في القدس….الحرب تشتدّ وطأتها
راسم عبيدات ـ القدس المحتلة
من الواضح أنّ حكومة الإحتلال… في ظلّ الحالة العربية المنهارة، بوصول النظام العربي الرسمي الى مرحلة «الإنبطاح» الكامل، والإنخراط المباشر في المشروع الأميركي المسمّى «صفقة القرن» لتصفية القضية الفلسطينية، حيث تتقاطر دول ما يسمّى بـ «الناتو العربي» الى جانب دولة الإحتلال للمشاركة في ورشة البحرين الإقتصادية التي دعت اليها الإدارة الأميركية في 25 و26 من هذا الشهر من اجل تصفية القضية الفلسطينية وشطبها، باعتبار قضيتهم قضية مال ومشاريع اقتصادية وليس قضية وطن وأرض، فالمتصهين كوشنر صهر الرئيس المتصهين ترامب، وصلت به الوقاحة حدّ القول بانّ الفلسطينيين غير قادرين على حكم أنفسهم، دون ان يثير تصريحه أي ردّ فعل عربي… تجليات السياسة الأميركية والإنهيار العربي يترجمها الإحتلال الصهيوني بشنّ حرب شاملة على المقدسيين، حيث عمليات الطرد والتهجير القسري الجماعي، المعبّر عنها بالتطهير العرقي و»المشرعة» و»المقنونة» بما يعرف بقانون «أساس القومية» الصهيوني، نجدها في منطقة وادي الحمص في صورباهر، حيث خطر الطرد والتهجير القسري يتهدّد مئة عائلة مقدسية بهدم 16 بناية منها 11 تقع في المنطقة المصنفة A و 3 تقع في المنطقة C واثنتان تقعان ضمن المنطقة المصنفة B .. والحجج والذرائع القرب من جدار الفصل العنصري، وهذا يشكل خطرا امنيا، لا يمكن الإحتلال من مراقبة المنطقة، ودخول عناصر أو جماعات من الضفة الغربية الى القدس، قد تلحق الضرر بأمن دولة الإحتلال، ولكن الهدف الحقيقي لذلك هو شق طريق استيطاني يربط ما بين مستوطنتي «هار حوماه» أبو غنيم مع مستوطنة «معاليه ادوميم»، والطرد والتطهير العرقي لا يقتصر على منطقة وادي الحمص، فهناك نفس المخاطر يتعرّض لها سكان حيّي واد ياصول وبطن الهوى في سلوان، والشيخ جراح وكبانية ام هارون.. وهي سياسة متدحرجة ومتواصلة لتشمل المزيد من الأحياء والمناطق الفلسطينية المقدسية، لتطال المناطق والأحياء المقدسية الواقعة خارج جدار الفصل العنصري، حيث يتهدّد خطر الهدم الجماعي والتطهير العرقي عشرات البنايات في منطقة قلنديا والمطار.
وفي إطار سياسة الإحتلال لتقسيم المقسم في مدينة القدس، وجعل كل قرية من قرى القدس وحدة اجتماعية منفصلة ومعزولة عن الوحدات الإجتماعية الأخرى، بما يمنع التواصل الجغرافيا بين القرى المتجاورة،ببناء بؤر إستيطانية تفصلها عن بعضها البعض، او في قلبها، على سبيل المثال لا الحصر بناء مستوطنة تفصل قرية المكبر عن صورباهر، واخرى تفصل شعفاط عن بيت حنينا وهكذا دواليك، وفي هذا الإطار جرى توزيع عشرات الإخطارات بالهدم في العيسوية لإقامة ما يسمى بالحديقة التلمودية التوراتية المسماة بالحديقة الوطنية التي تفصل ما بين قريتي الطور والعيسوية، وتمنع أي تمدّد جغرافي لقرية العيسوية المحاصرة… وسبق هذا القرار ما جرى في منطقة باب الخليل، حيث ضرب المنطقة «تسونامي» وكارثة حقيقية، من خلال بيع وتسريب عقارات باب الخليل فندقي البتراء والإمبريال في باب الخليل وقصر المعظمية بالقرب من باب حطة الى جمعية «عطروت كوهانيم» الإستيطانية، بتواطؤ ومشاركة من قبل شخصيات نافذة في البطريركية بما فيها البطريرك السابق ايرينيوس واستمرار البطريرك الحالي ثيوفيوليوس في نفس السياسة والنهج، فهو لم يلتزم بما وعد به امام العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني من الغاء لتلك الصفقات لوجود الرشاوي والفساد المالي في أساسها، حيث