توازن دولي جديد حققته الدبلوماسية الإيرانية
ناصر قنديل
– حقيقتان بارزتان تتوقّف أمامهما مراكز الدراسات المعنية بالشؤون الاستراتيجية والدبلوماسية في العالم. الأولى صعود الدور الإيراني بالتزامن مع ما بدا أنه حرب عليها بالوكالة من بوابة سورية، كانتقام منها ومن سورية لدورهما في دعم قوى المقاومة، وما نتج عنه من تراجع إسرائيلي بدأ عام 2000 بالانسحاب من جنوب لبنان وتواصل عام 2005 بالانسحاب من غزة وتوّج بالفشل العسكري في حرب تموز 2006 على لبنان وحرب 2008 على غزة، والثانية أن النظر إلى هذا الصعود لا يجوز أن يرتبط بالتنبؤات حول الاتجاه الذي ستسلكه التوترات الناجمة عن الانسحاب الأميركي من التفاهم على الملف النووي الإيراني والعودة لنظام العقوبات ضد إيران، سواء انتهت بتصادم مباشر إيراني أميركي أو بتسوية او بتهدئة. فالقضية هي أن اللاعب الإقليمي الأقوى بات إيران على حساب تراجع كل من تركيا ومصر والسعودية و إسرائيل .
– الحديث يجري عن نجاح إيراني بتوظيف التموضعات التركية الهادفة لتخفيف الخسائر من الفشل في الحرب على سورية، بتعزيز المكانة الإيرانية عبر الفراغ الناتج عن خروج تركيا من المحور الخليجي الإسرائيلي وعجزها عن تشكيل محورها الخاص، وعن نجاح موازٍ بتوظيف تراجع مكانة السعودية في الخليج أمام اليمنيين لتصير إيران وسيطاً ضرورياً لأي استقرار في الخليج. وبالتوازي نجاح إيران بإدارتها ملفها النووي دبلوماسياً بوضع روسيا والصين في مكانة دولية متقدّمة يستدعي الدفاع عنها دعماً متزايداً لإيران، باعتبار التفاهم أول إنجاز متعدّد الأطراف يكسر الأحادية الأميركية التي تشكل العودة إليها هاجس الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ويشكل دعم إيران الطريق الوحيد لتحويلها نموذجاً قابلاً للتعميم، وبالمقابل فإن أوروبا التي اعتادت السير وراء أميركا وجدت نفسها مع التفاهم النووي الإيراني ونتائج الحرب على سورية مدعوّة لقراءة أمنها القومي المهدّد بالقرب الجغرافي من المنطقة، بعيون غير أميركيّة، خصوصاً في قضايا الإرهاب والصواريخ والنازحين، ولو عجزت عن ترجمة التمايز بالتمرّد على المشيئة الأميركية، فيكفي إيران أن تجد واشنطن عزلة دولية في مبادراتها مقابل مكانة مرموقة لإيران في الحياة السياسية والدبلوماسية الدوليّة.
– تقدم القضية الفلسطينية نموذجاً كافياً لقراءة المسارين الدبلوماسيين لكل من واشنطن وطهران، فأميركا الراعي الدائم والوحيد لمشاريع التسوية للقضية الفلسطينية، تطلق مبادرتها لما سُمّي بصفقة القرن وتكاد لا تجد أكثر من عشر دول في العالم، تجاهر بتأييدها، مقابل معارضة واسعة تشترك فيها الدول الكبرى، وإيران التي كانت بنظر العالم مسؤولة عن محاولات تخريب مساعي التسوية، تقف اليوم في قلب صف دولي عريض يعترض على المبادرة الأميركية، والفلسطينيين الذين كانت أغلبيتهم السياسية تراعي الحسابات الأميركية بصفتها المرجعية الوحيدة القادرة على صناعة التسوية يتوحّدون اليوم بالقرب من إيران في مواجهة السياسات الأميركية.
– خرجت واشنطن من الاتفاق النووي لتضع إيران بعيداً عن المكاسب الموعودة وفي اعتقادها أنها نهاية المطاف، تبقى إيران مقيدة نووياً ومعاقبة مالياً، فصبرت إيران سنة كاملة وهي تخاطب الشركاء في التفاهم النووي مطالبة بالتصرف، لتقف بعد سنة وتعلن عزمها الخروج من الاتفاق، ويكون الحصاد بخروجها أنها عادت إلى ما كان الوضع عليه عشية توقيع التفاهم، لكن دون فرص عقوبات أممية عليها في ظل فيتو روسي صيني مؤكد، ودون قطيعة مع أوروبا. بينما واشنطن تعود إلى عشية توقيع التفاهم وقد خسرت الفرصة بعقوبات أممية على إيران وخسرت دعم أوروبا.
– مؤتمر المنامة مقابل يوم القدس العالمي، معادلة تكفي لمقارنة حجم النجاح الإيراني وحجم الفشل الأميركي.
– إنه الفرق بين حائك السجاد ولاعب البورصة.