كيفية تأمين موارد للخزينة، فهي تخرج عن سياق أي بحث اقتصادي ومزاعم تشجيع الإنتاج الوطني وتعزيز قدرته التنافسية، وتصبح مجرد صيغة احتيالية لفرض رسم إضافي على القيمة المضافة تهرباً من الوقوع بالإعلان عن زيادة هذا الرسم بنسبة 2 ، والحكومة تعلم أن هناك تعبئة شعبية كافية للتصدي لها وإسقاطها.
– الرسم المستهدَف بقيمة 2 في بلد يستورد ما يقارب العشرين مليار دولار وما يزيد، يسعى لتحقيق دخل يقارب الأربعمئة مليون دولار للخزينة، ومعلوم أن السلعة الأولى التي تتقدّم السلع المستوردة هي المشتقات النفطية التي تقارب فاتورة استيرادها خمسة مليارات دولار سنوياً، والتي يعني رسم الـ 2 عليها زيادة بقيمة خمسمئة ليرة تقريباً على صفيحة البنزين. وكانت هذه الزيادة واحدة من المقترحات لرفع مداخيل الخزينة التي جوبهت بردة فعل استباقية من النقابات والأوساط الشعبية، فتم تمريرها تحت عنوان الـ 2 على المستوردات. ومثل هذه الزيادة تعني فرض زيادة في فاتورة العائلة اللبنانية بين خمسة آلاف وعشرين ألف ليرة شهرياً، عدا ما سيترتب عليها من زيادة في كل اسعار السلع التي يدخل النقل في تركيبها، وتليها الأدوية التي تشكل فاتورة استيرادها قرابة المليار دولار سنوياً وتعني زيادة الـ 2 عليها زيادة تراوح بين المئتين والألفي ليرة على سعر الأدوية، أي زيادة من خمسة إلى عشرة آلاف ليرة شهرياً على الفاتورة الدوائية للعائلة، في توقيت تعلن وزارة الصحة سعيها لتخفيض سعر الدواء، وبالمجمل فإن قيمة تزيد عن الخمسة وعشرين ألف ليرة ستكون حصة كل عائلة لبنانية من هذا الرسم، وهي تعادل نسبة 3 على الرواتب إذا طبقت على الحد الأدنى للأجور.
– الرسوم التي تشجّع الإنتاج الوطني وتحميه معروفة في بلاد العالم كله، وهي ليست رسوماً مشروعة فقط بل واجبة، ولا تخجل بفرضها الدول الصناعية الكبرى، وها هي أميركا صاحبة اقوى اقتصاد في العالم تخوض حروباً اقتصادية لحماية إنتاجها الوطني، وذلك عبر فرض رسوم عالية على المستوردات المنافسة للإنتاج الوطني، أو التي تمنع قيام ونشوء إنتاج وطني منافس في مجالات صناعية وزراعية يملك مقوّماتها. وتكفي الإشارة على سبيل المثال إلى أن لبنان ينتج الألبان والأجبان والبيض وعنده الإمكانيات لتوسيع مجالاته الإنتاجية في هذا الميدان وتشغيل المزيد من الأيادي العاملة، وخلق فرص عمل إضافية تعادل كون مستوردات لبنان في هذا القطاع تقارب الأربعمئة مليون دولار سنوياً، وهو رقم كبير بالقياس للقطاعات الإنتاجية اللبنانية، ومثله لبنان بلد منتج في مجالات صناعة التبغ والمشروبات الكحولية والغازية والمياه المعبأة، وتوسّع هذه القطاعات ممكن، ويستطيع تلبية السوق المحلية وخلق فرص عمل إضافية، والتوسّع نحو التصدير، وفرض رسوم نوعية على هذه السلع بالتوازي مع تقديم حوافز في منظومة التسليفات المصرفية المدعومة من الدولة لمشاريع استثمارية في هذه القطاعات، إنما لا يعني فقط توفير واردات للخزينة من الرسوم النوعية المفروضة فقط، بل تخفيض فاتورة الاستيراد، وتوسيع فرص النمو لقطاعات تملك مقومات الحياة وتنشئ المزيد من فرص العمل.
– في بلدان العالم المتقدّم سعر علبة التبغ يصل إلى عشرة دولارات، ويمكن للبنان أن يفرض على التبغ المستورد نسبة من الرسوم تزيد عن المئة بالمئة، ومئتين بالمئة، وبالتوازي تمكين إدارة الريجي من تغطية النقص الحاصل في الطلب على التبغ المستورد بزيادة الطلب على الصناعة الوطنية التي أثبتت في السنوات الأخيرة أهلية مكنتها من استقطاب نسب عالية من السوق المحلي، دون حماية جمركية، ومثلها الصناعات في المشروبات الكحولية والغازية والمياه المعبأة المستوردة. وللبنان مكانة صناعية مميّزة في هذه المجالات ويمكن له التوسع، وإذا أخذنا بالاعتبار أن مليار دولار تشكل قيمة مستوردات لبنان من هذه السلع مجتمعة، وأن نسبة مئة بالمئة مثلا على بعضها وخمسين بالمئة على بعضها الآخر وعشرين على بعض ثالث، ستعني تحقيق الرقم المستهدف أي الأربعمئة مليون دولار، آخذين بالاعتبار انخفاض فاتورة المستوردات تدريجياً والانتقال للمنتجات الوطنية بأسعار منخفضة نسبياً رغم استيفاء رسوم عليها، بدلاً من المستوردات، وسيكون للدولة عائد من رسوم وضرائب من تطوّر المؤسسات الوطنية، وفوقهما فرص عمل ونمو اقتصادي.
– هل وكلاء تجارة التبغ والكحول والمياه والألبان وسواها، أقوى من إرادة نيابية حكومية لاستبدال الرسم المقطوع على المستوردات برسم نوعي متحرك على السلع التي تنافس إنتاجاً وطنياً، أو تحدّ من نمو فرص الإنتاج الوطني؟ والحجة لتجنب الرسوم على أغلب هذه السلع هي أن لبنان سوق تهريب إلى سورية في وقت يشكو لبنان من التهريب، ولأن بعضاً مهماً من هذه السلع بتوصيفه من الكماليات يحتمل المزيد من الرسوم خلافاً لحال سلع تطال كل اللبنانيين وتدخل في تكوين كل الأسعار كحال المشتقات النفطية، يصير السؤال مستحقاً.