أسقطها محامو البطريركية وتخلوا عنها في محكمة العدل العليا الإسرائيلية، هذه العقارات التي تتحكم بمدخل البلدة القديمة وتشرف عليها، حيث تتحكم بالطرق المؤدية الى جامع الخليفة عمر بن الخطاب ومدخل كنيسة القيامة وتشرف على الطريق المؤدية الى المسجد الأقصى، وبيت المعظمية قريب جداً من باب حطة الذي استهدفه الاحتلال وحاول السيطرة عليه، في معركة وضع البوابات الكترونية على بوابات المسجد الأقصى في تموز/2017، والإستيلاء على تلك العقارات وما سبقه من بيع وتسريب لبيتي جوده والعلمي في قلب البلدة القديمة، وبما يعنيه هذا ليس فقط تهويداً للمدينة، بل تفريغاً للبلدة القديمة من القدس من الوجود العربي الإسلامي والمسيحي، وتغيير وضعها القانوني والتاريخي ومشهدها العام، حيث نشهد تناقصاً حاداً في أعداد العرب المسيحيين فيها، وبالتالي هذا التسريب لا يشكل فقط إهانة لشعبنا الفلسطيني، بل وللحكومة الأردنية صاحبة الوصاية على المقدسات الإسلامية والمسيحية فيها.. ولعلّ هذا مرتبطاً بالقرار الأميركي بإعتبار القدس عاصمة لدولة الإحتلال ضمن ما يسمّى بخطة صفقة القرن لتصفية القضية الفلسطينية.
ومن اجل تعزيز قبضة سيطرة الإحتلال على المدينة وحسب صحيفة «يديعوت احرنوت» الصهيونية، بادر ما يسمى بوزير الأمن الداخلي الصهيوني «جلعاد أردان» بتقديم مشروع قرار يمنع فيه أي شخص او مجموعة فلسطينية من تنفيذ انشطة وفعاليات في مدينة القدس، تتلقى الرعاية والتنظيم والتمويل من السلطة الفلسطينية والقوى والأحزاب الفلسطينية حسب زعمه، ويعاقب كلّ من يقوم بذلك بالسجن لمدة ثلاث سنوات، وهذا القرار العنصري ليس بالجديد، فقط شهدنا حرباً على كل مظاهر وأشكال السيادة الفلسطينية في المدينة، لتطال رفع العلم الفلسطيني وأنشطة ذات بعد اجتماعي إغاثي، حيث جرى في شهر رمضان الفضيل مصادرة والإستيلاء على طرود غذائية للفقراء والمهمشين والعائلات المحتاجة بحجة ان مصدرها السلطة الفلسطينية.
وتفريغ البلدة القديمة من سكانها العرب، لا يقتصر فقط بالإستيلاء على عقاراتها سواء بالبيع والتسريب من قبل من هم متجردين من كل معاني القيم والأخلاق والإنتماء الوطني، بل يجري الإستيلاء عليها بأكثر من طريقة ووسيلة من قانون ما يسمى بأملاك الغائبين الى الجيل الثالث والى تزوير الوثائق والأوراق الثبوتية للملكية. فالآن يجري تفريغ البلدة القديمة من طلبتها، لكي يسهل للإحتلال السيطرة عليها بدون عوائق أو منغصات، فالخطر يتهدد مدارس القدس للبنين وخليل السكاكيني للبنات والمالوية للبنات بالإغلاق، فالإحتلال يسعى الى تفريغها من الطلبة وتحويلها إما لمدارس للمنهاج الإسرائيلي « البجروت» او تحويلها الى مراكز جماهيرية او مدارس دينية يهودية.
نعم الحرب على مدينة القدس تتسع وتشتدّ وطأتها يوماً بعد يوم، والإحتلال يحقق المزيد من الإنجازات ويراكم عليها، فرغم حالة الصمود الأسطوري والممانعة التي يبديها المقدسيون في وجه المحتل، ولكن قدراتهم على الصمود والمقاومة لوحدها لا تكفي للتصدي لمشاريع، اكبر من طاقاتهم وإمكانياتهم، ولذلك من الملح والضروري ان يرتقي المستوى الرسمي الفلسطيني بمسؤولياته وتعاملاته مع قضايا أهل القدس الى مستوى التداعيات والمخاطر الكبيرة التي تتهدد وجودهم وبقاءهم، ولا بدّ من تحريك المياه الراكدة على المستوى العربي والإسلامي رسمياً وشعبياً، من أجل إسناد ودعم المقدسيون بالفعل لا بالقول، فالمرحلة تحتاج الى فعل وليس الى إنشاء و»هوبرات» إعلامية، فالخطر جدي وحقيقي.