من لا يعرف الفرق بين المقاومة والإرهاب لا يميّز بين الحقّ والباطل…
جمال العفلق
إنها السعودية مرّة أخرى، بشطحاتها السياسية وتصعيدها الدائم لتغطية العدوان على سورية والعراق. فعداء السعودية للمقاومة التي تحارب ما يسمى «إسرائيل» منذ عقود، ليس بالسرِّ الذي يمكن أن تخفيه المملكة التي بقيت لفترة طويلة تقبل، وعلى مضض، وجود حزب الله في الحكومات اللبنانية المتعاقبة، لعلّ أتباعها في لبنان يستطيعون نزع سلاح الحزب وسرقة انتصاراته.
استغلت السعودية اغتيال االرئيس رفيق الحريري لتصعّد حربها على المقاومة، ثم وجدت في حرب تموز 2006 مخرجاً لها بحجّة أنّ محاربة «إسرائيل» مغامرة غير محسوبة العواقب، وكانت المملكة ودول ما يسمى «الاعتدال» ومن خلفهم أميركا وقوى الرابع عشر من آذار، يعقدون آمالاً كبيرة على أن تحقّق «إسرائيل» ما عجزوا عنه طوال سنوات، لكنّ انتصار المقاومة وانكشاف ضعف الكيان الغاصب، حطما كلّ الآمال بنزع سلاحها أو إضعافها، فكانت حرب تموز نقلة نوعية في العمل المقاوم، وفرضت نتائج الحرب واقعاً جديداً تمثل في وجود قوة وطنية واثقة من نفسها، قادرة على إدارة المعركة ومواجهة ضربات العدو ببسالة وتحمُّل الطعنات في الظهر من الإخوة.
عندما بدأ العدوان على سورية وشاركت المقاومة في الدفاع عن دمشق، وقبل ذلك حماية حدود لبنان ومنع نمو التنظيمات الإرهابية في الشمال، كان أتباع السعودية يمرّرون السلاح والمال لدعم الإرهابيين وتجهيز مراكز تدريب لهم لفرض واقع جديد على لبنان، في وجود فصائل أخرى، ضمن منهج مذهبي في محاولة لتغيير موازين القوى وفرض القرار السياسي فيما بعد، أو إشعال حرب داخلية تشغل المقاومة عن محاربة «إسرائيل»، وكل هذا ليس افتراضاً، فأمن «إسرائيل» من أولويات أميركا، لذلك تطلب السعودية من أتباعها جعله خطاً أحمر لا يجوز اختراقه، مستغلة التحريض الطائفي والمذهبي، للحدّ من التمدّد الإيراني في المنطقة.
إنّ إنجازات المقاومة باتت معروفة للقاصي والداني، حتى أنّ «إسرائيل» تحسب لها ألف حساب. فلا يوجد حتى اليوم ما يشير إلى أنّ المقاومة عملت بفكر وتوجه إرهابيين، فلم تقم بتفجير سيارات مفخخة بالمدنيين الأبرياء، ولا نهبت أو سرقت أموال الفقراء، ولا قامت بعمليات خطف أو ابتزاز ولا مارست أبشع أنواع التطهير والتنكيل، فعمل المقاومة عسكري دفاعي واضح المعالم ومعروف الأهداف.
إنّ موقف السعودية في مجلس الأمن، بالمساواة بين الإرهاب الأسود بفكره القاعدي وبين المقاومة، هو إعلان حرب على كلّ القيم الأخلاقية والإنسانية، فتبرير السعودية لا يرتقي إلى منطق العقل، ولا يمكن اعتباره محاولة لإحداث توازن سياسي أو تصعيداً مقبولاً، لأنّ السعودية اليوم تتحدث بلسان الكيان الغاصب وأميركا، في وقت ما زالت أوروبا وأميركا وحتى «إسرائيل»، تعتبر بشكل أو بآخر أنّ حزب الله هو حزب لبناني موجود على الأرض.
لا ينكر أحد أنّ جذور «داعش» تعود إلى تنظيم القاعدة الذي صنع في أفغانستان بمال سعودي، حين كانت السعودية تصدّر شبابها إلى أفغانستان بحجّة محاربة الشيوعية، وهي اليوم تعيد السيناريو نفسه، بحجّة محاربة المدّ الشيعي. فكيف يمكن الموازنة بين «داعش» والمقاومة؟ وكيف يمكن تشبيه «النصرة» التي تموَّل عبر الكيان الصهيوني، وتُمدّ بالمال والسلاح وتقدم لها المساعدات الطبية، بالمقاومة التي تدافع عن أرضها وعرضها وتساعد سورية على وقف التطرف والتمدّد الدموي للإرهاب، الذي إذا ما انتصر في سورية فإنه سينتقل إلى لبنان ودول المنطقة، من دون المسّ، طبعاً، بأمن ما يسمى «إسرائيل»؟
جاء الطلب السعودي متزامناً مع تصريحات أخرى تفيد بأنّ السعودية تضغط على فرنسا لمنع توقيع الاتفاق النووي مع إيران، في وقت تحدثت فيه الصحف اللبنانية عن عودة التفاوض بين حزب الله وتيار المستقبل الذي يمثل السعودية في لبنان، لتكتمل الصورة وترسم المملكة سياستها الخارجية والعربية على أساس مذهبي، لا على أساس المصالح والمنفعة المتبادلة، وهذا ما يثبت مدى تورط المملكة في الصراعات الطائفية والدينية في المنطقة، ورغم ذلك ما زالت هناك أصوات في السعودية اليوم، تدعو إلى «الجهاد» في سورية ضدّ الشعب السوري لاحتلال القرى الآمنة وتشريد السكان وتهجير السوريين، في حين أنّ السعودية وشيوخها لم يدعوا إلى الجهاد مرة واحدة من أجل فلسطين.
فكيف لنا أن نقبل أن تتم المساواة بين مقاوم وإرهابي؟ وإذا ما قبلنا، فلسان حالنا يقول أنّ الحقّ والباطل متشابهان.